إذا أردت أن تسأل أسئلة لن يجيبك عليها أحد في الغرب.. فما عليك سوى أن تسأل: من هى المعارضة السورية المعتدلة؟ وأين هى المعارضة السورية المعتدلة؟ وما هى الإختلافات بينها وبين المعارضة السلفية سياسيا وايديولوجيا؟. فعندما تسأل مسئولا غربيا هذه الأسئلة تكون الحيرة هى رد الفعل، تظهر في تعبيرات الوجه، ثم في محاولات متعثرة للتوضيح، تنتهي بجملة "الموضوع معقد جدا" مع إبتسامة أسف للعجز عن الرد. فالجمود السياسي في سوريا اليوم تقف وراءه أسباب عديدة، منها الخلافات الروسية -الأمريكية، والانقسامات داخل سوريا، والبعد الطائفي للصراع، لكن يظل أحد أهم الأسباب وأكثرها إثارة للحرج الدولي هو عدم وجود معارضة سورية معتدلة. لقد حاولت دول أقليمية وقوى دولية خلق ذلك الكيان الذي يمكن تقديمه للمجتمع الدولي بوصفه البديل المنتظر للنظام السوري، لكن هذا لم يتحقق. وولد بديلا عن ذلك "فرانكنشتاين سلفي راديكالي عنيف عابر للحدود"، لا يريد إقامة ديمقراطية في سوريا، بل خلافة إسلامية. ومع صعوبة إيجاد معارضة سورية معتدلة على الأرض، سعت قوى أقليمية على رأسها قطر وتركيا إلى إقناع الغرب أنه ليس أمامه إلا خياران. إما إعادة تأهيل وتقديم التنظيمات السلفية بوصفها "معتدلة"، أو الإعتراف بانتصار الرئيس الأسد على معارضيه. ولأن الخيار الثاني "انتحاري" لبعض القوى والأنظمة في المنطقة التي ألقت بكل ثقلها وراء الإطاحة ببشار الأسد، فإن الخيار الأول وهو تأهيل وإعادة تقديم المقاتلين بوصفهم معتدلين لقى قبولا مبدئيا من منطلق "دعونا نجرب كل الخيارات، فليس أمامنا خيار أخر". ووقع خيار "تبييض الوجه" على تنظيمات سلفية على رأسها "أحرار الشام" الذي أستثمرت فيه قطر وتركيا مئات الملايين من الدولارات حتى اليوم. وبات أقوى مشروع في سوريا من حيث الانتشار الجغرافي والنفوذ العسكري والتمويل وعدد المقاتلين (ما بين 10 آلاف إلى 20 ألف مقاتل)، ومنه خرج "جيش الشام" الذي تأسس منذ أسابيع قليلة ويعتقد أنه سيلعب دورا هاما في الفترة المقبلة فيما يتعلق بتجميل صورة السلفيين في سوريا. ويقول خبير أوروبي بارز في الحركات الإسلامية يعمل مستشارا في وزارة خارجية بلاده في الملف السوري- ولا يريد كشف هويته بسبب حساسية الملف- ل"الأهرام" إن محاولات تجميل صورة وتبييض وجه التنظيمات السلفية، جاءت بعد إدراك الغرب أن مساعيه لخلق معارضة معتدلة لا يمكن أن تنجح بعدما سيطر على الساحة السورية عشرات التنظيمات السلفية. وأنه لهذا أضطر الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى وقف برنامج تأهيل المعارضين السوريين المعتدلين، بعدما دربت الاستخبارات الأمريكية نحو 100 مقاتل بتكلفة بلغت نحو 500 مليون دولار، وعندما عادوا إلى سوريا، أنضموا إلى داعش أو جبهة النصرة أو أحرار الشام وسلموا أسلحتهم أو هربوا أو قتلوا. ويوضح أنه خلال هذا العام التقى مسئولو أستخبارات أقليمية ودولية مع قيادات تنظيمات أهمها "أحرار الشام" من أجل إقناعها بتنفيذ عدد من النصائح يمكن أن تساعد في تأهيلها وتحسين صورتها وإقناع العالم أنها يمكن أن تلعب دور "المعارضة المعتدلة" التي لطالما بحث عنها الغرب دون جدوى. ويمكن تلخيص هذه النصائح في الآتي. أولا، عدم أسلمة المعارك، بمعنى عدم إعطائها أسماء إسلامية أو ذات دلالات دينية، وقصر الأسماء على الدلالات الوطنية السورية. ثانيا، تركيز الجماعات السلفية على أنها تتعاون مع بقايا "الجيش السوري الحر"، فهذا من شأنه أن يعطي الجماعات قبولا أكبر في المجتمع الدولي. ثالثا، إقامة قنوات اتصال مع الغرب وشن حملة علاقات عامة لتحسين صورة الجماعات السلفية وعلى رأسها أحرار الشام عبر إستخدام عدد من الدبلوماسيين الغربيين السابقين. رابعا، قيام الجماعات بالتخلص من العناصر الأكثر تطرفا في صفوفها. ويوضح الخبير الأوروبي البارز أن عدة حجج أستخدمت للترويج لفكرة تجميل صورة الجماعات السلفية وإعادة تأهيلها بوصفها معتدلة ويمكن الحوار معها. من بينها أولا المحاججة بأن هؤلاء السلفيين لهم شعبية وسط السوريين العاديين وأنهم "معتدلون". وثانيا، الحديث عن تحولات في طبيعة الصراع في سوريا من صراع بين النظام والمعارضة الداخلية من أجل الديمقراطية، إلى "حرب تحرير" ضد الروس والإيرانيين. وثالثا الترويج لقبول فكرة أن أرض المعركة الأن تحتاج إلى"المقاتل الدولي العابر للحدود" الآتي من القوقاز والشيشان وأوروبا أكثر مما تحتاج إلى المناضل المحلي من أجل الديمقراطية. ورابعا، تمديد أمد المعركة، ووقف الحسم الروسي والإيراني في سوريا بأي طريقة بإنتظار رحيل باراك اوباما وعلى أمل إنتخاب جمهوري في البيت الأبيض. أستفادت أحرار الشام أكثر من غيرها لإعادة تصنيفها وقبولها كتنطيم معتدل. وهناك محاولات تبذل للإعتراف بها كتنظيم معتدل وإقناع امريكا وأوروبا بفتح حوار معها، ومع الجماعات الأصغر التي تعمل معها مثل فيلق الشام وجيش الشام. ويوضح مصدر غربي مطلع ل"الأهرام" أن أحرار الشام نفذت مطالب لتحسين صورتها من بينها التعاون مع بقايا الجيش السوري الحر. وتابع :"بقايا الجيش السوري الحر ولدواعي البقاء تشارك في عمليات مشتركة مع تنظيمات أحرار الشام وجبهة النصرة خاصة في إدلب التي باتت تتسم بالقوة وحققت مكاسب أمام قوات الجيش السورى". وأضاف إنه تم "تسويق نموذج إدلب كنموذج للعمل البناء والفعال بين الجيش الحر والفصائل الجهادية الأخرى من أجل تحسين صورة أحرار الشام وتقوية الأصوات داخل واشنطن التي تطالب بالعمل والحوار معها"، وعلى رأسها السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد. كما تبذل محاولات متواصلة لإقناع قيادات أحرار الشام بتبني خطاب أكثر إعتدالا فيما يتعلق بالديمقراطية والحريات الفردية وحقوق الإنسان. لكن هذه المحاولات هددت بخلافات وإنقسامات داخل أحرار الشام. ووفقا لمصادر مطلعة تحدثت ل"الأهرام" فإنه عندما تعثرت محاولات إقناع قيادات أحرار الشام تغيير خطابهم بطريقة تقنع الغرب بفتح حوار معهم، تم إحداث انشقاقات مصطنعة من قلب أحرار الشام مثل التنظيم الجديد "جيش الشام" الذي أنشق عن التنظيم في 9 أكتوبر الماضي بهدف إقناع الغرب أن التنظيم الجديد المنشق "معتدل"، ويمكن أن يشكل بديلا مقبولا ويعمل تحت عباءة الثورة السورية. وبالتالي يجب دعمه وتسليحه والحوار معه بوصفه بديلا ثوريا معتدلا وطنيا دينيا وسطيا يمكن أن تلتف حوله القوى المحلية والدولية والأقليمية. ووفقا لأكثر من مصدر مطلع تحدث ل"الأهرام" فإن جهات أقليمية ودولية تلعب دور الوسيط بشكل دائم للتهدئة بين الفصائل السلفية ومحاولة إعادة تأهليها وضمها للعملية السياسية. ويقول الخبير الأوروبي البارز إن الوسطاء في عدة وزارات خارجية أوروبية استطاعوا اقناع 51 فصيلا سوريا بقبول "جنيف1" كأرضية للتفاوض مع الحكومة السورية، وانه بدون جهود دبلوماسيين وخبراء غربيين لم يكن من الممكن إقناع الفصائل السورية بالموافقة. ليس من المبالغة القول إن سوريا باتت الساحة التي تطبق فيها كل التجارب، وتدار عليها كل الحروب، وتتجمع فيها كل الأضداد، وتختلط فيها كل الأوراق، وتلتبس فيها الحقائق بالأوهام. ويقول مصدر أوروبي مطلع وثيق الصلة بالملف السوري: "لكى نكون واضحين، كل ما يقال عن تفكك المعارضة السورية يفتقد للدقة. وكل ما يقال عن معارضة سورية معتدلة يفتقد للأمانة. المعارضة السورية بكل أشكالها وتنوعاتها ينتمي 99% منها للسلفية . وكلها تتوحد على جبهات القتال. يقاتلون معا بدءا من أحرار الشام وجبهة النصرة ولواء الحق والجيش السوري الحر وفيلق الشام وكتيبة اليرموك وجيش الشام. أما الخلافات الايديولوجية البسيطة فتختفي كليا خلال القتال المشترك. فهم في النهاية يحاربون نفس العدو. المعارضة السورية المعتدلة خطاب سياسي، وليست قوى حقيقية على الأرض". بعبارة أخرى أكثر صراحة، المعارضة السورية المعتدلة "وهم". فكيف يمكن بناء تصور لحل سياسي أحد أركانه "وهم وخيال مصطنع"؟.