لم يعد خافيا على أحد ما يعانيه المجتمع من انفلات أخلاقى وانهيار لمنظومة القيم وتراجع للعادات والتقاليد الحاكمة لانضباط حركة المجتمع والعلاقات بين الأفراد فى محيط الأسرة والعمل والشارع. مشادات وألفاظ خادشة للحياء فى الطريق العام، وحوارات هابطة على شاشات الفضائيات، ومظاهر غريبة على المجتمع المصرى قد تطول المقدمة إذا حاولنا رصد ما يشهده المجتمع من انفلات وتراجع للقيم والأخلاق التى قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ» وخاطبه المولى تبارك وتعالى قائلا فى حقه: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ». وفى محاولة لتدارك هذا الخطر المجتمعى جاء مقترح مجلس علماء وخبراء مصر الذى عقد أخيرا برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، برئاسة الجمهورية، إنشاء لجنة لتنمية الأخلاق والضمير، وتعزيز قيم العمل والانتماء، لتباشر عملها تحت رعاية مؤسسة الرئاسة للارتقاء بمنظومة الأخلاق والقيم فى المجتمع المصرى.
ونحن بدورنا نتساءل: كيف يمكن إنجاح تلك المبادرة وما آليات تفعيلها على أرض الواقع؟ وما دور المؤسسات الفكرية والشبابية والدينية والتعليمية فى ذلك، وهل تعد تلك المبادرة طوق النجاة من حالة الانفلات، وخاصة فى ظل تراجع دور المؤسسات المعنية بنشر التوعية الدينية السليمة والخطاب المستنير وغياب دور الأسرة وعجز المناهج التربوية والمؤسسات التعليمية عن إحياء تلك المنظومة الأخلاقية التى نحن فى أمس الحاجة إليها الآن فى ظل ما نواجهه من تحديات داخلية وخارجية؟ نشر الوازع الدينى فى البداية يقترح الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة بجامعة الأزهر أن يكون علماء الدين الإسلامى وغيره عنصرا أساسيا فى تشكيل هذه اللجنة، وذلك بحسبانهم يملكون زمام الدعوة إلى الأخلاق، وإحياء الضمير الإنساني، وبعث الوازع الدينى والأخلاقى فى نفوس أفراد المجتمع، وقيم العمل، والانتماء، والتخلق بالخلق الحسن، والتفانى فى رفعة المجتمع وتقدمه، وكلها قيم دعت إليها الشرائع السماوية، ولا يعد ما تقوم به هذه اللجنة بديلا عما تقوم به المؤسسات الدينية والتعليمية والتربوية والشبابية ونحوها، فى نشر وإحياء منظومة القيم والأخلاق فى المجتمع، لأن ما تقوم به هذه المؤسسات أمر لابد منه، وفضلا عن هذا فلابد أن يكون للأسرة دور كبير فى غرس هذه القيم فى نفوس ووجدان أبنائها وبناتها، لأنها أهم بكثير مما توفره لهم من مال ونحوه، خاصة فى ظل التردى الأخلاقى المنتشر فى أوساط المجتمع وطبقاته، وشيوع الفكر المنحرف الوافد عبر وسائل الإعلام، وما يصل إلى الناس عبر شبكة الإنترنت من أفكار مغلوطة، وأخلاق وقيم غير إنسانية، وقد نادينا كثيرا عبر وسائل الإعلام بضرورة وجود جهة رقابية على ما ينشر فى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وأن يكون لهذه الجهة سلطة وقف نشر ما لا يتفق مع قيم المجتمع وأعرافه، بل وغلق وسيلة النشر إن خالفت ضوابط النشر، وأن توجد جهة يكون لها وضع سياسة عامة لبرامج الفضائيات، بحيث يكون لها دور فى النهوض بقيم المجتمع وأخلاقه، وبوسع هذه اللجنة المقترح تشكيلها أن تقوم بدور فى هذه المجالات التى ذكرت، وهو مقترح جيد سيؤتى ثماره إن صدقت نيات أعضاء اللجنة، وصح توجههم، ووضح أمامهم المهام المنوط بهم القيام بها، وكل أفراد المجتمع مطالبون بدعم رسالتها، لأن مهمتها تصب فى خير هذا المجتمع ورقيه ورفعته. تصويب أفكار خاطئة فى سياق متصل، يرى الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، ضرورة صياغة خطاب دينى وأخلاقى ينطلق من خصائص الشريعة الإسلامية التى تجمع بين الثوابت والمتغيرات بين الأصالة والمعاصرة، وبين العبادات والعادات، فهذه الهيئة العلمائية التى تقوم بمهام وطنية على أسس علمية، تهدف إلى خدمة البلاد ونفع العباد، فأما ما يخص الشأن الديني، فإن قضاياه عادلة تستوجب العزائم وعلى رأسها إعادة مكارم الأخلاق إلى سلوكياتنا بصفة عامة وخاصة، بالإضافة إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة وتصويب الأفكار الخاطئة فى ثقافة أداء الرسالة، وذلك بوضع الخطط على أرض الواقع، وتحديد الأهداف، وبيان الوسائل والمقاصد حتى تكون الفعاليات ليست مجرد إنشائيات، ولكن بمثل تطبيقية، لتكون مصر كما كانت هى الرائدة والقائدة فى ضبط مكارم الأخلاق وحُسن فهم الدين وحماية الأرض والعرض، بشرط إحسان الاختيار للخبراء والأكفاء. كما طالب الدكتور احمد كريمة بإنشاء هيئة قومية للوعى الإسلامى تجمع الجزر المنعزلة فيما يخص الشأن الإسلامى الموزع بين عدة مؤسسات ووزارات وأن يتولى الأكفاء وضع الخطط وتفعيلها بصور عملية بعيدا عن الثقافة الوظيفية، وأن تضم الهيئة خبراء فى جودة التعليم وخبراء من كلية الدعوة الإسلامية فى علم وفن الدعوة. الأخلاق تبدأ من المنزل من جانبه، يؤكد الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن منظومة القيم والأخلاق تبدأ من المنزل ومن الأسرة، فحينما يجد الطفل قدوته فى الأب والأم يشب على القيم والأخلاق الحميدة، فالقيم والأخلاق الحميدة تنمو مع الطفل فى بيته، ويكون والده وأستاذه مثلا أعلى، فينشأ هكذا، إنما كيف نقوم بإنشاء لجنة تطبق أو تقيم منظومة القيم والأخلاق، فهى مسألة صعبة للغاية، لأنه حدث انفلات فى المجتمع شديد يصعب على أى أحد أن يقيمه ولن تستطيع اللجنة أن تقوم بهذا الجهد، أما حينما تبدأ تنمية الأخلاق والضمير فى نشأة الطفل منذ الصغر، فيجد الطفل قدوته أيضا فى المدرس القدوة، فلابد أن تنتقل تنمية الأخلاق والضمير من البيت إلى المدرسة، ثم تنتقل إلى المجتمع، كما أن هناك دورا كبيرا أيضا على وسائل الإعلام فى تنمية الأخلاق والضمير، وبالتالى لابد أن يسهم كل المجتمع فى تنمية الأخلاق والضمير وليس من خلال (لجنة الأخلاق والضمير)، فالمسئولية هنا جماعية على وزارة الشباب والتعليم والرياضة والتعليم الجامعى ...الخ. ويحذر الشيخ محمود عاشور من المقولة المعروفة «إذا أردت أن تهدم أمرا شكل له لجنة»، فالقضية ليست قضية إنشاء لجان، فالمجتمع لابد أن يجد القدوة والمثل العليا فيمن أمامه من قيادات فى مختلف المواقع. نجاح اللجنة بضوابط ويؤكد الدكتور مختار مرزوق عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، أن نجاح لجنة الأخلاق والضمير يأتى بضوابط، فلا بد أن يبدأ تشكيل اللجنة من قبل مجموعة يؤخذ برأيها فى تشكيل لجنة من العلماء، هذه المجموعة تتكون من كبار رجال الدعوة فى الأوقاف والأزهر، بالإضافة إلى عمداء كليات أصول الدين على مستوى الجمهورية، لأنه يوجد فى كل محافظة علماء أجلاء لا يعرفهم الناس إلا فى مجتمعاتهم ويجهلهم تماما المتصدرون للدعوة بالعاصمة، لدرجة أننا نرى أن القوافل مقصورة على أناس بعينهم، هم الذين يذهبون إلى هنا أو هناك، مما جعل العمل رتيبا. وأضاف: إن تشكيل لجنة لتنمية الأخلاق والضمير وتعزيز قيمة العمل والانتماء، وكل ما يعضد الدعوة إلى الله ويساعد على إنقاذ الشباب المصرى من التطرف والإدمان والانحلال هو مبادرة جيدة، ولا سيما أن هذا الثالوث هو الأخطر على حياة المصريين فى المرحلة الراهنة، ويجب أن يختار لهذه اللجنة الأكفاء من أهل العلم الذين يتصدون للدعوة إلى الله عز وجل، وينبهون الشباب إلى خطورة ما يراد بهم.