سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
وزارة التعليم لا تعلم عدد «المتسربين» الهاربون من المستقبل
الوزارة: ليس لدينا إحصاء رسمى.. والعدد لا يقل عن مليونى تلميذ متسرب
الفقر والكثافة والمسافات البعيدة والمعلم وراء الكارثة
عقود مضت ونحن ندور فى فلك إصلاح التعليم . منذ عهد محمد على باشا ونحن نلهث وراء القضاء على الأمية ومعالجة قضية التسرب من المدارس ومع مرور السنوات تلو السنوات، وبرغم قيام الثورات فإننا نعيش نفس الواقع المرير وننام ونفيق على نفس الحقيقة المرة.. أن مصر لديها أكثر من مليونى طفل متسرب من التعليم رسميا, فى حين يقدرالبعض الأرقام فى مصر بأكثر من ضعف هذا الرقم ، ويقدرها خبير آخر بأكثر من عشرين مليونا فى المنطقة العربية بعد حالات التهجير والقتال التى تشهدها الدول العربية. وفى الوقت الذى يصف فيه اليابانيون كل من لايعرف الكمبيوتر بأنه أمى وجاهل نجد المسئولين بوزارة التربية والتعليم يقولون لنا: ليس لدينا إحصاء رسميا بعدد المتسربين من التعليم ! تحقيقات «الأهرام» تطرح السؤال: لماذا تزايدت اعداد التلاميذ الهاربة من المستقبل خلال السنوات الاخيرة ؟ وتفاصيل أخرى فى السطور المقبلة... فى البداية سألنا أحد وزراء التربية والتعليم السابقين وهو خبير تربوى مرموق رفض ذكر اسمه حول زيادة أعداد المتسربين من التعليم فأجاب: هذا امر طبيعى نتيجة لوجود أسباب التسرب الثلاثة وهى الفقر وبعد المسافات عن المدارس والكثافات الزائدة فى الفصول و يضاف الى ذلك أن هناك معلما أصبح يساهم فى زيادة التسرب وهو معلم غير مرغوب فيه من جانب التلاميذ وهناك آخر محبوب لدى التلاميذ يكون لديه القدرة على الترغيب فى العملية التعليمية والنوعية الأخيرة من المعلمين تراجعت وتزايدت مقابلها النوعية الاولى، فضلا عن زيادة حالات الفقر فى المجتمع. فهناك أسر فقيرة عاجزة فعلا عن تحمل أعباء التعليم ويكون البديل الاسهل لديها تشغيل الأطفال فى المحاجر والورش والمزارع وهذا الطفل يأتى بعائد يومى يصل إلى 50 جنيها على الاقل تساعد فى توفير احتياجات المعيشة لهذه الاسرة وعندما تتحدث عن اهمية التعليم تجدهم يقولون لك نعيش الاول و نأكل ونشرب ثم نفكر فى التعليم . ويضيف الوزير الأسبق عندما قررت الوزارة توفير وجبات لطلبة المدارس فى المناطق الفقيرة فوجئنا بأن هذة الاسر الفقيرة أرسلت الاولاد الى المدارس بهدف حصولهم على الوجبة وهذا الأمر كان مؤلما جدا للمسئولين عن التعليم.. وقد أسهم فى تقليل عدد المتسربين. ويضيف: هناك نسبة تسرب كبيرة بين الفتيات خاصة فى القرى والمناطق الريفية التى تبعد عنها المدارس نظرا لحالة الخوف على البنت ونظرا لعدم توافر وسائل المواصلات الامنة وهنا يكون الحل الاسهل بأن تقرر الاسرة عدم إرسال البنت الى المدرسة ... وكشف المصدر لتحقيقات «الأهرام» عن أنه لا يوجد فى مصر أى إحصاء حقيقى دقيق لاعداد المتسربين من التعليم وأن الاحصاء الوحيد قد قامت به وزارة الداخلية فى عام 2010 بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم حيث تم حصر جميع أعداد المواليد فى سن الالزام المدرسى فى كل محافظة وتبين وجود اعداد تسرب كبيرة ورغم ذلك فإن هذا الإحصاء لم يكن دقيقا, حيث انه لم يضم أبناء المسافرين خارج مصر وكذلك المدارس الخاصة وكذلك لم يضم أبناء المقيمين فى المناطق البعيدة فى الصحراء والجبال والمقيمين فى المناطق النائية خاصة ان هؤلاء لايسجلون أبناءهم فى سجلات المواليد ولا يهتمون بذلك وان عملية التعليم بالنسبة لهم ليست فى المقدمة ولا يفكرون فيها من الأساس . لست مسئولا وباعتباره المسئول الأول فى مصر عن معالجة عملية التسرب من التعليم سألنا مدحت عبد الرازق رئيس الإدارة المركزية لمعالجة التسرب التعليمى بوزارة التربية والتعليم عن الاعداد الحقيقية للمتسربين فأكد انه لا يوجد لديه حصر دقيق وأن الأعداد ربما تزيد على مليونى تلميذ متسرب . فقلنا له بل هناك دراسات علمية تؤكد أن المتسربين تجاوز عدة ملايين تلميذ فما حقيقة ذلك فأجاب : ليست مسئولا عن هذه الدراسات ولا يمكننى التعليق عليها لكن لدينا مشكلة تسرب ولدينا مشكلة امية فالمتسرب إما تلميذ لم يلتحق بالمدارس أو هرب من المدرسة بعد أن التحق بها نتيجة لظروف معينة مثل الفقر أو بعد المسافات عن المدرسة . سألناه بشكل مباشر, ما الذى تقوم به وزارة التربية والتعليم لمعالجة هذه الكارثة ؟ أجاب عبدالرازق : نحن نعمل مع المجتمع المدنى ولدينا أماكن مستهدفة ومناطق نائية ونبذل جهدا كبيرا فى تغيير المفاهيم الثقافية خاصة فى المناطق المحرومة من التعليم فمثلا عندما نجد منطقة محرومة من التعليم نوصى بعمل فصل دراسى فى أى مكان حتى لو كان فى مقر جمعية أهلية أوفى منزل مؤجر أو فى قطعة أرض حتى ولو بشكل مؤقت لحين بناء مدرسة قريبة من المكان وهذا يمكن تسميته أن التعليم يذهب الى المواطن والى منطقة سكنية، لكن هذا لا يمنع أن هناك مناطق مازالت أشد احتياجا للدعم المادى والتعليمى ولابد للدولة أن توجد حلا للقضاء على الفقر وفى تقديرى والكلام لرئيس الادارة المركزية لمعالجة التسرب التعليمى بوزارة التربية والتعليم أن مصر تحتاج إلى تقديم دعم مادى مباشر للأسر الفقيرة وتحتاج إلى الاهتمام بالتوعية أو ما يمكن تسميته بالتعليم المجتمعى . سألناه : هل هناك تجريم لمن يتقاعس عن تعليم ابنائه ؟ قال: ان القانون شدد على ضرورة التعليم وجعله بالمجان لكنه لم يقر بوجود عقوبة لمن يترك أطفاله بدون تعليم، و هنا ربما يحتاج الامر الى اعادة نظر فى تغليظ العقوبة فمثلا لو كانت هناك عقوبات بالحبس أو الغرامة لكل من يترك ابنه بلاتعليم ولا يقوم بالحاقه بأى مدرسة بدون سبب مانع ربما يؤدى ذلك الى الاهتمام بالتعليم بشرط أن يقابل ذلك تحسين فى المفاهيم الثقافية وعمليات التوعية . إرادة سياسية من جانبه يرى الدكتور سامى نصار العميد السابق بمعهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة أن التعليم فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان جيدا ومجانا للجميع وبدأ ينهار فى عهد الرئيس أنور السادات بعد اتباع آليات السوق فى التعليم ثم سحبت الدولة بالتدريج يدها من الاستثمار فى التعليم ولم يصبح ضمن اولوياتها واصبحت ميزانية التعليم غير كافية والاسر أصبحت تتحمل العبء الاكبر فإذا كانت ميزانية التعليم حوالى 120 مليار جنيه 90 % منها على المرتبات والمكافآت والاجور فإن المواطنين ينفقون على الاقل مثل هذا الرقم على الدروس الخصوصية ومصروفات المدارس والكتب ...الخ . وقد ادى ذلك الى زيادة الكثافة بالمدارس ففى الوقت الذى لدينا فيه 25 الف مبنى مدرسى فى حين نحتاج على الاقل الى 50 الف مبنى مدرسى الامر الذى ادى الى تضاعف الكثافة فى الفصول لتصل فى بعض المدارس الى 120 طالبا فى الفصل الواحد رغم ان المعدل الطبيعى الذى يسمح للمدرس ان يشرح وللطلاب ان يستفيدوا يتراوح بين 25: 30 فقط، وقد توقف بناء المدارس منذ حرب اكتوبر 1973 ولسنوات واتجه فى ذلك الوقت الانفاق إلى سداد فاتورة حرب اكتوبر وبعدها سداد ديون مصر وإعادة بناء البنية الأساسية وفى عهد الدكتور حسين كامل بهاء الدين تقدم بمشروع ضخم لبناء المدارس إلا أنه للاسباب الاقتصادية ولعدم اعطاء التعليم الاولوية المطلوبة تم اجهاض المشروع والكلام للدكتور سامى - وان بقاء الامر على هذا الوضع ينذر بكارثة اجتماعية ضخمة ولابد من ارادة سياسية جادة للتصدى لهذه الكارثة . وحول ما أعلن عنه الدكتور حمد الهماملى مدير مكتب اليونسكو الاقليمى ببيروت منذ أيام أن أكثر من خمسة ملايين طفل عربى خارج المدارس حاليا ..يقول الدكتور سامى نصار إن هذا الرقم كان قبل قيام ثورات الربيع العربى, ولكن العدد الحقيقى لهم حاليا لا يقل عن 20 مليون طفل متسرب من المدارس خاصة فى دول : سوريا واليمن والعراق وليبيا ففى هذه الدول حدث نزوح للاطفال الى اماكن اخرى وتم تدمير عدد من المدارس والباقى استخدم اما كاماكن ايواء او كقواعد للقوات المتنازعة على الجانب الأخر ترى الدكتورة نادية جمال الدين الرئيس السابق لمركز البحوث التربوية بجامعة القاهرة أن هناك حربا ضارية ضد التعليم فى مصر خاصة فى الاعلام وهناك ادعاء بانه فاشل والتركيز على حالات الغش والتسرب ...للوصول الى ترسيخ مفهوم لدى المواطنين ان التعليم الحكومى المجانى فاشل وهذا يصب فى خانة القضاء على مجانية التعليم لصالح التعليم الخاص ومن معه يستطيع ان يشترى تعليمه وهذا لتشجيع الدولة للتخلى عن التعليم المجانى, الأمر الذى سيكون بداية الانهيار لان التعليم هو الأساس القوى الذى يمكن ان تبنى عليه دولة قوية والشاهد على ذلك ان محمد على بنى مصر بالتعليم . تؤكد الدكتورة نادية انه بدون تعليم لا امل لهذا الوطن فى غد افضل وان معالجة قضية التسرب لابد ان تبنى على ابحاث علمية تقوم عليها جهات مختصة لتحديد الاسباب الحقيقية التى تدفع الى التسرب من التعليم ومن هم الذين يتسربون وفى اى المناطق فى مصر يحدث التسرب لان التسرب اسبابه الاساسية اقتصادية واجتماعية ونفسية وضرورة تنظيم مؤتمر قومى عام لمناقشة الموضوع بكل شفافية وجدية للوصول الى العلاج الحقيقى .