تُعد اللائحة الناظمة لعمل مجلس النواب أحد أهم الإشكاليات المثارة حاليًا، فاللائحة القديمة سقطت بسقوط الدستور السابق، ما خلق فراغًا قانونيًا لكون المجلس بعد انتهاء المرحلة الثانية والأخيرة بحاجة لآلية محددة لتنظيم ليس شئونه الداخلية فحسب،وإنما أيضًا علاقاته مع السلطة التنفيذية. وكانت أحد أبرز التساؤلات المثارة كيفية عمل المجلس الجديد فى ظل هذا الغياب، من له الحق بالمشاركة فى وضع تلك اللائحة..؟ ما هى الآليات المعتمدة لوضع تلك اللائحة..؟ وهل سيتم الاستعانة بإحدى اللوائح القديمة مؤقتا أم سيتم تشكيل لجنة فورية بوضع لائحة جديدة..؟ وما هى الضمانات القانونية والدستورية لأعمال المجلس خلال هذه الفترة..؟ ألغام كثيرة تواجه أول يوم عمل للمجلس الجديد. استطلعت « الأهرام» آراء بعض خبراء القانون والسياسية حول تلك الاشكاليات، فلم تزد تلك الآراء المشهد إلا ارتباكًا. فمن جانبه، اعتبر المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الاسبق والفقيه الدستوري، ان الدساتير السابقة وتحديدًا دستور 1971 نص على ان ينظم المجلس النيابى أعماله طبقا للائحة الداخلية التى يقرها، وأن الائحة فى السابق لم تكن تصدر بقانون، ولا بقرار تنفيذي، وإنما بتصويت أغلبية نواب المجلس النيابي، تطبيقا لمبدأ فصل السلطات واستقلال السلطة التشريعية عن التنفيذية، فيما نص الدستور الجديد على أن تصدر اللائحة الداخلية للمجلس بقانون. وأضاف أن اللائحة التى تصدر بقانون يشترك فى وضعها واقرارها واصدارها رئيس الجمهورية باعتباره رئيس السلطة التنفيذية، معربًا عن تعجبه لهذا الامر من حيث إنه مخالف للمبادئ الدستورية الأساسية .فدور اللائحة حسب توصيف الجمل، تنظيم وتشكيل لجان مجلس النواب واجراءات ممارسة اعضاء البرلمان لاختصاصاتهم البرلمانية وأبرزها تقديم الاسئلة والاستجواب وطلبات الاحاطة، كما تتضمن اللائحة الاحكام المنظمة للامانة العامة للمجلس وللحرس وأجهزة الامنه وأيضًا إسقاط الحصانة عن العضو وتوقيع العقوبات السياسية على الاعضاء الذين يرتكبون مخالفة لاحكام الدستور والقانون . وبسؤاله عن آليات وضع اللائحة الجديدة من كل هذا..؟ اجاب رئيس مجلس الدولة الاسبق ان الضرورة تقتضى مع عدم وجود لائحة للمجلس تدخل رئيس الجمهورية لحل هذه المشكلة، بالاضافة الى وضع بعض المواد التى تضمن تشكيل أجهزة المجلس ولجانه بصفة مؤقتة وعاجلة حتى يتم وضع اللائحة الدائمة للمجلس بعد اجتماعه .وأشار الجمل إلى انه حسب نصوص الدستور الحالى فإن اللائحة الداخلية لمجلس النواب يكون الاساس فى وضعها لائحة داخلية للبرلمان وفقا لدستور 1971 مع تعديل بعض الاحكام التى تتناقض مع هذه اللائحة . أكد الجمل انه كان أحد معدى لائحة البرلمان عام 1971 وقام بصياغة أحكامها، إلا أننا الآن بصدد مشكلة فى احكامها، كما ان هناك مشكلة دستورية تجعل الأمر لا حل له إلا إعداد قرار بقانون بأحكام اساسية لتيسير اعمال المجلس النيابى والخاصة بإنتخاب رئيس المجلس والوكلاء وتشكيل لجان المجلس بصفة مؤقتة وذلك حتى يتم اعداد المشروع التفصيلى لللائحة عبر أعضاء المجلس الجدد. ووفقًا لرؤيته فإن اللائحة اصبحت بعد تحولها من قرار إلى قانون مثل غيرها من القوانين وتتعرض للطعن بعدم الدستورية لأحكامها، ومن يفصل فى ذلك المحكمة الدستورية العليا . فيما يرى المستشار مجدى الجارحى ئانب رئيس مجلس الدولة، ان يجتمع أعضاء البرلمان الجديد فى أول اجتماع لهم داخل المجلس ويقوموا بوضع تعديل للائحة، وإذا أتت متعارضة مع الدستور، يعاد العمل باللائحة السابقة لحين صدور اللائحة الجديدة .وأضاف حال عدم وجود مجلس النواب، فمن حق رئيس الجمهورية تعديل اللائحة بعد موافقة مجلس الوزراء، بينما فى ظل وجود البرلمان فلا يحق لاى جهة تعديل اللائحة سوى أعضاء البرلمان ورئيسه فقط ، لكونها تُعد نوعًا من أنواع التشريع، والتشريع من اختصاص مجلس النواب طبقا للدستور ولا يجوز أن ينازعه أحد هذا الاختصاص التشريعي. ويتفق معه الدكتور شوقى السيد الفقيه الدستوري، بالقول إن النص الدستورى واضح وصريح، مجلس النواب من له الحق فى اعداد لائحته وتصدر بقانون، ومن يفعل غير ذلك يعد اعتداء على السلطة التشريعية . فيما يرى المستشار يحيى قدرى نائب رئيس حزب الحركة الوطنية المصرية مخرجا من تلك الإشكالية عن طريق أن يترأس الجلسة الأولى أكبر الأعضاء سنًا، ويدعو لاعتماد اللائحة السابقة حتى يتم وضع لائحة جديدة خلال مدة زمنية لاتتجاوز شهرًا. وبسؤاله عن آليات وضع اللائحة الجديدة..؟ أجاب قدرى أن هناك أمورا عدة تتحكم بهذا الأمر منها زيادة سلطات المجلس النيابى وزيادة عدد اعضائه، بالاضافة للموضوعات المطروحة على المجلس نتيجة لصدور دستور جديد، موضحا أن كل هذه الامور أساسية فى وضع اللائحة القادمة. وأنه لا يجوز لرئيس الجمهورية أو الحكومة التدخل فى تعديل اللائحة أو وضعها، حيث يعد ذلك تعديًا على السلطة التشريعية، إلا أن المجلس سيعانى بالفترة الأولى من عدم اكتمال آلياته، متوقعًا أن يتحقق ذلك خلال فترة قصيرة لكون الأعباء الملقاة على المجلس ستكون دافعا هائلا لاستكمال آلياته . أما فيما يخص الطعن على اللائحة باعتبارها مثل باقى القوانين ويمكن الطعن عليها، أكد قدرى انه لن يتم الطعن على اللائحة الصادرة بالقانون طوال السنوات السابقة، كما انه لا يجوز الطعن على قانون إن لم يكن لصاحبه مصلحة، ومن البديهى أن اعضاء المجلس هم اصحاب المصلحة، وان اللائحة تنظم عملهم داخل البرلمان، وليس من المقبول عقلا وعملا أن من يسن اللائحة يقوم بالطعن عليها . ويتفق الدكتور أحمد يحيى أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة السويس، مع الرأى القائل، أن أول جلسة انعقاد سيحدث توافق على الاستعانة باللائحة القديمة طبقا لظروف المجلس، على أن تشكل لجنة تشريعية مؤقتة لوضع اللائحة الجديدة خلال أسبوع من تاريخ الانعقاد .واقترح أن تتضمن اللائحة الجديدة حقوق وواجبات الاعضاء، وتنظيم طلبات الاستجواب وقضية الحصانة، وايضا الالتزامات السياسية للحكومة أمام البرلمان، وأيضًا ميزانية المجلس وتنظيم الامانة العامة آليات تكوين اللجان النوعية .فالمجلس المنوط به فقط الحق بتعديل لائحته الداخلية، بحيث تكون مؤقتة وتشكل لجنة من الاعضاء الجدد والخبراء ذوى الخلفية القانونية لوضع مشروع لائحة جديدة يتم عرضه على المجلس خلال مدة زمنية محددة لا تزيد على أسبوعين. واستنكر يحيى الأقاويل التى تطالب بتدخل وزارة الشئون القانونية لوضع اللائحة أو تعديلها، لكونها لا يحق لها التدخل بوصفها أحد أجهزة السلطة التنفيذية، ولو اقدمت على ذلك سيصبح تداخلا بين السلطات وانتزاع حق قانونى وتشريعى للمجلس .وأن رئيس الجمهورية لن يوافق على التدخل، مطالبا بضرورة الفصل بين السلطات وعدم الانصياع خلف التوجهات التى تقود للصراع بين السلطات لتحقيق الاستقرار التشريعى والمجتمعى والقانوني، وعدم دستورية أى قرارت أو قوانين ما يقود لتداعيات سلبية تؤثر على المجلس الجديد واستقراره مستقبلا. من جانبه أكد عصام شيحة القيادى بتيار إصلاح الوفد، ان وضع اللائحة الجديدة اختصاص أصيل للبرلمان بنص الدستور ،مشددا على انه لا يجوز لأى جهة غير البرلمان وضع وتعديل اللائحة، كما ان التصويت عليها وإقرارها من سلطة البرلمان. والحكمة تقتضى العمل باللائحة القديمة فى أضيق الحدود حتى يتم الاتفاق بين الأعضاء الجدد على وضع لائحة جديدة تتوافق مع الدستور. كما أنه لا يجوز الانتظار لوضع لائحة جديدة حتى لا يعطل عمل البرلمان لحين صدور لائحة جديدة.