وزارة المالية تسابق الزمن كى تبدأ فى تطبيق الضريبة على القيمة المضافة قبل نهاية شهر ديسمبر, الوزارة لديها تكليف محدد هو تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة، ولديها مشكلة ضخمة تتمثل فى أنها سبق أن أقامت مهرجانا كبيرا للتخفيضات الضريبية على دخول الأغنياء، أفقدتها موارد غالية كانت فى أمس الحاجة إليها لسد جزء من الفجوة الكبيرة بين نفقات الدولة وإيراداتها. مهرجان التخفيضات شمل إلغاء الضريبة المؤقتة التى سبق فرضها بنسبة 5% على دخول المشروعات التى تزيد على مليون جنيه سنويا، وتخفيض الحد الأقصى للضريبة على دخول الأغنياء من 25% إلى 22.5%، وإيقاف العمل بالضريبة على الأرباح الرأسمالية للمتعاملين فى البورصة. التضحية بتلك الموارد الغالية فى الموازنة العامة للدولة قابلها على الفور تخفيض المبالغ السابق رصدها لأجور الموظفين العاملين لدى الحكومة بنحو 10 مليارات جنيه، وتراجع نسبة الإنفاق على التعليم والصحة إلى الناتج المحلى الإجمالي، واتساع الهوة بين تلك النسبة وبين الاستحقاقات التى نص عليها الدستور، والآن تسعى الوزارة إلى تعويض المبالغ التى تنازلت عنها للطبقات القادرة بمد يدها فى جيوب المواطنين الآخرين! الحكاية هى أن المواطن المصرى يدفع حاليا ضريبة مبيعات على مايشتريه من سلع مختلفة بمعدل 10% بوجه عام، ويصل فى حالة بعض السلع إلى 25% كما هو الحال فى أجهزة التكييف، و 45% كما هو الحال فى السيارات على سبيل المثال. المواطن المصرى يدفع ضريبة مبيعات أيضا تتراوح بين 5% و10% على بعض خدمات النقل المكيف والسياحى والخدمات الفندقية والاتصالات. وزارة المالية تقول لنا إن كل ما ستفعله هو مد نطاق الضريبة لتشمل كل قطاع الخدمات، وبالتالى فإن الأثر على المواطنين لن يتجاوز شكة الدبوس! إلا أنه عندما نعرف أن البيان المالى للموازنة العامة للدولة يتوقع أن يؤدى التعديل الجديد إلى زيادة حصيلة الضريبة على المبيعات بنحو 31 مليار جنيه، فلابد أن نتخوف بشدة ونتحسس جيوبنا التى أصبحت خاوية بالفعل فى ظل ارتفاع تكاليف المعيشة!. التعديل الذى تستهدفه وزارة المالية بالتحول إلى الضريبة على القيمة المضافة يتضمن أمرين، أولهما هو رفع السعر الأساسى للضريبة من 10% حاليا إلى ما يتراوح بين 14% و 15%، فضلا عن توسيع نطاقها، بحيث تشمل كل الخدمات بما فى ذلك خدمات التعليم والصحة غير الحكومية، وفوق كل ذلك سيتم فرض ضريبة استهلاك 3% على بعض السلع والخدمات المحددة. أى أن إجمالى الضريبة على تلك السلع والخدمات سيتراوح بين 17% و18%. هذه الضرائب ستضاف على سعر السلع والخدمات المختلفة التى يقوم بشرائها المستهلك أو متلقى الخدمة، وتترجم على الفور فى مزيد من الارتفاع فى الأسعار، ومزيد من الارتفاع فى تكلفة المعيشة، يقدره وزير المالية نفسه بما يتراوح بين 2.5% و3.5%. الحديث عن السلع والخدمات المعفاة والإيحاء بأن الضريبة تستهدف الطبقات القادرة فقط يدخل فى إطار العبث. الضريبة سترتفع على كل مواد البقالة، وخدمات النقل والمواصلات الخاصة ومصروفات كل المدارس الخاصة، وتكاليف العلاج فى كل المستشفيات غير الحكومية. الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة التى تكافح لتبقى مستورة وتتمكن من الوفاء بنفقات تعليم الأبناء والرعاية الصحية لأفرادها سيتعين عليها تحمل تلك الزيادات الجديد فى تكلفة المعيشة وكأنما هناك إصرار من الحكومة على شدها إلى ما تحت خط الفقر. المعلومات المتوافرة حتى الآن عن مشروع قانون القيمة المضافة تؤكد أنه يهدد بوقف حال نسبة معتبرة من المشروعات الصغيرة. فالقانون يخضع لتلك الضريبة كل المنشآت التى يتجاوز رقم مبيعاتها السنوية 500 ألف جنيه، ويعلن صراحة أنه يستهدف إجبار المشروعات الصغيرة غير المسجلة رسميا على دفع الضرائب. الفكرة هنا أن تطبيق الضريبة على القيمة المضافة يفرض أعباء إدارية ومحاسبية على هذه المنشآت لحساب مبلغ الضريبة الكلى الذى تضيفه على سعر البيع للمستهلك، ومبلغ الضريبة الذى تخصمه لأنها سبق أن دفعته عند التعامل مع منشأة أخري، ثم مبلغ الفرق الذى يتعين عليها توريده لمصلحة الضرائب. عملية معقدة تتطلب تحمل تكلفة محاسبين متخصصين تمثل أعباء إضافية على المشروع الصغير. المشكلة الحقيقية أن المشروع الصغير إما أن يتحمل كلا من الضريبة وما تتطلبه من تكاليف إدارية ومحاسبية ويصبح مسجلا رسميا لدى مصلحة الضرائب، وإما أن تتوقف الشركات الكبيرة عن التعامل معه، حيث ستحرص تلك الشركات على تقديم الفواتير الخاصة بكل تعاملاتها حتى يمكنها خصم الضرائب التى تحملتها على تلك الفواتير، ويعنى هذا ببساطة أن شريحة مهمة من المشروعات الصغيرة صارت مهددة إما بارتفاع تكلفة وأعباء القيام بنشاطها أو انحسار حجم معاملاتها ووقف حالها. لابد من تأجيل العمل بضريبة القيمة المضافة لأن المواطن المصرى لا يحتمل المزيد من الارتفاع فى تكاليف المعيشة، ولأن المشروعات الصغيرة تلاقى الأمرين بالفعل فى الاستمرار فى العمل ولا تحتمل المزيد من التكاليف والأعباء؛ يكفيها ما تدفعه للمحليات ولأجهزة الدولة فوق الترابيزة وتحت الترابيزة لتجديد التراخيص واستمرار النشاط. هل يعقل تخفيض الضرائب على الأغنياء ثم تعويضها من جيوب باقى المواطنين؟ هل يعقل تخفيض الضرائب على كبار رجال الأعمال بحجة الظروف الاقتصادية الصعبة، ثم يتم تحميل المشروعات الصغيرة بضرائب وأعباء إدارية جديدة ؟. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى