رئيس جامعة بنها يشهد ختام المهرجان الرياضي الثالث لجامعات الدلتا وإقليم القاهرة الكبرى    مجلس الوزراء يكرم الأمين العام السابق للمجلس ويهنئ نظيره الجديد بتوليه المسئولية    نقيب المحامين يترأس جلسة حلف اليمين القانونية للأعضاء الجدد    اقتصادية قناة السويس تستقبل وفدا أمريكيا لتفقد أعمال تطوير ميناء السخنة    إشادة كويتية بإنجازات النقل البحري المصري خلال زيارة ميناء الإسكندرية    مدبولي: كلمة الرئيس السيسي في قمة الدوحة عكست موقف مصر الثابت تجاه أوضاع المنطقة    سوريا وإسرائيل.. أمريكا تسعى إلى تفاهمات أمنية وتل أبيب تطالب بقيود واسعة على الجنوب    وزير الرياضة يشهد احتفالية استقبال كأس الأمم الإفريقية في مصر    ريال مدريد يكشف طبيعة إصابة أرنولد    ضبط عامل تعدى على شقيقه بالضرب بسبب خلافات مالية في القاهرة    تأجيل محاكمة المخرج محمد سامي بتهمة سب الفنانة عفاف شعيب ل22 أكتوبر للاطلاع    اليوم.. ندوة عن سميرة موسى بمكتبة مصر الجديدة للطفل    اليوم.. مؤتمر صحفي لإعلان تفاصيل الدورة الثالثة لمهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    المنيا.. تنظيم قافلة طبية مجانية في بني مزار لعلاج 280 من المرضى غير القادرين    محافظ سوهاج يعتمد المرحلة الثالثة لقبول طلاب الإعدادية بالثانوي    من بيت الأمان إلى لحظة الوجع.. زوج يذبح زوجته في العبور وضبط المتهم    شاب يلقى مصرعه حرقًا بعد مشادة مع صديقه في الشرقية    أسيوط تبحث مستقبل التعليم المجتمعي ومواجهة التسرب الدراسي    وزير الري: الاعتماد على نهر النيل لتوفير الاحتياجات المائية بنسبة 98%    قبل عرضه بالسينما أكتوبر المقبل.. تعرف على أحداث فيلم «فيها إيه يعني»    محافظ شمال سيناء يفتتح مهرجان الهجن بالعريش    مدبولي: الحكومة ماضية في نهج الإصلاح الاقتصادي الذي تتبعه    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 7 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    فيديو - أمين الفتوى: تزييف الصور بالذكاء الاصطناعي ولو بالمزاح حرام شرعًا    الأزهر للفتوى: يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه في حالة واحدة    عالم أزهري يكشف لماذا تأخر دفن النبي بعد موته وماذا جرى بين الصحابة وقت ذلك    انخفاض أسعار الدواجن اليوم الأربعاء بالأسواق (موقع رسمي)    "عليهم أن يكونوا رجالًا".. هاني رمزي يفتح النار على لاعبي الأهلي عقب تراجع النتائج    مصر تطلق قافلة "زاد العزة" ال39 محملة ب1700 طن مساعدات غذائية وإغاثية إلى غزة    «جوتيريش»: سيذكر التاريخ أننا كنا في الخطوط الأمامية من أجل الدفاع عن الشعب الفلسطيني    تحرك الشاحنات المحملة بالمواد الإغاثية من معبر رفح البري إلى كرم أبوسالم لتسليمها للجانب الفلسطيني    24 سبتمبر.. محاكمة متهم في التشاجر مع جاره وإحداث عاهة مستديمة بالأميرية    تمديد عمل تيك توك في الولايات المتحدة حتى 16 ديسمبر    وزارة العمل: 3701 فُرصة عمل جديدة في 44 شركة خاصة ب11 محافظة    تخفيضات وتذاكر مجانية.. تعرف على تسهيلات السكة الحديد لكبار السن 2025    «ڤاليو» تنفذ أول عملية مرخصة للشراء الآن والدفع لاحقًا عبر منصة «نون»    الليلة.. أيمن وتار ضيف برنامج "فضفضت أوي" مع معتز التوني    ملكة إسبانيا فى زيارة رسمية لمصر.. أناقة بسيطة تعكس اختياراتها للموضة    قبل بدء الدراسة.. تعليمات هامة من التعليم لاستقبال تلاميذ رياض الأطفال بالمدارس 2025 /2026    أبو مسلم يهاجم ترشيح فيتوريا لقيادة الأهلي    وزارة الشباب والرياضة تستقبل بعثة ناشئات السلة بعد التتويج التاريخي ببطولة الأفروباسكت    إسرائيل تعلن عن ممر آمن لإخلاء سكان غزة جنوبا| لمدة 48 ساعة    عاجل- انقطاع الإنترنت والاتصالات الأرضية في غزة وشمال القطاع بسبب العدوان الإسرائيلي    نائب وزير الصحة تعقد اجتماعًا بمستشفى قنا العام لتطوير مراكز التميز في خدمات ما حول الولادة    «ليه لازم يبقى جزء من اللانش بوكس؟».. تعرفي على فوائد البروكلي للأطفال    صحة المرأة والطفل: الفحص قبل الزواج خطوة لبناء أسرة صحية وسليمة (فيديو)    بتقديم الخدمة ل6144 مواطن.. «صحة الشرقية» تحصد المركز الأول بمبادرة «القضاء على السمنة»    وزير الدفاع السعودي ولاريجاني يبحثان تحقيق الأمن والاستقرار    فون دير لايين تبحث مع ترمب تشديد العقوبات على روسيا    أكلة فاسدة، شوبير يكشف تفاصيل إصابة إمام عاشور بفيروس A (فيديو)    بتر يد شاب صدمه قطار في أسوان    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    خطوات إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025.. الأوراق المطلوبة والفئات المستحقة    مسلسل سلمى الحلقة 25 .. خيانة تكشف الأسرار وعودة جلال تقلب الموازين    «تتغلبوا ماشي».. مراد مكرم يوجه رسالة إلى إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إريك رولو فى كواليس الصراع العربى الإسرائيلى
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 02 - 2013

فى ستة عشر فصلا، وما يزيد على أربعمائة صفحة من القطع الكبير، يتناول إريك رولو بالتحليل تاريخ مصر والعالم العربى وإسرائيل على مدى ستين عاما 1952 2012. وهو هنا يفتح لنا خزائن ذاكرته الخصبة والثرية لندرك، أحيانا للمرة الأولى، الدلالات العميقة لما حدث، ويحدث حتى الآن، فى أروقة السياسة الخاصة بقضية العرب المركزية الحرب والسلام مع إسرائيل ودهاليزها وهى القضية التى تابعها إريك رولو، بحكم المهنة والانتماء للمنطقة، عن كثب وبمعرفة لا يضاهيه فيها أحد من المحللين الأجانب.

الكتاب صدر بالفرنسية فى باريس أول نوفمبر 2012 ولم يمضِ أكثر من شهر واحد على صدوره حتى كانت كبريات الصحف فى القاهرة وبيروت والكويت تنشر مقاطع مطولة منه مترجمة إلى العربية، وهى الترجمة المتميزة التى قامت بها الدكتورة داليا سعودى ضمن ترجمتها للكتاب بأكمل، والذى ينتظر أن يصدر قريبا عن مركز الأهرام للتأليف والترجمة والنشر.

ولد إريك رولو (واسمه المسجل فى شهادة ميلاده المصرية هو إيلى رفول) فى القاهرة عام 1926 لأبوين يهوديين متمتعين بالجنسية المصرية، وأتم تعليمه فى كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول (القاهرة الآن) فى نهاية الأربعينيات من القرن الماض، وهو لا يتحدث كثيرا فى كتابه هذا عن تاريخه الشخصى بوصفه يهوديا مصريا غادر البلاد إلى فرنسا فى ديسمبر 1951 تاركا هذا الأمر للصحفى الفرنسى البارز آلان جريش، ذى الأصول المصرية هو الآخر، الذى يتناول فى مقدمة الكتاب السيرة الشخصية لرولو.

يقول جريش: «إنشاء دولة إسرائيل فى مايو عام 1948، فتح الباب خلال عدة سنوات، لمغادرة اليهود من مصر والشرق الأدنى. لم يجد إيلى رفول نفسه، وهو المتهم من قبل حكومة الملك فاروق بعلاقاته مع اليسار المتشدد من جهة وهذه حقيقة، وبالصهيونية من جهة أخرى وهذا مجرد خيال، إلا أمام خيارين؛ السجن أو المنفى، وما يرافقه من التخلى عن الجنسية. مكرها، اختار الحل الثانى».

هكذا وجد إريك رولو نفسه فى فرنسا قبيل ثورة يوليو 1952 ببضعة أشهر، حيث عمل صحفيا فى وكالة الأنباء الفرنسية ثم جريدة اللوموند، وظل يتابع مايدور فى مصر لمدة اثنى عشر عاما قبل أن يتلقى دعوة غير متوقعة من محمد حسنين هيكل لإجراء حوار صحفى مع جمال عبدالناصر صيف عام 1963، وهو الحوار الذى أراد عبدالناصر من خلاله، ضمن أشياء أخرى، إصلاح العلاقات مع فرنسا ورئيسها الجنرال ديجول بعد أن حصلت الجزائر على استقلالها عام 1962.

ولم يفت إريك لدى عودته بعد غيبة طويلة ملاحظة ما طرأ من تغيير على وطنه الأم الذى غادره منذ أكثر من عقد، فيكتب تحت عنوان «مصر للمصريين» الشعار الأثير للحركة الوطنية المصرية منذ القرن التاسع عشر «مجرد المشى فى وسط البلد كفيل بأن يدرك المرء أن الأقليات الأجنبية (الخواجات) الذى لم يكن غيرهم يجرؤ على الوجود فى المكان قد اختفوا». ويلاحظ رولو بتعاطف شديد وجود المصريين البسطاء بجلاليبهم وأزيائهم المتواضعة فى قلب قاهرة الأجانب التى ظلت لعقود محرمة عليهم، والذى كان مجرد وجودهم فيها من قبل يعرضهم لمتاعب جمة مع البوليس.

وإن كان عبدالناصر قد أراد فى الستينيات مخاطبة فرنسا من خلال اللوموند ومبعوثها الصحفى ذى الأصول المصرية المتعاطف مع التجربة الناصرية، فإنه وقبل أشهر قلائل من وفاته أراد أن يبعث برسالة أخرى للرأى العام الغربى من خلال إريك رولو تتعلق هذه المرة بالسلام مع إسرائيل. وربما يكون الفصل التاسع من كتاب إريك رول «السلام الضائع» من أكثر فصول الكتاب إثارة للجدل، وكشفا لبعض الأسرار غير المعروفة على نطاق واسع حول مساعى عبدالناصر لفتح قناة للسلام مع إسرائيل إبان معارك الاستنزاف.(1969/1970).

ولندع إريك رولو يتحدث بنفسه عن هذه القضية الملتبسة الخاصة بموقف عبدالناصر من التسوية السلمية للصراع. يقول رولو:

«تزامن وصولى إلى القاهرة فى يناير 1970 مع تصعيد حرب الاستنزاف (...) كانت إسرائيل ترفض الانصياع للقرار 242 بعد أكثر من خمسة عشر شهرا على اتخاذ مجلس الأمن له فى نوفمبر (...) وقبيل أيام من وصولى إلى القاهرة فى يناير، كانت إسرائيل قد رفعت من حدة التوتر بشن حملة من الغارات فى عمق وادى النيل (...) وخوفا من ردود الأفعال الشعبية، كانت السلطات تمنع بث أى معلومات حول هذه الغارات التى كانت تسفر عن سقوط العديد من الضحايا. كما كان جميع الصحفيين ممنوعين من الذهاب إلى المواقع التى تتعرض للقصف (...) وقد تعرض مخيمان عسكريان فى ضاحية القاهرة للدمار يومى 18 و23 من يناير، مما أسفر عن مقتل87 و150 شخصا على التوالى. بعد ذلك بأربعة أيام، احتلت قوات الجنرال ديان لمدة ثلاثين ساعة جزيرة شدوان، الواقعة فى الطرف الجنوبى من سيناء، ودمروا ما بها من منشآت واستولوا على ما وجدوه من عتاد عسكرى، وفقد المصريون إثر ذلك مائة رجل، ما بين قتيل وجريح.
لم يعد بالإمكان خداع الرأى العام، الذى علم بما وقع من تناقل الناس للخبر. فرفع الحظر ودعى الصحفيون للذهاب إلى المواقع التى استهدفها القصف. وبعد ساعتين من انتهاء الغارة، تم اصطحابنا إلى مصنع أبى زعبل، أكبر مجمع صناعى مختص بصناعة الحديد والصلب فى مصر. كانت ألسنة اللهب ترتفع من بين الأنقاض، والأجساد المبتورة الشوهاء متناثرة بالعشرات فى كل مكان، بينما كان صبى يرتدى الأفرول الأزرق يحتضر وسط بركة من الدماء. كانت الجثث المتفحمة تشهد باستخدام النابالم. وعلى أثر انفجار إحدى القنابل الموقوتة المنثورة داخل المجمع الصناعى ومن حوله، اضطررنا إلى مغادرة مكان الحادث على عجل، لكن حدثا غير عادى جاء ليقطع التحقيق الذى كنت أجريه. ففى اليوم التالى للغارة على مصنع أبى زعبل، تلقيت مكالمة هاتفية من رئاسة الجمهورية تعلمنى بأن جمال عبدالناصر سيستقبلنى فى اليوم التالى».

يقول إريك رولو إن عبدالناصر أسرَّ له فى لقاء لم يطلبه رولو بل سعى إليه النظام المصرى آنذاك أنه على استعداد لعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل والبدء بالتطبيع الكامل مع الدولة الصهيونية «بشرط إعادة جميع الأراضى المحتلة»، وقد أحدثت تصريحات الرئيس المصرى دويا عالميا، كما يقول إريك رولو، إلا أن حكومة جولدا مائير فى إسرائيل اعتبرت هذه التصريحات مجرد دعاية ولم تعرها اهتماما كبيرا.

وفى مارس من نفس العام (1970) أرسل عبدالناصر أحمد حمروش إلى إريك رولو فى باريس. يقول رولو: «اتجه حمروش مباشرة إلى هدف الزيارة: فقد كان مكلفا من قِبل الريّس لدعوة ناحوم غولدمان إلى القاهرة. كانت تلك خطوة غير مسبوقة فى حوليات النزاع الإسرائيلى الفلسطينى، وكانت تهدد بإثارة عواصف من الاستنكار فى الشرق الأوسط. كان جولدمان، رئيسُ المجلس اليهودى العالمى أحدَ أعمدة المنظمة الصهيونية العالمية، كما كان مواطنا لدولة معادية، هى إسرائيل».

رتب إريك رولو لقاء بين حمروش وجولدمان فى شقته بباريس، حيث نقل حمروش لجولدمان اقتراح عبدالناصر بأن يأتى إلى القاهرة فى زيارة شخصية بعد الحصول على تصريح بذلك من رئيسة الحكومة الإسرائيلية جولدا مائير. يستطرد رولو: «تظاهرت مائير بالاهتمام بالمشروع، لكنها رفضت إعطاءه موافقتها، كما رفضت الاحتفاظ بالأمر سرا، مثلما طلب منها محدثها. فقد ادّعت أن عليها استشارة مجلس الوزراء، وهى تعلم أن غالبيته العظمى سترفض. والأهم، أن الخبر «سيتسرب حتما مما سيُثير ردود فعل معارِضة داخل غالبية الأحزاب السياسية».

ولأن الصحافة الإسرائيلية ذكرت اسم إريك رولو كوسيط بين غولدمان والقاهرة، فقد شن مناحم بيغن هجوما عنيفا ضده واصفا إياه ب«العميل المصرى. أما فى مصر، يقول رولو، فقد ادعت صحيفة الأهرام أن قضية غولدمان مختلقة من أولها إلى آخرها»، وبرغم ذلك فقد أكد ناصر صحة المبادرة التى أقدم عليها بدعوة جولدمان، وذلك خلال اجتماع سرى لقيادات الاتحاد الاشتراكى فى أواخر يوليو.

ترى ما الذى يؤكد لنا صدق رواية إريك رولو هذه؟ يروى إريك رولو قصة طريفة عن كيف طلب منه عبدالناصر عدم تسجيل الحديث بجهاز التسجيل أو حتى بالورقة والقلم، حتى يتحدث «على راحته» وبعد أن تحدث ناصر لمدة ساعتين ونصف الساعة فيما ورد ذكره سابقا أبدى إريك رولو أسفه الشديد لأنه لا يمتلك دليلا على ما قاله له عبدالناصر، فإذا بناصر يقتاده إلى حجرة التسجيل الملحقة بمكتبه فى قصر القبة، حيث دار الحديث، ويطلب من الضباط القائمين على التسجيل إعطاء إريك رولو نسخة كاملة من الحوار الذى دار بينهما، الذى يقول إريك رولو إنه ما زال يحتفظ بها «حتى يومنا هذا»، وأنا شخصيا أتمنى أن يهدى إريك نسخة من هذا التسجيل لجهة مصرية، سواء أكانت أرشيف عبدالناصر الذى تشرف عليه ابنته هدى، أم مكتبة الإسكندرية، أو أى جهة وطنية أخرى، حتى يتاح للباحثين المصريين والعرب الاطلاع على ما قاله عبدالناصر حرفيا عن الصراع العربى الإسرائيلى قبل وفاته ببضعة أشهر.

ومن المؤكد أن عبدالناصر كان مهموما فى السنة الأخيرة من حياته بالتفكير فى صيغ يجنب بها مصر ويلات القصف الجوى الإسرائيلى فى عمق البلاد، وسواء كان سعيه للسلام مع إسرائيل هدنة مؤقتة حتى يتمكن من بناء حائط الصواريخ القادر على التصدى للطيران الإسرائيلى، أم كان تفكيرا إستراتيجيا لآفاق الصراع العربى الإسرائيلى مخالفا لما درجنا على تقبله من عبدالناصر، فقد قبل عبدالناصر «مشروع روجرز»، بدءا من 12 من يوليو 1970، بينما رفضت إسرائيل المشروع التى عادت وقبلته بعد نحو شهر من ذلك التاريخ.

ويفسر إريك رولو قبول إسرائيل لمبادرة روجرز، بعد أن رفضتها أولا، على ضوء ماكتبه هنرى كيسنجر لاحقا فى مذكراته، حيث كشف أن نيكسون قد أرسل رسالة شخصية وسرية لجولدا مائير، يؤكد فيها أن واشنطن لن تجبر إسرائيل على تطبيق التفسير العربى لقرارات الأمم المتحدة. وهذا الخداع الإسرائيلى الأمريكى هو موضوع الفصول التالية التى يخصصها إريك رولو للمحاولات المستمرة لإيجاد حل سلمى للصراع بدءا من محاولات السادات وانتهاء باتفاقيات أوسلو، التى يخصص لها إريك رولو الفصل قبل الأخير الذى يحمل عنوان «مأزق أوسلو».

والفصول الخمسة الأخيرة من الكتاب التى تقع فى ما يقرب من مائة صفحة، ربما تكون أقل صفحات هذا الكتاب كشفا لحقائق غير معروفة عن الصراع العربى الإسرائيلى، وإن كان لها مزية إنعاش الذاكرة حول محطات مهمة فى ما أصبح يعرف الآن ب«عملية السلام فى الشرق الأوسط»، وما هى إلا أوهام فى ظل توسع عدوانى إسرائيلى لا يتوقف.

فى الفصل الأخير من الكتاب، وتحت عنوان كاساندرا، وهى ابنة ملك طروادة التى تنبأت بدمار طروادة وإن لم يصدقها أحد، يشيد إريك رولو برؤية صديقه ناحوم جولدمان لمستقبل الصراع، فى إشارة ضمنية للشبه بين البطلة الإغريقية وجولدمان. وفى محاولته استشراف مستقبل السلام فى الشرق الأوسط يخلص إريك رولو إلى أنه: «للوهلة الأولى يبدو أن الأسهل لإسرائيل، كى تستعيد شرعيتها كاملة على الساحة الدولية، أن تضع نهاية لاحتلالها للأراضى الفلسطينية. ولكن عمليا وفى حال حاولت الحكومة الإسرائيلية اقتلاع نصف مليون مستوطن من الضفة الشرقية والقدس لإقامة دولة فلسطينية، فإن هذا الإجراء سيقود فى أحسن الأحوال إلى الفوضى وفى أسوئها إلى الحرب الأهلية. فكل الحكومات التى تعاقبت على إسرائيل، يمينا أم يسارا، والتى مارست سياسة الاستيطان الممنهج، ترى فى اقتلاع الاستيطان فخا قاتلا. هل تجد إسرائيل وسيلة للإفلات من ذلك الفخ؟ مستقبلها يتوقف على الإجابة عن هذا السؤال».

تبقى كلمة أخيرة بمناسبة الحديث هذه الأيام عن دعوة اليهود المصريين للعودة، وبمناسبة أن إريك رولو، الذى قرأت له قبل أن أتشرف بصداقته، كان دائما فى ذهنى نقيض يهود آخرين عرفتهم، وربما يكونون هم المعنيين بالدعوة الغريبة التى صدرت عن القيادى الاخوانى منذ اسابيع قليلة، لا يحملون أى مشاعر ود «لمصر المصريين»، التى يتحدث إريك عنها فى كتابه بفهم عميق وحب شديد.

مع توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى ظهر اتجاه يتحدث عن أهمية «الانفتاح على الآخر»، وكانت هذه المقولة كغيرها من المقولات «حقا يراد به باطل» و«سبوبة» فتحت أبواب الاسترزاق أمام العديد من ضعاف النفوس الذين أخذوا يتحدثون عن مسئولية عبدالناصر فى طرد اليهود، وأصبح هذا الحديث موضة، بل برهانا على تفتح المتحدث وقدرته على مواكبة صرعات ما بعد الحداثة التى تدعو إلى التصالح مع «الآخر» حتى وإن كانت مواقف ذلك «الآخر» على النقيض من كل المصالح الوطنية.

ولأن كاتبة هذه السطور قضت أغلب طفولتها وصباها على أطراف حى الظاهر فى شارع مازال يحمل اسم موسى بن ميمون حتى يومنا هذا، وعلى مبعدة حجر من كل من الكنيس اليهودى ومدرسة الطائفة الإسرائيلية، التى كنا ندرس فى الصيف بها حتى تم إغلاقها عام 1967. ولأننى صادفت المئات من اليهود داخل مصر وخارجها وصادقت منهم من صادقت واشتبكت مع من اشتبكت، فإن اتهام العداء للسامية، المخيف والمعطل للأرزاق فى الغرب، لا يخيفنى. ولهذا أقول: يا شباب مصر انتبهوا، أغلب يهود مصر الذين يحملون جنسية إسرائيل، ومعهم العديد من أصدقاء إسرائيل الذين يعيشون فى الغرب، لا يكن لمصر الثورات الوطنية أى مشاعر ودية.

يكفى أن تقرأوا مقالات لوسيت لانيادو، التى تقول إن والدها ذا البدلة الشركسكين البيضاء أخذ يبكى لدى خروجه من مصر مولولا: «رجعونى لمصر»، بعد ثورة 25 يناير فى «الوول ستريت جورنال» لتعرفوا مقدار الكره الذى يحمله هؤلاء لمصر الأخرى: مصر الغلابة والمحرومين الذين تقوم الثورات بهم ومن أجلهم. أرجوكم انسوا وهم مصر الكوزموبوليتية التى كانت، فتلك كانت مصر الأقليات الأجنبية وأصحاب الثروات الضخمة، ولم تكن قط «مصر المصريين»، وإن كنتم لا تصدقوننى فارجعوا إلى الفصل الثانى من كتاب إريك رولو «


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.