تقع هذه المنطقة قرب الاسكندرية علي بعد نحو50 كيلو مترا منها, وتقريبا في منتصف المسافة بينها وبين وادي النطرون علي طريق القوافل القديم الذي كان يصل الاسكندرية بواحة سيوة وبرقه غربا. وتمتد أطراف هذه المنطقة التي ترقي الي مستوي المدينة في حدود صحراء مريوط حتي تشغل مساحة لا تقل عن أربعين الفا من الأمتار المربعة بما عليها من بقايا الكنائس والأديرة والحمامات والمنازل والأسواق وغيرها. وتتوسط هذه جميعا, الكنيسة الرئيسية الرائعة التي طالما انتزعت إعجاب المؤرخين القدماء فأطلقوا عليها اسم أجمل وأعظم كنيسة مصرية, وتحفة من روائع الفن المسيحي, ومسرة لجميع شعوب مصر, والأكروبول المسيحي القديم, وأيضا المدينة الرخامية. أما الشهيد المصري الذي تحمل المنطقة اسمه فهو القديس مينا الملقب بالعجايبي, فهو من عائلة مصرية نبيلة, وأصل والديه أودوكسيس وأوقومية من المدينة المصرية الشهيرة المسماة باليونانية نيقيوس وتعني بالمصرية المنتصرون, وتسمي أيضا أيشاني التي هي الآن زاوية رزين بمحافظة المنوفية باسم الحاكم المصري الذي بني ميدانا في وسطه مقصورة وقوي أسوارها. ولد الشهيد المصري في عام285 م, وأنخرط في الجندية كأحد النبلاء وهو يبلغ من العمر15 عاما, وشغل وظيفة نائب للقائد العام للجيش بولاية فريجيا بآسيا الصغري. بعد أن صدر منشور دقلديانوس الذي يأمر كل إنسان بعبادة الأوثان, انسحب القديس مينا الي الصحراء بغرض النسك والعبادة, وبعد أن قضي نحو خمس سنوات في الرهبنة, غادر الصحراء الي المدينة وهاجر بإيمانه المسيحي واستشهد بقطع رأسه بحد السيف في24 نوفمبر عام309 م وهو يبلغ من العمر24 عاما, وبعد ذلك أصطحب بعض الجنود جسده المبارك وذهبوا به الي منطقة مريوط وهناك تم دفنه. كان نواة منطقة أبو مينا قبر صغير ضم رفات الشهيد المصري مينا, ففي بداية الأمر تم بناء مقصورة صغيرة فوق قبر القديس في أوائل القرن الرابع الميلادي, ثم أقيمت الكنيسة الأولي فوق هذه المقصورة في منتصف القرن الرابع. ولما ضاقت هذه الكنيسة بالأعداد الغفيرة المتزايدة من المصلين, شيدت علي امتدادها من الجهة الشرقية كنيسة فخمة رحبة في أوائل القرن الخامس الميلادي بأمر من الأمبراطور أركاديوس395 418 الذي لم يدخر جهدا في زخرفتها وتزيينها بأثمن أنواع الرخام والفسيفساء والنقوش البديعة,, وقد كان لهذه الكنيسة بهاء وروعة انتزعا إعجاب المؤرخين القدماء. اشتهرت المنطقة بكميات الأواني الفخارية الهائلة المحلاة بصورة الشهيد المصري واسمه والتي عثر عليها في شتي أرجاء العالم. وكان زوار المنطقة يأتون في هذه الأواني بقليل من المياه التي كانت تنبع من بئر بجوار القبر لأقاربهم ومعارفهم الذين أقعدتهم ظروفهم الصحية عن تحمل مشقات السفر. هذا وكان يوجد بالمدينة نفسها عدة قنوات لنقل المياه من النبع المقدس الي مجموعة كبيرة من الأحواض والصهاريج والحمامات والقاعات المخصصة لاستقبال المرضي. وما لبث الأرض المجاورة أن تحولت الي كروم وبساتين يانعة ومثمرة. وهكذا قامت في جوف الصحراء مدينة كاملة عامرة. وظلت منطقة أبو مينا أشهر موضع للتقديس في مصر كلها زمانا طويلا إبان العصور الوسطي. بدأ بعد ذلك نجم المدينة في الاختفاء وأخذت عوامل التخريب والتدمير تتألب عليها.