لائحة البرلمان تثير أزمة بين الحكومة والمجتمع المدنى

انقسم الشارع السياسى حول أزمة لائحة مجلس النواب الداخلية وذلك منذ إجراء الرئيس عبدالفتاح السيسى، للتعديل الوزارى الأخير، وتولى المستشار مجدى العجاتى، وزارة الدولة لشئون مجلس النواب، وحديثه عن شروعه فى إصدار لائحة مجلس النواب، بقرار بقانون من رئيس الجمهورية، خاصة أن اللائحة الحالية مخالفة للدستور ولابد من إجراء التعديلات المطلوبة عليها.
جاء ذلك وسط حالة من الجدال الواسع فى الرؤى القانونية والسياسية، حيث رأى البعض أحقية الرئيس فى إصدار اللائحة باعتباره يملك السلطة التشريعية في هذه المرحلة، فيما رآى آخرون أن المجلس سيد قراراه، ولايحق لأحد إصدار لائحته، وشروع الرئيس فى إصدارها مخالفة دستورية وتداخل بين السلطات التى فصل بينها الدستور فى الأساس.
فى البداية قال المستشار مجدى العجاتى، وزير الدولة للشئون القانونية، إن «اللائحة الحالية للمجلس لا تتناسب مع الدستور الحالي، حيث إنها تنظم عمل المجلس وفقا لدستور 1971، مشيرا إلى وجود مقترحين لمعالجة هذا الأمر: الأول يتحدث عن الانتظار لحين انعقاد مجلس النواب ويضع بنفسه مشروع قانون لائحته الداخلية».
وأضاف العجاتي، أن «الاقتراح الثاني يرى إعداد الحكومة لمشروع قانون باللائحة يصدره رئيس الجمهورية قبل انعقاد البرلمان لسد الفراغ التشريعي وتمكين المجلس القادم من اختيار هيئته الجديدة ولجانه، مع إدراج نص في اللائحة يفيد بأنها مؤقتة لحين إعداد المجلس لائحته الدائمة أو إقرار المؤقتة أو تعديلها»، لافتاً إلى أنه سيتم عرض هذا الأمر على رئيس الجمهورية لحسم أي من الاتجاهين، معربا عن اعتقاده أن الرأي الغالب سيكون لصالح إصدار لائحة مؤقتة.
حافظ أبوسعدة، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، يري أن ما يثار حول لائحة البرلمان هو أزمة مفتعلة، مؤكدا أن البعض يقول إن اللائحة سقطت بسقوط الدستور السابق وحل البرلمان، وبالتالى لن يتم انتخاب الرئيس أو الوكيلين للمجلس إلا بعد الموافقة على اللائحة الجديدة للمجلس وهذا الرأى جانبه الصواب ولم يطلع على الدستور من أصله، ذلك أن المادة 224 نصت على «كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور الدستور، يبقى نافذاً ولا يجوز تعديلها، ولا إلغاؤها إلا وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة فى الدستور» وهذا النص قاطع بأن المجلس فور الدعوة لانعقاده سيتم اختيار أكبر الأعضاء سنا لإجراء الانتخابات لانتخاب رئيس المجلس ووكيليه وفقاً لنص المادة 117، ثم يسير أعماله وفقاً للائحة القديمة، إلى أن يتم إقرار التعديلات على اللائحة الجديدة.
وأضاف أبوسعدة: «الغريب فى الأمر أن البعض اقترح أن يصدر رئيس الجمهورية اللائحة الجديدة للمجلس، الأمر الذى يعد اعتداء مباشراً على الدستور الذى ينص بشكل واضح فى المادة 118، إذاً لا يجوز للسلطة التنفيذية ورأسها بشكل خاص أن تتدخل فى عمل اختص به الدستور السلطة التشريعية، مؤكدا أن تعديلات اللائحة لن تكون مجالاً للخلاف بين النواب أو الأحزاب لأن أغلب الصلاحيات الرقابية والتشريعية وكل ما يخص الأداء داخل البرلمان تم النص عليها فى الدستور، ولا يوجد مجال للاختلاف أو الاجتهاد وهى تقريباً نفس الصلاحيات التى نصت عليها أغلب دساتير مصر مع فروقات بسيطة» قائلا: «لن يتعطل البرلمان ولن يصرف الكثير من الوقت فى إعداد اللائحة، فالأزمة مفتعلة وغير حقيقية».
من جانبه رفض الدكتور صلاح فوزى، عضو لجنة العشرة لإعداد الدستور، شروع المستشار مجدى العجاتى، وزير الدولة لشئون مجلس النواب، فى عمل لائحة مؤقتة تصدر بقرار جمهورى من الرئيس عبدالفتاح السيسى، وذلك بقوله «هذه الرؤية مخالفة للدستور وستخلق مشكلة كبيرة تعرض لائحة المجلس للبطلان بشكل كامل».
وفى رده على إجراءات انتخابات رئيس المجلس والوكيلين واللجان، قال فوزى: «الأمر سهل يتم وفق اللائحة الحالية خاصة أنها لاتزال قائمة ولم تتوقف، حيث تتم الانتخابات بالأغلبية المطلقة، مؤكدا أن المجلس يحق له بعد ذلك فى إجراء أى تعديلات على اللائحة، ولكن أى تدخل من الحكومة سيخلق مشكلة لا جدوى منها ولابد من عدم التدخل مطلقا من الجانب الحكومى».
واختتم فوزى تصريحاته بالتأكيد على ضرورة أن تبتعد الحكومة عن لائحة البرلمان، مدركين أن الأمر اختصاص لمجلس ونوابه.
وقال المستشار نورالدين على، الخبير القانونى: «أنصح الرئيس بعدم إصدار قرار بقانون بخصوص اللائحة الداخلية للبرلمان، لأن القرار بقانون سيخضع للمادة 156من الدستور التى تنص على وجوب عرض القوانين التى صدرت فى غيبة المجلس على البرلمان ليقرها خلال 15 يوما من انعقاد البرلمان».
وأضاف أن هذا الأمر تنتفى معه الحكمة من إصدار اللائحة بقرار بقانون والتى تتمثل فى سرعة ممارسة البرلمان لعمله، وتابع قائلاً: أن إصدار اللائحة بقرار بقانون من الرئيس السيسى سوف يتم تفسيرها بشكل خاطئ لأن الدولة سوف ترسم للبرلمان طريقه بهذه اللائحة، فضلا عن أن أنصاف المثقفين سوف يتهمون الرئيس بالتدخل بشكل أو بآخر فى عمل البرلمان. واقترح نور الدين أن يقوم مجلس النواب بإصدار مشروع قانون باللائحة صغيراً، وعلى وجه السرعة يكون مكونا من أربع أو خمس مواد يحتاجها البرلمان لتسيير عمله ويكون ذلك فى الجلسة التالية لانتخاب الرئيس وهيئة المكتب.
وأكد صابر عمار، عضو لجنة الإصلاح التشريعى، أحقية الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى إصدار لائحة مجلس النواب القادم، وأنه لا توجد أى إشكالية قانونية أو دستورية، خاصة أنه يملك الصفة التشريعية منذ انتخابه رئيساً للجمهورية قائلا: «من حق السيسى إصدار لائحة مجلس النواب».
وأكد أن إصدار اللائحة بشكل مؤقت من قبل رئيس الجمهورية، سيسهل من مهمة البرلمان فى الانتهاء من الإجراءات الروتينة الخاصة بانتخاب رئيس المجلس والوكيلين ورؤساء اللجان، ومن ثم سيساعدهم على بدء العمل فى إقرار التشريعات المنتظر إصدارها خلال 15 يوما من بدء عمل البرلمان.
واتفق د. جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية، مع عمار، مؤكدا شروعه فى رفع دعوى قضائية لإسقاط اللائحة الداخلية لمجلس النواب، فى حالة إصدارها من جانب المجلس، وليس إصدارها من جانب الرئيس عبد الفتاح السيسى، بشكل مؤقت قائلا: «سأطعن فى شرعية البرلمان إذا لم يصدر الرئيس السيسى لائحته»، مؤكدًا أن القانون لابد أن يسبق المؤسسة، وبالتالى لابد أن تكون اللائحة قبل وجود البرلمان، واللائحة هى القضبان لمجلس النواب، ولايجوز أن يأتى المجلس قبل القضبان، مشيرا إلى أن إصدار اللائحة المؤقتة من جانب الرئيس هى طوق نجاة لشرعية رئيس المجلس والوكيلين المنتظر انتخابهم فى أولى جلسات مجلس النواب.
ولفت زهران إلى أن الرئيس يملك الصفة التشريعية ومن حقه إصدار اللائحة، متسائلا: «كيف يبدأ المجلس بدون لائحته».
وأكد عبدالغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبى، أن البرلمان هو من يضع لائحته، ولا أحد سواه يقوم بوضعها، حتى لا يتم الاصطدام بالنصوص الدستورية بشأن الفصل بين السلطات، وعلى المستشار مجدى العجاتى، وزير شئون مجلس النواب، التريث وعدم المشاركه فى إصدراها والانتظار حتى وجود البرلمان.
جاء ذلك فى تصريحات ل«الوفد»، مؤكدًا أن مجلس النواب هو سيد قراره، وسلطة منفصلة، وعلى الرئيس عدم التدخل فيها، خاصة أنه سلطة تنفيذية، ومشاركته في إصدار اللائحة سيكون تأثيره سلبىاً وتداخلاً بين السلطات، وهذه بداية غير مبشرة للعلاقة بين المجلس والرئيس.
ولفت رئيس حزب التحالف الشعبى، إلى أن المشهد الانتخابى ليس فى حاجة للتعقيد، والتداخل، والأفضل أن تلتزم كل سلطة بصلاحيتها، وألا تتدخل فى صلاحيات الأخرى، وبالتالى اللائحة من اختصاص البرلمان وهو سيد قراره فى إصدارها.
وقال د. وحيد عبدالمجيد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، ان الطبيعى فى كل برلمانات العالم، أن يقوم كل برلمان بإصدار لائحته، ولا يجوز لأى سلطة أخرى التدخل فيها مهما كانت قدرتها، ومهما كانت الظروف التى تمر بها بلاد هذه البرلمانات.
مؤكدا أن الوضع فى مصر مختلف، والبرلمان المنتظر سيكون ضعيفاً ولا جدوى من وجوده فى ظل هذه الفترة، وتجاهل الأحزاب، وسيطرة المستقلين المنتظر على المشهد برمته، إذ سيكون منشقاً على نفسه، وبالتالى لا أجد أى إشكالية فى أن يصدر الرئيس أو يصدر البرلمان لائحته، قائلا: «إصدار الرئيس لائحة البرلمان أو الانتظار للمجلس الجديد محصل بعضه».