أمس الأول، وبدءا من الساعة التاسعة والنصف صباحا، لم يكن هناك حديث في وسائل الإعلام التركية خصوصا شبكاتها الإخبارية، سوى عن سقوط المقاتلة الروسية بالقرب من الحدود مع سوريا، في نفس اليوم اهتزت الأسواق المالية ، وتراجع المؤشر الرئيسي للبورصة في إسطنبول ثلاثة الآف نقطة، بنسبة تجاوزت الثلاث في المائة، أما الدولار واليورو الأوروبي فاستعادا عافيتهما بعد انخفاض كان لصالح الليرة المحلية، التي انتعشت نسبيا عقب فوز العدالة والتنمية الحاكم في انتخابات الأول من نوفمبر الحالى. ومع زيادة حدة ردود الفعل الروسية، تجنبت أنقرة مسايرتها مكتفية بالتأكيد على حقها المشروع في حماية أمنها القومي ، وحتى لا يفهم أن ثمة توتر داخل أروقة صانع القرار ، أو أن هناك ارتباكا بأجهزة الدولة ، صادق الرئيس على تشكيلة الحكومة الجديدة ، التي كان من المفترض أن تعلن الخميس الفائت، ثم أرجئت للأمس وأخيرا أعلنت بعد ست ساعات من قيام مقاتلتين تركيتين بضرب السوخوى 24 الروسية. في قنوات التلفاز ومعظمها باتت تحت السيطرة الحكومية وخلال الحوارات بدا هناك تركيز على أن ما فعلته تركيا هو الصواب بعينه خاصة وأنه سبق وتم تحذير الجانب الروسي أكثر من مرة في حوادث مماثلة وأن صبرها نفذ، وكان عليها إتخاذ إجراء حاسم وسريع وهو ما تم. وبطبيعة الحال كان هناك إدراك لدي من أصدر قرار إسقاط الطائرة أن القوميين في عموم الاناضول سيعضدونه، وهذا ما حدث فقد بادر نوابهم بالبرلمان بإعلان تأييدهم خاصة وانهم سبق وقاموا بتنظيم مظاهرة أمام السفارة الروسية بالعاصمة أنقرة وكذا قنصليتها في إسطنبول للتنديد بعمليات القصف التي استهدفت أقاربهم وإمتداداتهم العرقية بجبل التركمان "بايربوجاق"(شمالي اللاذقية السورية)"، الذي لا يوجد به تنظيم داعش، معتبرين أن "المقاومة التركمانية ضد نظام بشار الاسد هي من قبيل الكفاح الوطني" . ورغم كل ذلك قال أوميت أوزداغ، نائب رئيس الحركة القومية اليميني المعارض, إن "على تركيا وروسيا التحلي بالهدوء، وإن أي توتر غير محسوب في العلاقات بين البلدين، سيلحق الضرر بكليهما"، وأضاف أنه "لا يمكن قبول الضرر الذي يلحق بالمصالح القومية التركية، نتيجة للسياسات الروسية في سوريا"، مناشدا السياسيين والدبلوماسيين ، من الأتراك والروس "الحفاظ على التوازن الحساس في العلاقات بين أنقرةوموسكو، لكن الامر اللافت بهذا الصدد تمثل في حرص وكالة الاناضول للأنباء الرسمية على المتابعة التفصيلية لوقائع المؤتمر الصحفي للقوميين رغم انها كانت ضنينة في تغطية نشاطهم إبان الانتخابات التشريعية ، وهو ما قد يعني أن ثمة قلقا من تصعيد محتمل ومن ثم فهناك ضرورة لإظهار أن الحكومة والمعارضة صف واحد لكن يبدو أن تحقيق ذلك أمر صعب إذ ظهر ما هو مغاير ومختلف، فعلي موقعها الألكتروني لم تشأ صحيفة "وطن" أن تدلي بدلوها في القضية سواء بالسلب أو الايجاب ربما لتنجو بنفسها من مغبة فرض الوصاية عليها لكنها لجأت إلى البديل ، إذ نقلت عن وسائل الاعلام وبعض المواقع الإلكترونية الروسية إتهامات لرئيس الجمهورية باسقاط الطائرة ، وتحت عنوان " اردوغان المخرب" اكدت أنه هو المخطط للعملية التخريبية ، ووصفت موقف المسئولين الأتراك الذين يحاولون إستفزاز السلطات الروسية بالمتهور. هذه الصفة أطلقها أيضا مراقبون فمع افتراض حدوث انتهاك للمجال الجوي كانت الحكمة تقتضي التروي وعدم التسرع حتى لا تدخل العلاقات نفقا مظلما، والدليل على ذلك رد فعل الناتو ، بتأكيده ضبط النفس ومطالبته الطرفين بالتواصل المباشر فيما بينهما، والعمل سويا على منع أي تداعيات، وهو ما فهم على أن الحلف بدا وكأنه يهدئ من روع الدب الروسي تحسبا لأى خطوات قد يتخذها، من جانب آخر أن ما كانت تخشاه تركيا من تغير يطرأ على مصالحها الإستراتيجية بمناطق نفوذها داخل الأراضي السورية الآن يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها. وعلى ذات المنوال ابدي قطاع الأعمال في الداخل التركي مخاوفه من تأثيرات اقتصادية سلبية نتيجة توقف السياحة الروسية أو على الاقل تراجعها وهي تمثل رقما لا يمكن إغفاله فثمة مدن ساحلية لا يقصدها إجمالا سوى الروس. كما أن هناك مجالات عدة تملك موسكو مفاتيحها ، وغلقها مما سيقلق مضاجع من يتولون مقاليد السلطة في وريثة الإمبراطورية العثمانية ، تلك الإمبراطورية التي لم تستطع أن تناطح الإمبراطورة العظمي كاترين الثانية في كرملين القرن الثامن عشر.