وزيرة التضامن: لدينا 48 ألف حضانة يعمل بها 254 ألف عامل و75% منها غير مرخص    رانيا المشاط: مصر وضعت بصمة واضحة في خريطة الجهود العالمية للعمل المناخي    استعدادًا لمعرض "EDEX 2025"، وزير الدولة للإنتاج الحربي يستقبل سفير بلغاريا    محافظ الفيوم يؤكد على ضرورة مواصلة العمل الجاد لتحسين مؤشرات ملف التقنين    الاحصاء: معدل البطالة 6.4٪ خلال الربع الثالث لعام 2025    مصر وتشاد يبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    «الإسكان» تعتمد تخطيط وتقسيم قطعة أرض ضمن مشروع صواري بمحافظة الإسكندرية    وزير الخارجية الإسرائيلي: لن تكون هناك دولة فلسطينية    إيران: الهجوم الإسرائيلي على منشآتنا يؤكد استغلال معلومات من الوكالة الدولية للطاقة الذرية    شبكة أطباء السودان: توثيق 32 حالة اغتصاب بالفاشر بعد اجتياح ميليشيا الدعم السريع    بن غفير: لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني هذا شيء "مُختلق" ولا أساس له    تصفيات مونديال 2026| صدام قوي بين نيجيريا والكونغو الديمقراطية بنهائي الملحق الأفريقي    ب30 ميدالية، بعثة مصر تواصل التألق في دورة التضامن الإسلامي بالسعودية    الأهلي يتوصل لاتفاق مع حسين الشحات لتجديد تعاقده    حقه يكمل مشواره| شوبير يدافع عن حسام حسن قبل مباراة مصر وكاب فيردي    حقيقة وجود عرض فرنسي للتعاقد مع نجم الأهلي    هل يتفاوض الأهلي مع ماييلي وينتقل وسام أبوعلي بيراميدز في الصفقات الشتوية ؟ اعرف التفاصيل    تخلص من شقيقه الأصغر بسبب 50 جنيهًا    ضبط 6 ملايين جنيه في قضايا النقد الأجنبي و9 أطنان دقيق خلال 24 ساعة    ضبط صاحب مخبز بكفر الزيات لاستيلائه على 11 جوال دقيق مدعم وبيعها في السوق السوداء    محافظ الأقصر يقوم بتوزيع مساعدات فورية عاجلة لأسر مصابي حادث الطريق الصحراوي الغربي بإسنا    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    محمود سعد أول الحضور بندوة خالد النبوى فى مهرجان القاهرة السينمائى    الدكتور وليد قانوش ينعي الإعلامي محمد الطويل    «عظيم ومبهر».. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    التحليل الفني لمؤشرات البورصة المصرية الأحد 16 نوفمبر 2025    تقارير: زين الدين زيدان يقود منتخب فرنسا بعد انتهاء كأس العالم 2026    أمين البحوث الإسلامية يبحث مع رئيس جامعة أسيوط تعزيز التعاون لنشر الوعي بين الطلاب    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    حالة الطقس في السعودية اليوم الأحد.. أمطار رعدية غزيرة وتحذيرات من السيول    تعليم الإسماعيلية: يعلن جداول امتحانات شهر نوفمبر للعام الدراسي 2025/2026    تقرير: أرسنال قلق بسبب إصابتي جابريال وكالافيوري قبل مواجهة توتنام    بمشاركة 46 متدربًا من 22 دولة أفريقية.. اختتام الدورة التدريبية ال6 لمكافحة الجريمة    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    الرعاية الصحية تبحث تطوير خدمات القساطر القلبية المتقدمة لمرضى التأمين الصحي الشامل    متحدث الصحة: ملف صحى إلكترونى موحد لكل مواطن بحلول 2030    الرياضية: أهلي جدة يفتح ملف تجديد عقد حارس الفريق إدوارد ميندي    مصر ترحب باتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين جمهورية الكونجو الديموقراطية وحركة M23    فيديو.. عمرو أديب يحتفي بتلال الفسطاط: من أعظم المشروعات في السنوات الأخيرة    156 عاما على افتتاح قناة السويس، الممر المائي الذي غير حركة التاريخ    سؤال برلمانى بشأن ظاهرة العجز الصارخ فى المعلمين    كيف نظم قانون الإجراءات الجنائية الجديد تفتيش المنازل والأشخاص؟    ما هي عقوبة مروجي الشائعات عبر السوشيال ميديا؟.. «خبير» يجيب    طريقة عمل صدور الفراخ، بصوص الليمون والثوم    كبير الأثريين يكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري بالتحرير    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    استقرار أسعار الذهب الأحد 16 نوفمبر.. وعيار 21 يسجل 5455 جنيهًا    إصابة العشرات بعد اندلاع اشتباكات في المكسيك وسط احتجاجات الجيل زد    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    اليوم.. وزيرالثقافة ومحافظ الإسكندرية ورئيس أكاديمية الفنون يفتتحون فرع ألاكاديمية بالإسكندرية    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    وزير الصحة: متوسط عمر المصريين زاد 20 عاما منذ الستينيات.. وكل دولار ننفقه على الوقاية يوفر من 3 ل 7 دولارات    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى كواليس الشرق الأوسط.. كتاب مهم.. لكاتب مهم
إريك رولو.. يكتب عن النكسة وكامب ديفيد والحريات فى مصر
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 11 - 2015

بهذه العبارة «هذا كتاب مهم !» قدم الأخضر الإبراهيمي كتاب إريك رولو ، الصحفي الفرنسي الذي كنا نعتبره من أكثر الصحفيين موضوعية وحرفية في زماننا. وعنوان الكتاب هو «في كواليس الشرق الأوسط».. وصدر بالفرنسية، وترجمته دار الطناني إلى العربية وصاغته بلغة عربية الدكتورة داليا سعودي.
وقد قدمت طبعته العربية في إحتفالية مزدحمة نظمها المركز الثقافي الفرنسي بالتعاون مع الناشر والجامعة الأمريكية بالقاهرة. كان إريك رولو حالة خاصة في صفوف المراسلين الأجانب في قاهرة ستينات وسبعينات هذا الزمان. فالقاهرة كانت مركزا سياسيا صانعا للأحداث.. وكانت عاصمة حركات التحرر في العالم، كما كانت عاصمة التحولات الكبرى في صفوف الدول النامية. وكان إريك رولو صحفيا نجده لحظة الحدث وكأنه امتلك حدسا خاصا جعله يقفز إلى الموقع قبل وقوع أي حدث. كما أنه كان حالة خاصة، وسط الصحفيين الأجانب، لأنه كان
يعرف مصر جيدا كما يعرف القاهرة جيدا جدا. فهو المواطن المصري الذي ولد في القاهرة عام 1926 وتعلم في مدارسها وتخرج فى جامعتها الكبرى جامعة فؤاد الأول، كلية الحقوق. ثم إلتحق بالعمل في مجلتها، الإجبشيان جازيت، وهو في السنة الأولى في دراسته القانونية وكان في السابعة عشرة من عمره. وحقق، وهو في هذه السن المبكرة، أول «خبطة صحفية» سمحت له بأن يكون صحفيا محترفا.
كان إريك رولو يهوديا، بالإضافة لكونه شيوعيا ينتمي لتنظيم سري «حدتو» اختصارا للحركة الديمقراطية للتحرر الوطني. وكان- كغالبية شباب مصر في أربعينيات القرن الماضي- يمارس السياسة من خلال التنظيمات التي تنوعت عقائدها. كان يشارك في مظاهرات الطلبة هاتفا للإستقلال ويحضر الندوات السياسية ويتناولها في مقالاته. وفي إحدى المظاهرات في ميدان الإسماعيلية (التحرير حاليا) هاله أن يسقط جاره في المظاهرة شهيدا، فزاد حماسه للعمل السياسي. وفي عام 1948 تم إعتقال صديقنا إيلي رافول، (هذا الذي عرفناه لاحقا بإريك رولو) ضمن الحملة الشيوعية الكبرى، ثم أفرج عنه بعد شهر. وشهدت هذه الفترة إعتقالا ثم ترحيل أعداد من اليهود المصريين لكونهم صهاينة وشيوعيين.
مصر المليحة تلاحقه
وحول خروجه من مصر، ذكرت روايتان في الكتاب، قالت الأولى- في مقدمة آلن جريش المدير المساعد لجريدة لوموند- أنه أثناء وجوده في محبسه خيرته وزارة الداخلية المصرية بين السجن أو مغادرة البلاد بغير رجعة، كما كانت تفعل مع كل المصريين المتدينين بالديانة اليهودية، خاصة إذا كانوا من اليساريين، وتحديدا بعد قيام إسرائيل، فإختار الثانية متجها إلى «أرض ميعاده» باريس. أما هو فيقول في كتابه رواية ثانية، بأنه طلب السفر بعد الإفراج عنه، فوافقت السلطات المصرية، مشترطة عليه حصوله على تأشيرة «خروج بلا عودة».. وهو ما تقبله هربا من التعرض للإدانة بتهمة تربط الصهيونية بالشيوعية.. وأبحر إلى فرنسا في ديسمبر عام 1951.
وبغض النظر عن المقولتين المختلفتين، فقد ظلت مصر تلاحقه بمفارقاتها السمحة المليحة.. ولم تنس ابنا مساندا لقضايا التحرر السياسي والاجتماعي لمصر ولغيرها من البلدان. وعلى الجانب الآخر استمر هو أيضا لا ينساها، حتى أن غلاف كتابه يوضح صورته وهو «يغلي» قهوة الصباح في «الكنكة» المصرية.. فالقهوة «المضبوطة» الصباحية هي التي «تعدل مزاجه». كما استمرت لغته العربية واضحة وإن حملت ملمح الفرنسية في نطق حرف الراء.
رُحلَ إلي باريس أو سافر إراديا فقد إستمر لعام يبحث عن العمل، إلى أن ألحقته وكالة الأنباء الفرنسية بوظيفة في قسم الإستماع. فكان صديقنا الذي بات إسمه المهني إريك رولو يتابع أخبار كل البلدان. ولأنه من جذور مصرية فقد كان يتابع بشدة إذاعة القاهرة. ومن عام 52 إلى عام 54 ظل يتابع البرنامج العام . وفي إحدى نوبات عمله سمع من راديو القاهرة طلقات الرصاص على جمال عبد الناصرفي ميدان المنشية.. فسارع إلى رؤسائه يبلغهم الخبر وتحليله. فهو المصري الأصل الذي شارك في حركاتها السياسية ويعلم تركيبتها الاجتماعية. كما أنه الصحفي الشاب الذي أجرى حديثا صحفيا مع حسن البنا عام 1947. هكذا عن مصر حقق «الخبطة» الصحفية الثانية. وهي الخبطة التي أتاحت له عام 1955 فرصة العمل في جريدة لوموند التي كانت تعتبر أكبر الصحف الفرنسية تمسكا بالموضوعية والمهنية. كان للجريدة كلمة مسموعة ذات مصداقية.
لكن لم تختف مصر من حياته.. ففي اليوم الثاني والعشرين من يوليو 1956 نشر مقالا على الصفحة الأولى لجريدته بعنوان «مصر تؤكد: سد أسوان سيقام رغم كل شيء». وبعد أربعة أيام فقط، وفي اليوم السادس والعشرين من شهر يوليو عام 1956كان يستمع إلى راديو القاهرة لمتابعة تلك الأخبار، التي كانت متسارعة، حول مشروع السد العالي. إلتقط فجأة عبد الناصر في الميكروفون وهو يعلن خبر تأميم قناة السويس. فقفز صاحبنا إلى رؤسائه ليبلغهم ب «الخبطة» الثالثة، ومن مصر أيضا، ويمدهم بالتحليل الكافى.. فيقفز به الخبر ومعه التحليل من قسم الإستماع إلى قسم تحرير الشرق الأوسط في جريدة لوموند. وتتوالى الأحداث التي يتقن صاحبنا تناولها من منظور «الدارس والعالم « إلى منصب رئيس القسم.

أهلا بك فى القاهرة!
.. وهنا تتدخل المفارقات المصرية، فيتلقى إريك مكالمة تليفونية من زائر مصري، كان قد سمع عنه، قادم من القاهرة ويبلغه أن رئاسة الجمهورية المصرية تقدم له دعوة رسمية لزيارة مصر، وأنه سيعطى فيها كل الحرية في اللقاءات والحركة والكتابة بلا رقابة. وهي أمور لم تكن تتوفر لصحفي في العهد الناصري. فكتب إريك: « كان عرضا من شأنه إحداث تحول عظيم الأثر في حياتي». واستأذن رولو زائره- الراحل لطفي الخولي القادم من قبل الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الاهرام- ليعرف رأي جريدته اللوموند.. ثم عاد إلى الخولى يبلغه بقبول الجريدة الدعوة لكن بشرط أن تتحمل الجريدة تكاليف الرحلة. وإحترمت الرئاسة المصرية الشرط وجاء إريك رولو الصحفي الفرنسي الشهير بصحبة زوجته، المصورة الصحفية روزي رولو اليهودية الفرنسية ذات الأصول المصرية إبنة أحد تجار حي الموسكي، إلى القاهرة. ولم يكن إريك يعرف حتى تلك اللحظة أن القاهرة هذه التي طردته أو أجبرته على تأشيرة «الخروج بلا عودة»عام 1950 هي التي ستفتح أمامه بدءا من عام 1963 كل أبواب بلدان الشرق الأوسط وما يتجاوزها، وأنه مقبل على لحظة تحول فارقة في حياته.
بعد ذلك فهم خلفية الزيارة، وهي أن القاهرة أرادت أن تخترق حصار الغرب المفروض عليها، فكان إختيارها بأن تبدأ بفرنسا، واختارت هذا الصحفي تحديدا من هذه الجريدة تحديدا بسبب المتابعة الموضوعية الدقيقة التي نشرت على صفحاتها لكل الأحداث السابقة لعام1963. وكانت مصر على أبواب إفتتاح المرحلة الأولى للسد العالي. فكان هدف القاهرة أن يكتب إريك رولو في لوموند، لتقترب القاهرة من القراء الفرنسيين وبالتالي من ساساتهم. وبالقطع كانت القاهرة تعلم تماما التاريخ السياسي لإريك رولو ولزوجته ولكنها كانت تعلم كذلك أنه الصحفي الجاد الموضوعي. كتب رولو يقول: «كنت أرى أنه يحق لعبد الناصر أن يساند الثورة الجزائرية، وأن يسعى إلى بناء سد أسوان لتوسيع نطاق الري وترشيده في بلد صحراوى في معظمه وزيادة سعته من الطاقة ومن ثم رفع قدرته الصناعية. وكنت أعتقد أن قرار واشنطن عام 1956بحرمان هذا المشروع من مساعدتها إنما هو قرار خسيس، وليس سوى «معاقبة» لعبد الناصر على إبرامه صفقة الأسلحة مع موسكو، رغم أنها صفقة يبررها رفض الولايات المتحدة إمداده بوسائل الدفاع عن بلاده».
بالرغم من هذه المساندة كان إريك ناقدا لأوضاع الحريات العامة في مصر، وكان يرى أن وجود حزب واحد أو عدة أحزاب لا يبرر مصادرة الحريات العامة وتعذيب سجناء الرأي حتى قتلهم. ولم يفرق في نقده هذا بين ليبراليين أو وفديين أو شيوعيين او إخوان مسلمين. وكما شرح أثناء إعداده لرحلته إلى القاهرة، قرر أن يكون صريحا للغاية مع كل المسئولين حتى مع الرئيس ذاته بشزن موضوع الحريات.
لكن عندما جاء صاحبنا- بعد ثلاثة عشر عاما من ترحيله- وجد قاهرة جديدة.. ويقول إنه شهد القاهرة المملوءة شوارعها بأسماء المحال باللغة العربية، ويمشى في شوارعها الأنيقة المصريون الذين كانوا يخافون الإقتراب من هذه الأماكن قديما.. وكتب في كتابه ما معناه أن القاهرة باتت مصرية تماما كما قال عبد الناصر «مصر للمصريين». وشرح، دون ضغينة، أن التسامح الديني والعرقي كان نموذجا مصريا خالصا للتعايش. وأن المصريين اليهود، كما كان غيرهم، كانوا جزءا من النسيج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في مصر، وأن الذي أفسد هذه العلاقة هو قيام إسرائيل وعدوانها الشرس على الفلسطينيين ثم ما تم أكتشافه من محاولات إرهابية نظمتها المخابرات الإسرائيلية في مصر، وجندت فيها شبابا يهودا مصريين، كما حدث فى «مؤامرة لافون»، والتي تكررت مثيلتها في الدول العربية الأخرى. وشرح إريك كيف أن هذا التعايش بدأ يتحطم مع صدور قرار التقسيم عام 47 فقد نُظرً إلى اليهود على أنهم صهاينة وشيوعيون. خاصة وأن الشيوعيين المصريين تحملوا تبعات إعتراف الإتحاد السوفيني بإسرائيل كدولة فور صدور قرار التقسيم.
ثم يدخل الكاتب مباشرة فيما هو هام في زيارته، إذ يلتقي عبد الناصر في بيته «المتواضع نسبيا» في منشية البكرى، ويدور حوار بين الإثنين عن تفاصيل كثيرة، منها ما هو شخصي ومنها ما هو عام، نفذ إريك من إحداها إلى قضايا الحريات فكانت إجابة الرئيس مباشرة «قررت الإفراج عن جميع السجناء السياسيين قبل نهاية هذا العام». وفي اليوم التالي تنشر لوموند الخبر في صفحتها الأولى ليصبح إريك في نظر السجناء المصريين «بطلا» إستطاع أن ينتزع التصريح من عبد الناصر.

إسرائيل هى التى بدأت الحرب
ويأخذنا الكتاب إلى تفاصيل أحداث الشرق الأوسط منذ دخولة إلى القاهرة إلى أن عينه الرئيس ميتران سفيرا لفرنسا في تونس ثم في تركيا. ولكن أتصور أن القارئ قد يهمه محطات معينة يعلق على نتائجها صحفي فرنسي واسع العلاقات والإتصالات والمعلومات وعرف بموضوعيته. فبعد زيارته للقاهرة إستطاع الإتصال بالجميع، وعلى وجه الخصوص القيادات الفلسطينية وتحديدا قيادتين منها، أبو عمار «ياسر عرفات» وأبو إياد «صلاح خلف».
وأرى المحطة الأولى عام 1967، النكسة. يروي الكاتب أن هذه الحرب لم تكن بأي حال حربا وقائية كما إدعت إسرائيل وبررتها أمام الرأي العام العالمي. وهو ما كتبه في مقالاته التي بسببها لم يكن مرحبا به في الدولة العبرية، بل فرضت عليه إسرائيل نوعا من المقاطعة. وقد وقعت الحرب بعد أن بات للعسكريين الإسرائيليين الغلبة على السياسيين في عملية إتخاذ القرار السياسي. حركة أقرب للإنقلاب الداخلي. كما شرح كيف أن تلك المناورات التي قام بها العسكريون الإسرائيليون سارت مع خطوات أخرى سعت إلى إتمام رسم حلقة التحالف الأبدي بين إسرائيل ونظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، سواء دخل البيت الأبيض رئيس جمهوري او ديمقراطي، وهو ما سمي ب «الزواج الكاثوليكي». وفي ذات الوقت بدأت إسرائيل مناوشاتها على الحدود السورية. تتقدم البلدوزرات الزراعية الأسرائيلية «يقودها جنود وليسوا مزارعين» في الأرض السورية فتطلق عليها سوريا المدفعية فترد المدفعية الإسرائيلية. فيعلن عالميا أن سوريا تبدأ بالإستفزاز وأن إسرائيل هي المدافع عن حدودها. كما استمر عبد الناصر يتقدم بإقتراحات لحل الأزمة سلميا، مثل سحب قواته من سيناء، واستمرار مرور السفن الإسرائيلية في العبور من مضيق تيران مقابل تعهد إسرائيل عدم الهجوم على سوريا. لكن لم يقبل الجانب الإسرائيلي أيا من إقتراحاته لأنهم لم يكونوا على استعداد إلا للحرب التي دبروا لها. وعبر العديد من قادة إسرائيل عن هذا حتى أن مناحم بيجن قال عام 1982 «لم تكن تركيزات القوات المصرية تدل على أن عبد الناصر كان راغبا في الحرب. . ولنكن أمناء مع أنفسنا.. لقد كنا نحن من قررنا الحرب».
ولكن كان لهذه الحرب أثارها على إسرائيل لاحقا وبتأييد كامل من الولايات المتحدة. لقد باتت هي القوة الأقوى والحليف الذي يستند عليه امريكيا في المنطقة وخارجها في إفريقيا وفي أمريكا اللاتينية وفي كل المواقع التي تحتاج فيها الولايات المتحدة التدخل دون أن تحرج نفسها أو تكتشف سياستها خاصة تلك التي تناهض الشيوعية. كما كان من أثارها أن سيطر اليمين العسكري ثم الديني في الدولة العبرية وبدأت الدولة في التوسع في بناء المستوطنات التي ملأتها بالمستوطنين المتعصبين حيث باتت الآن قضية السلام الإسرائيلي الفلسطيني أمرا في منتهى الصعوبة. واستمرت إسرائيل تزيد من قهر الفلسطينيين الذين باتوا تحت سيطرتها .
خطاب السادات فى البرلمان
والمحطة الثانية، هي اتفاقيات كامب ديفيد، التي بدأت أولى خطواتها في لقاء ضم حسن التهامي وموشى ديان في السابع عشر من سبتمبر عام 1977 بتنظيم من كمال أدهم رجل المخابرات السعودي في مدينة فاس المغربية. وتدلل مشاركة كمال أدهم، كما يدلل مكان اللقاء، على أن الحدث نفسه كان موافقا عليه من عدد من القيادات العربية بجانب الرئيس الأمريكي جيمي كارتر. إذا، فخطاب الرئيس السادات في المجلس النيابي المصري كان مفاجأة للشعب المصري فقط. حسب مذكرات جيمي كارتر فقد إعترف عام 2010 بأن إتفاقية كامب ديفيد مثلت له «هزيمة سياسية»، نظرا لإقتناعه بأن السلام الكامل كان يمكن تحقيقه في حالة واحدة وهي قبول إسرائيل الإنسحاب من الضفة والقطاع. وقد إضطر الرئيس الأمريكي للخضوع لمناحم بيجن لأنه كان،أي كارتر، يمر بأزمة سياسية في بلاده بسبب حجز الرهائن الأمريكيين في طهران. فخضع الرئيس الأمريكي لإملاءات مناحم بيجن كلها. وكان التراجع على حساب مصر.
أما مناحم بيجن، فقد أدلى بتقريره أمام الكينيست الإسرائيلي. قال في برلمانه « أنه جعل السادات وكارتر يقران بأمور أرادت إسرائيل إستبعادها إلى الأبد، منها عودة إسرائيل إلى حدودها عام 1967 وتجميد المستوطنات وإقامة دولة فلسطينية، وإعادة المنطقة الشرقية إلى القدس، وعدم إدراج الفقرة الواردة في القرار 242 والتي تنص على «عدم جواز الإستيلاء على الأرض بالقوة» بل أنه حقق ما هو أكثر عندما فرض تجاهل حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وكذلك التخلي عن تسمية المدينة المقدسة باسمها على أساس أنها «المدينة الموحدة» و «العاصمة الأبدية». ويكتب إريك أن إسرائيل خرجت من الإتفاقية دون أن تضمنها أيا من البنود التي وردت في الإتفاق المبدئي الذي تم في مدينة فاس عام 1977 بين المصري حسن التهامي والإسرائيلي موشي ديان.
لن نتنازل عن شبر واحد!
ثم نأتي إلى المحطة الثالثة وهي «السلام». فبعد قراءة الكتاب يمكن طرح سؤالين، هل يحتمل تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين على أساس قيام دولتين متجاورتين؟ والسؤال الثاني، هل تنوي إسرائيل التنازل عن الجولان لسوريا ليسود السلام في المنطقة؟ يجيب الكتاب على السؤالين ب «كلا». وهي الكلمة التي سمعها من ديفيد بن جوريون عند نقله لعرض قدمه جمال عبد الناصر للسلام عام 1965. فرأي الكاتب يتلخص بأن الحرب هي التي تساعد هذه الدولة التي جاء مواطنوها من مائة بلد ويتحدثون حوالي ثمانين لغة، وكان ثلثهم على الأقل في العقد الستيني يجهل اللغة العبرية، هذه الدولة يمثل السلام مع جيرانها خطرا قد يفكك هذا العقد الاجتماعي غير الطبيعي. وحتى نفهم هذا الوضع يذكر إريك أن بن جوريون إستمر يردد دائما قوله « نحن نملك دولة وعلينا أن نكون أمة». في هذا الحديث معه عام 1965 والذي رفض فيه بن جوريون العرض الذي قدمه عبد الناصر، شدد على أنه لن يتنازل أبدا عن شبر واحد من أرض إكتسبها عام 1948 كما أنه لن يقبل أبدا بعودة لاجئ واحد فلسطيني.
ولأن ذلك هو المبدأ الرئيسي في المشروع الصهيوني، فلا غرابة إذا أن يتم تصفية كل محاولات وكل رجال السلام، حتى تلك المحاولة التي قام بها ناحوم جولدمان رئيس المجلس اليهودي العالمي، كما أنه لا غرابة في أن يصفى جسديا كل الذين شرعوا ينسجون بدايات سلام؛ سواء كانوا مسلمين او مسيحيين أو يهودا.
ثم يتذكر إريك لورو في كتابه إحدى مفارقات مصر معه، فعند زيارته الأولى للقاهرة ذهب مع زوجته روزي إلى ضاحية هليوبوليس حيث كان يسكن قبل رحيله. طرق باب شقته القديمة ففتح له رب الأسرة. وبعد تقديم نفسه وزوجته إكتشف أن الأسرة التي تسكن شقته القديمة، أسرة فلسطينية. فرحبت به الأسرة وضحكوا جميعا على التناقض الواضح في الموقف. هناك- فى إسرائيل- يطرد الفلسطينيون ليسكن اليهود. . وفي مصر حدث العكس!
لقد التقيت أنا إريك رولو، الذي رحل عن دنيانا في يناير 2015، مرات قليلة.. وكانت غالبية اللقاءات عابرة أثناء وجوده في جريدة الأهرام لمقابلة الأستاذ محمد حسنين هيكل.. ولكني تناولت معه الغداء على مائدة أسرة شقيقتي بناء على دعوة زوجها له. كانا صديقين قديمين. وعلى المائدة تمركزطبقان هامان طلبهما رولو ، أحدهما مملوء ب «الملوخية»، والثاني به «البامية».. ويومها، في شهر أغسطس1967، وبعد حديث مفصل، وجدته حزينا مثلنا، وغير متفائل. وقد عبر عن هذه الحالة في الفصل العاشر «نهاية عصر» من كتابه «في كواليس الشرق الأوسط».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.