مما لاشك فيه أن المخطط الدولى الذى يستهدف مصر (الدولة والشعب) قبل النظام والحكم، تتجلى ملامحه فى غيبة تامة من حالة وعى حقيقية تجابهه، وتستطيع قراءة واقع التهديدات التى تحدق بهذا الوطن، وحتى لا يبد الحديث منقطعا عن تجسيد حقيقى لحالة الاستهداف، لابد أن نعود إلى المشهد الإعلامى الذى بات واحدا من أهم وسائل دعم هذه المخططات المستهدفة للوطن المصرى بجميع مكوناته. وبتدقيق فى المشهد نكتشف أن تحديا أساسيا يواجه اكتمال ميلاد الجمهورية الجديدة، عبر ربطها بذات الرحم الذى ابتلى الأمة بنظام (مبارك)، وهنا يتجاوز الأمر حدود الاستهداف من قبل التنظيم الدولى للإخوان، ليدخل على خط المواجهة مع الجمهورية الجديدة، أطلال نظام مبارك الذى سقط كما سقط نظام مرسى بإرادة شعبية وانحياز الجيش المصرى قيادة وجندا لإرادة الناس . ولأن كاتب هذه السطور كان -حتى 25 يناير- واحدا من أعضاء التنظيم الإخوانى، فإن سابق الخبرة مع التنظيم فى ظل عصر مبارك، يجعل كليهما -الإخوان مبارك- وجها واحدا لعصر تجلى فيه التوحد بين الفساد والإفساد باسم الوطنية وباسم الدين. فى ظل هكذا رؤية للمشهد، تستدعى الماكينة الإعلامية للتنظيم الإخوانى عبر (اللجان الإلكترونية) حوارا أجرته الكاتبة الكويتية فجر السعيد مع قرينة الرئيس المخلوع، مطلع شهر يناير من العام الحالي، ثم يتم تسويقه باعتباره إطلالة جديدة ل(سيدة مصر الأولى التى كانت والتى لا تزال)، ثم يتم التسويق للحوار القديم عبر حملات دعاية مدفوعة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، تخاطب جموع الشباب الذين يفتشون حتى يومنا هذا عن حلم 25 يناير فى (عيش - حرية - عدالة اجتماعية - كرامة إنسانية)، ويكون الجزء المستهدف من التسويق للحوار القديم هو الذى يقول (لو كنا نخطط لتوريث الحكم لأدخلنا أبناءنا السلك العسكري، لأننا نعلم بأن مصر لا يحكمها إلا ابن المؤسسة العسكريه)!. ويأتى ذلك بالتزامن مع نشر أحد المواقع المصرية صورا لجمال مبارك فى مدرسة ابنته، لتكون محصلة الصورة التى يتم رسمها للجمهورية الجديدة لا تحمل إلا وجها واحد ارسم ملامحه مخطط متربص ومغرض، يستهدف الربط بين الجمهورية الجديدة ومصر التى كانت قبل 2011م، حيث (آل مبارك يعودون)، و(الإخوان) يؤججون، والشارع تتصاعد فيه أعداد المحتقنين. هذه الصورة تنص عليها أحدث خطط التنظيم الإخوانى المعتمدة من قبل التنظيم الدولي، تحت عنوان (صناعة الحاضنة الثورية)، أو (استعادة حالة ماقبل 25 يناير 2011)، ولذا فتش فى إعلام التنظيم، لتكشتف أنك أمام استدعاء شامل ومستمر لحالة مصر قبل ثورة يناير، يضغط التنظيم بكل قواته لتأزيم الواقع المصرى العام، ويستغل كل الثغرات التى تملأ بدن الجهاز الإدارى للدولة والتى يملك التنظيم من المعلومات عنها ومن العناصر التى تغذيه بتحديث دائم لهذه المعلومات الكثير، والهدف الأساسى يتجاوز إسقاط النظام إلى عقاب جماعى للشعب الذى ثار فى وجه التنظيم. إذن التنظيم الإخوانى لا يعنيه مبارك وآله من قريب ولابعيد، لكن الأزمة الحقيقية هى أن كل المحسوبين على نظام مبارك، يتحركون للحضور فى المشهد باعتبار أن الخصم الرئيسى الذى كان يواجههم هو الإخوان، رغم أن من أسقطهم من الحكم كان قطاعا عريضا فى هذا الشعب أصابه من عوار إدارتهم ما أصابه ظلما أو إجحافا أو سلبا لحقوق أساسية، ولسنا هنا فى مجال محاسبة، لكن حساسية اللحظة تحتم علينا المكاشفة، تأكيدا على إن نظام مبارك تحالف مع التنظيم فى ساحات عدة، و كانت وجوه نظام مبارك تلتقى مع التنظيم وتدعمه علنا أو سرا. أما أن يتم استدعاء مبارك ونظامه ورموزه للمشهد الآنى من قبل التنظيم، باعتبارهم يعيدون المشهد الذى كان قبل 25 يناير 2011، فبالتأكيد ذاكرة ميدان التحرير لاتزال تحفل بشواهد تؤكد أن الإخوان ساهموا فى تأمين موقف مبارك بعد الثورة، ولقد كنت مع الصديق الوطنى الدكتور أحمد دراج، شهودا على رفض التنظيم التوقيع على أول بيان من ميدان التحرير بعد تنحى مبارك، بسبب احتوائه على مطلب (تشكيل محاكم ثورية لمبارك ورموزه)، رفض التنظيم وقتها، وقال لى محمد مرسى حين سألته عن السبب لاحقا (الإخوان ما عندهمش محاكم استثنائية)، والغريب أن مرسى حين صار فى الحكم، قرر إعادة فتح المجال لمحاكمة جديدة لمبارك، محاكمة اختفت قبلها كل أوراق لجنة تقصى الحقائق، ليحصل على براءة فى قضية، يعلم التنظيم جيدا أنها ستصبح فيما بعد الورقة التى يستخدمها كل حين ليربط بين أى حكم لا يكون شريكا فيه وبين حكم مبارك. إننا فى مصر اليوم نعايش تحديا حقيقيا نحو انتزاع مصر الجديدة من براثن من قرروا الثورة على حلم التغيير الذى انطلق فى 25 يناير و تبلور فى 30 يونيو، وتتكالب عليه اليوم كل أطلال مخالب النظم التى أسقطتها إرادة المصريين. مصر التى تستهدفها ثورة عقاب جماعى (الدولة والشعب)، من قبل التنظيم الإخوانى ليوارى على خطاياه التى ارتكب ويرتكب فى حق الدين والوطن والإنسانية. وهؤلاء سيكتشفون حال تنبه الدولة بمكوناتها لحقيقة مخططاتهم أن مصر التى كفل لها الله الحماية ستظل رغم أنف تنظيمهم الدولى وكل مقدراته وأجهزته وتحالفاته أما مصر التى تستهدفها ثورة الباكين (على ولا يوم من أيامك يا مبارك)، فهؤلاء يبكون على أطلال ملك لم يرعوه رعاية الرجال، ولم يحفظوا حقه حفظ الولى الأمين، فاستحقوا إزاحته من المشهد بفشل مؤهل، وفساد مُطغٍ، وإفساد هادِم. وبالتأكيد إن كانوا يحتفظون لهذا الوطن بمثقال ذرة من وطنية فإن واجب الوقت يحتم عليهم أن يؤمنوا أن عجلة التاريخ لا تعود إلى الوراء. لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى