الرى: تدريب الريفيات على الاستفادة من ورد النيل لتصنيع منتجات متميزة    البنك المركزي يعلن ارتفاع معدل التضخم الأساسي إلى 11.6% خلال يوليو    البنك الأهلي المصري يتعاون مع «بيرنس كوميونتي» لدعم الشركات الناشئة    محافظ كفر الشيخ يستمع لشكاوى المواطنين ويتفقد المركز التكنولوجى بمركز دسوق    5 شهداء وجرحى من "منتظري المساعدات" جنوب خان يونس فى قصف إسرائيلي    ملك الأردن يعزي الرئيس اللبناني في ضحايا الجيش في صور    إصابة كامافينجا تربك خطط تشابي ألونسو قبل ظهوره الأول فى الدوري الإسباني    مزق الضامة يبعد كريم الدبيس عن سيراميكا لمدة شهر    ميلود حمدى يجهز بديل محمد عمار لمواجهة بيراميدز فى الدورى    بعد تغريدة محمد صلاح.. حكاية بيليه فلسطين الذي اغتاله الاحتلال.. فيديو    الحماية المدنية تسيطر على حريق بأحد الكافيهات فى قليوب دون خسائر بشرية    مراسلة cbc: المرأة لها دور كبير ومشاركة فى فعاليات مهرجان العلمين    الأمم المتحدة: لا حل عسكريا للنزاع المسلح بغزة ويجب تلبية الاحتياجات الأساسية    كوريا الجنوبية: الجارة الشمالية تبدأ في تفكيك مكبرات الصوت على الحدود المشتركة    بحوزته كمية كبيرة من البودرة.. سقوط «الخفاش» في قبضة مباحث بنها بالقليوبية    تسجيل منتجي ومالكي العلامات التجارية حسب «الرقابة على الصادرات والواردات»    الداخلية تكشف ملابسات واقعة التعدي على صاحب محل بشبرا الخيمة    إيهاب واصف: مصر تدخل مرحلة جديدة في صناعة الذهب بالتنقية وإعادة التصدير    البورصة تتلقى طلب قيد شركتى جيوس للمقاولات واعمل بيزنس للتدريب    محافظ بورسعيد يستقبل الطفلة فرح ويعد بفتح حساب التضامن فى اسرع وقت    حبس المتهم بإلقاء ماء نار على طليقته فى الوراق    بتكلفة 114 مليونا إنشاء مدرسة ثانوية صناعية متطورة ببنى عبيد    الرئيس السيسى يوجه بترسيخ مبدأ "الرأى والرأى الآخر" داخل المنظومة الإعلامية المصرية    الجوازات والهجرة تواصل تقديم خدماتها للمترددين عليها    شوكت المصرى مديرًا لمهرجان القاهرة الدولى للطفل العربى فى دورته الثالثة    تفاصيل انتهاء المدة المحددة للتظلم على نتيجة الثانوية العامة 2025.. فيديو    التعليم العالى: براءة اختراع جديدة لمعهد تيودور بلهارس فى إنتاج بروتينات علاجية    الصحة: حملة "100 يوم صحة" قدّمت 38.3 مليون خدمة طبية مجانية خلال 25 يومًا    تحرير 125 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات خلال 24 ساعة    أضرار التهاب المسالك البولية المزمن لدى الرجال والنساء.. وطرق الوقاية    النصر السعودي يتعاقد مع مارتينيز مدافع برشلونة    شباب ولياقة.. أحمد عز يمارس التمارين والجمهور يعلق    بيلد: النصر يتوصل لاتفاق مع كينجسلي كومان.. وعرض جديد لبايرن    كهرباء الإسماعيلية يتعاقد مع لاعب الزمالك السابق    موعد إجازة المولد النبوي 2025 وأبرز مظاهر الاحتفال في مصر    السيسي يوافق على صرف البدل النقدي المقترح من الحكومة للصحفيين    الرئيس السيسي يوجه بوضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصري    لست قادرا على الزواج ماذا افعل؟.. يسري جبر يجيب    حكم قضاء المرأة الصلاة التي بدأ نزول الحيض في أول وقتها.. المفتي السابق يوضح    ملتقى المرأة بالجامع الأزهر: تجربة المدينة المنورة في العهد النبوي نموذجا يحتذى به في جهود النهوض بالأمة    أمين الفتوى يوضح حكم الصلاة أو الصيام عن المتوفى غير الملتزم وطرق إيصال الثواب له    «جوتيريش» يرحب بالإعلان المشترك الشامل بين أرمينيا وأذربيجان    رئيس جامعة جنوب الوادي يناقش الحوكمة الإلكترونية للموارد الذاتية    جهود منظومة الشكاوى الحكومية في يوليو 2025 |إنفوجراف    الرد فى الصندوق لا فى الهاشتاج    محاولة تفجير فاشلة.. محاكمة المتهمين في قضية «خلية المطرية الإرهابية»    وزير الري: توفير الاحتياجات المائية للمنتفعين بالكميات المطلوبة وفي التوقيتات المناسبة    طائرات مسيرة أوكرانية تهاجم مصفاة نفطية في مدينة ساراتوف الروسية    جيش الاحتلال يعلن اعتقال 70 فلسطينيا في الضفة الغربية    فران جارسيا يربح رهان ألونسو ويثبت أقدامه في ريال مدريد    في هذا الموعد.. علي الحجار يحيي حفلًا غنائيًا في مهرجان القلعة للموسيقى والغناء    مقتل 6 جنود لبنانيين بانفجار ذخائر أثناء محاولة تفكيكها في جنوب لبنان    حظك اليوم الأحد 10 أغسطس 2025 وتوقعات الأبراج    منة تيسير عن استبعادها من مهرجان نقابة المهن التمثيلية: مشيت بإرادتي.. واللي بيتقال كذب ورياء    ثقافة الفيوم تطلق المسرح المتنقل بقرية الشواشنة مجانًا.. الثلاثاء المقبل    «لا أريد آراء».. ريبيرو ينفعل بعد رسالة حول تراجع الأهلي    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في عطلة الصاغة الأسبوعية الأحد 10 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكومة العالمية ستنشأ بسبب أو بالرغم من فوضي عارمة .. من سيحكم العالم غدا؟

منذ سقوط النظام الشيوعي أصبح في العالم دولة واحدة عظمي تتحكم في الحرب والسلام‏,‏ هي الولايات المتحدة‏,‏ ووضعت ما اسمته النظام العالمي الجديد‏,‏ تصور البعض أن التاريخ سوف ينتهي مع انتصار الديمقراطية‏. وأن العالم سوف تحكمه تلك الدولة العظمي والقوة الأحادية. فإن الهم الأكبر للبشرية منذ الخليقة هو نفس الهم الذي نعيشه اليوم في مصر: وهو معرفة من الذي سيحكم الكون؟ هل هي الجيوش والجنرالات أم رجال الدين؟ هل العالم سيحكم بقوة الدين أم بقوة العسكر؟ ومن سيحكم غدا؟ هل هي الولايات المتحدة ام سيقام تحالف بين امريكا والصين؟ أم الصين وحدها؟ او ربما الهند؟ هل سيحكم الاتحاد الاوروبي العالم ام ستحكمه الشركات الكبري؟ أم المافيا؟
ولكن جاك أتالي المفكر الاقتصادي, مستشار الرئيس الفرنسي الاشتراكي الاسبق فرانسوا ميتران, في كتاب جديد بعنوان: من سيحكم العالم غدا؟ يري أنه لن يحكم العالم اي ممن سبق بالرغم من استمرار قوتهم; لان بعكس ما يتوقعه البعض فان العالم لن يقع تحت سيطرة امبراطورية ولكنه سيكون تحت سيطرة امبراطورية اكبر وهي سلطة السوق.
وفي نفس الوقت, يري أتالي ان السوق لن تعمل بشكل فعال بدون قانون للسوق, والقانون لن يطبق وتلتزم به السوق بدون دولة; واخيرا الدولة لن تستمر الا اذا كانت دولة ديمقراطية حقيقية.
تلك الدولة الديمقراطية التي سوف تضع قوانين السوق, لن تتمكن من الاستمرار, أو تجد الحلول للمشاكل التي يواجهها الكون بدون إقامة ما اطلق عليه آتالي: حكومة عالمية او حكومة العالم.
هذه الحكومة التي يتحدث عنها جاك أتالي ستتخذ شكلا اقرب الي شكل النظم الفيدرالية التي نعرفها اليوم; ومنطقة مثل الاتحاد الاوروبي يمكن ان تعمل كمختبر لتلك الحكومات الفيدرالية المستقبلية. ففي الاتحاد الاوروبي يتم حاليا تطبيق سياسة ترك للحكومات المحلية مهمة ضمان حماية الحقوق الخاصة لكل شعب, وحماية الثقافات المختلفة; بينما تكون مهمة حكومة العالم هي العمل علي تحقيق المصالح العامة للكون, والتحقق من ان كل دولة تحترم حقوق كل مواطن في الكيان البشري الاكبر.
يري أتالي ان تلك الحكومة سوف تنشأ نتيجة لسيادة فوضي عارمة: اقتصادية ومالية وعسكرية وبيئية وسكانية واخلاقية وسياسية. أو انها سوف تنشأ, وذلك اقل توقعا, بدلا من تلك الفوضي. هذه الحكومة سوف تظهر بمثابة وسيلة لعلاج الازمات العالمية بأسلوب الصدمة; او أنها سوف تظهر تدريجيا من خلال نسيج الفوضي وتراكم الشبكات التي تنسجها الدول والشركات والنقابات والاحزاب السياسية والمنظمات الاهلية والافراد. هذه الحكومة سوف تصبح إما حكومة مستبدة او ديمقراطية, حسب الطريقة التي ستنشأ بها. لذا ينصح جاك أتالي بضرورة ان نبدأ من اليوم التفكير في شكل تلك الحكومة العالمية, لتشكيلها قبل ان تظهر بدون علمنا وتبدأ هي في تشكيل العالم الجديد.
الديمقراطية والسوق
يقول آتالي في كتابه كيف ان في نهاية القرن العشرين ساد شعور عام بالتفاؤل في أنحاء الكون; فقد انفتحت القارات واتخذت أبعادا كونية; وتطورت التكنولوجيا وظهرت الانترنت, مما أدي الي الاستثمار في الوقت, بالنسبة لانتقال الانسان او السلع او الافكار. واصبحت قيم الغرب, بالاخص الحرية الفردية, مع تفسيرها المزدوج: السوق والديمقراطية, مطلبا عالميا, دعت اليهما أخيرا كل من تونس ومصر. في تلك الفترة بدا العالم وكأنه يتوحد في شكله, ويسحق الاختلافات الثقافية. ففي كل مكان من امريكا اللاتينية مرورا باوروبا الشرقية والدول العربية, انتقل جزء من الطبقة الفقيرة الي الطبقة المتوسطة.
في نفس الوقت, نشأت معاهد دولية عديدة, عامة وخاصة, رسمية وغير رسمية, وبدأت تعمل في تحليل وادارة مشاكل الكون التكنيكية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية; وقامت تلك المعاهد بدور الحكومة الادارية للعالم. وبعد ان كان المرء يتحدث عن الحكومات, بدأ الحديث عن الحكم الرشيد. وتضاعف عدد المحاضرات والمؤتمرات الدولية التي تنظم, فاصبح بامكان رؤساء العالم الذي يصل عددهم الي نحو المائتين, ان يحضروا سنويا نحو اربعة آلاف محاضرة ومؤتمر, مقابل مؤتمرين في القرن التاسع عشر. وكل عام يتزايد عدد الدول كما يتزايد عدد المؤتمرات.
ولكن المشاكل عادت مرة اخري, وتفجرت الازمات الاقتصادية العالمية الكبري, وخرج الاقتصاد والمال عن السيطرة; وكشفت المعاهد الدولية عن ضعفها, وغياب تأثيرها علي الحكومات في كل المجالات. واصبحت السوق عالمية بدون ان تضع تشريعا عالميا, ولا نظاما ديمقراطيا كونيا. أما الدول العظمي فلم تعد قادرة علي فرض احترام القانون الا علي اراضيها هي. وضعفت الولايات المتحدة بدون ان تكون هناك دولة تستطيع ان تأخذ مكانها في قيادة شئون العالم;
فالدول القديمة تفككت; والدول الاخري العديدة فقدت سبل حماية هويتها وتحقيق الحد الادني من التضامن مع الاكثر ضعفا داخل بلادهم; واصبحت هناك مناطق شاسعة تعيش بلا شرعية او قانون; وسيطر المال والتأمين والترفيه علي المجتمعات, بينما تراجع الاقتصاد الحقيقي والمصلحة العامة; كما استبعدت العملات النقدية; واتسعت الفجوة بين البشر وسادت اللامساواة; وتسارعت حركة الهجرة; وتدهورت البيئة; وشحت المياه; وانتشرت وسائل تدمير البشر من اسلحة نووية وبيولوجية وكيماوية; وتعددت المخاطر المنهجية. واخيرا, تفجرت الكوارث الطبيعية منذ عام2011 مثل الزلازل والتسونامي والكارثة النووية في اليابان, كي نتذكر دائما اننا نعيش تحت رحمة الكوارث الطبيعية ذات العواقب الكونية.
يقول آتالي اننا اليوم وصلنا عند نقطة فارقة: ففي الوقت الذي نشهد فيه ارتفاعا كبيرا في تعداد السكان في العالم, نري أنفسنا نقف علي حافة الفوضي. ان رؤيتنا للمستقبل وللطريقة التي يمكننا التحكم فيه, تتشكل من هذا التاريخ الطويل.
قلب جديد لقوة الغد
ويتساءل آتالي: من يستطيع ان يكون غدا هو القوة العظمي الجديدة؟ من الذي يملك كل الوسائل الاقتصادية والعسكرية والمالية والسكانية والثقافية والعقائدية التي تؤهله لان يحكم العالم؟ من الذي يمكن ان يكون لديه الرغبة في ذلك؟ هل يمكن ان نفكر كما فعلنا في السبعينيات, انه من الممكن ان تختفي الولايات المتحدة ولكن في هذه المرة, لمصلحة من؟ من الذي يمكنه ان يتحكم في تحديات المستقبل؟ وكيف يمكننا ان نجد الاجابات عن التساؤلات التي طرحت خلال الثلاثة الاف عام الماضية, بسرعة وخلال الثلاثين عاما المقبلة؟
يقول آتالي, انه ان كان التاريخ يكرر نفسه, فان الولايات المتحدة ستظل, ولمدة طويلة مقبلة, القوة الاولي في العالم في المجالات العسكرية والتكنولوجية والمالية والسياسية والثقافية. وذلك بالرغم من تراجعها النسبي. وللمرة العاشرة, سيتم اجراء عملية نقل قلب جديد بدلا من القديم, وسيعيد النظام العالمي تشكيل نفسه حوله.
هذا القلب الجديد سوف يفرض حكومته كما فعلت من قبل كل الشعوب عبر التاريخ من ابناء البندقية الي الانجليز ثم الامريكيين. هذا القلب الجديد, مازال غير معروف ان كان سيحمل الهوية الامريكية ام الصينية ام الهندية ام الاوروبية. ولكن هذا ليس معناه انه سوف يملك وسائل حكم العالم: فيمكن لدولة ان تتحكم في دول اخري, بدون ان تكون قادرة علي التحكم في التهديدات التي تواجه البشرية من كل نوع ولون. ففي رأي آتالي ليس هناك دولة ولا تحالف ولا قوة كبري تضم اكبر20 دولة, تملك وسائل الحكم.
ولكن لان التاريخ لا يكرر السيناريو نفسه, فلن يكون هناك اي قوة يمكنها ان تملك وسائل قيادة العالم; لن تستطيع اي دولة وحدها ان تحمل كل هذا الحمل الثقيل. فالولايات المتحدة لن تكون بعد الآن حكومة العالم. أما الصين فلن تملك ابدا الوسائل ولا الرغبة لذلك. كذلك الوضع بالنسبة لاوروبا وبالنسبة لمجموعة العشرين الكبار.
وتدريجيا سوف تحل مجموعة من دولتين هما الولايات المتحدة والصين مكان القوة الاحادية للولايات المتحدة, ولكنها في نفس الوقت لن تستطيع ان تحل محلها تماما, ولن تستطيع حكم العالم. فلن يستطيع احد ان يتحكم في المشاكل المنهجية التي ستظهر في المستقبل.
الفوضي العارمة
ان كان جاك آتالي الخبير والمفكر الاقتصادي الفرنسي يري ان العالم في المستقبل ستحكمه السوق, اي الشركات الضخمة مثل شركات التأمين, فانه يري ايضا ان ذلك لن يتحقق الا بعد انتشار الفوضي العارمة وبعد غياب تدريجي وكامل للقانون, وانتشار عدم المساواة القصوي والهجرات الكبري, والندرة المتكررة وتفجر حروب اقليمية والعنف الشديد, وانتشار فوضي مالية ومناخية. ولن تستطيع اي من المنظمات الدولية الحالية مثل الامم المتحدة او الثمانية الكبار او العشرين الكبار, التصدي لقوة الاسواق ولا تحمل قسوة الصدمات. ولن يستطيع شئ او شخص من احتواء الجريمة الاقتصادية, ولا انتشار السلاح ولا الفوضي البيئية والتكنولوجية.
الديكتاتوريات الجديدة
لذلك يري آتالي انه من الممكن ان نري, بعد فشل العولمة الاولي, عودة الدول الي الحكم الديكتاتوري علي اراضيها; حيث سيؤكد الحكام الجدد رغبتهم في حماية ثقافتهم او في حكم العالم. ولقد تم بالفعل ظهور عقيدتين شموليتين علي هذا النحو: عقيدة خاصة بالبيئة واخري بالدين, ويصادف ان تحمل كل من العقيدتين اللون الاخضر كرمز لكل منهما. وسوف تحاول كل عقيدة فرض نفسها بداية بقوتها الذاتية قبل ان تندمج داخل ايديولوجية اخري تنتمي الي ديمقراطية جديدة.
لم يكن هناك ما ينبئ عن احتمال حدوث هذا التطور: فالعالم كان ومازال في قبضة القوي المختلفة, مثل القوة الامريكية التي ليس لديها اي رغبة في تغيير اي شيء في النظام العالمي الذي تم ارساؤه في عام1945; وحتي ان رغبوا في تغيير شيئ فلا يملكون القدرة ولا الوسيلة لذلك. أما بالنسبة للقوي الاخري مثل الصين والهند والبرازيل واندونيسيا والمكسيك وتركيا وجنوب افريقيا ونيجيريا, فهي سوف ترفض ايضا تشكيل حكومة فوق الدول, تكون ديمقراطية وعالمية. وسوف تفضل المطالبة بحقها في توجيه شئون الكون.
حكومة العالم
ولكن يري آتالي ان التفكير في حكومة عالمية ليست فكرة هلامية تماما, فالتاريخ اثبت انه يملك خيالا اوسع كثيرا من خيال الروائيين. ولكن يجب ان ننتظر الي ان نتعلم من الكوارث التي تحيق بنا سواء كانت مالية او بيئية او سكانية او صحية او سياسية او اخلاقية او ثقافية, كما حدث في اليابان عام2011, ان قدرنا جميعا مرتبط بعضه بعضا. عندما يحدث هذا فسوف ندرك حجم التهديدات المنهجية التي سوف نواجهها. وسوف نجد ان السوق العالمية لن تعمل بشكل صحيح بدون وضع قانون دولي, وان القانون لن يطبق بدون دولة, وان الدولة, حتي ولو كانت عالمية لن تستمر الا اذا كانت ديمقراطية بشكل حقيقي.
العالم سوف يدرك في تلك الحالة ان الانسانية تملك مميزات ضخمة تؤهلها لان تحقق مستقبلا عظيما: تلك المقومات والمميزات تكمن في التكنولوجيا وفي ثروات بشرية ومالية ومادية. وكل ما ينقصها هو وجود منظمة, او حكومة ديمقراطية فعالة.
في هذه الحالة فان العديد من التساؤلات سوف تطرح: هل يمكن لحكومة عالمية, فوق الدول, ان تمارس سلطة حقيقية علي سائر الكون بدون ان يغيب القانون عن مناطق عديدة فيها؟ وكيف ولماذا تكون تلك الحكومة اقل فسادا, واقل بيروقراطية واكثر فاعلية عن السلطات الأخري الموجودة بالفعل؟ وكيف يمكن لتلك الحكومة ان تقسم بالعدل الثروات الطبيعية التي تندثر تدريجيا؟ هل بامكان تلك الحكومة ان تقلل مخاطر قيام صراعات كونية؟ هل بامكانها ان تدرك اهتمامات البشرية علي المدي الطويل؟ هل يمكن ان نتخيل ان حكومة مثل تلك يمكنها ان تضم كلا من الديمقراطية الليبرالية الامريكية والديمقراطية الاجتماعية الاوروبية وفي نفس الوقت يكون لديها القدرة علي التفكير في المدي الطويل مثل الصين؟ واخيرا, كيف يمكن منع تلك الحكومة العالمية من ان تكون صورة اخري مكررة من دول او شركات كبري ومسيطرة, تفرض علي كل ما عداها صورة اخري من الشمولية, في الوقت الذي تتحرر فيه شعوب أخري من وطأة الحكم الديكتاتوري؟
افضل حكومة عالمية
يوجد بالفعل العديد من المشاريع لاقامة حكومة للعالم. والمكانة التي تحتلها اوروبا ليست مختلفة تماما: فان القارة القديمة تضم علي الاقل ثمانية شعوب كانت امبراطوريات ذات طموحات كونية, مثل اليونان والرومان والاسبان والبرتغاليين والهولنديين والفرنسيين والالمان والانجليز. ولقد الهمت اوروبا من الفاتيكان والولايات المتحدة, كما ان كل الاوروبيين والامريكيين يسعون الي حكومة عالمية تعمل علي استمرار سيطرتهم علي سائر البشرية. لذا فانه ليس عجيبا ان تكون اوروبا, التي عرفت بانها مهد الديمقراطية, هي اليوم احدي المناطق التي تشهد نشأة الحكومة الديمقراطية العالمية. ولكنها ليست الوحيدة فهناك ايضا الصين والهند ودول في افريقيا تسعي لإنشاء فيها تلك الحكومة.
ولكن من هي افضل حكومة ديمقراطية؟ وما هي مقوماتها؟ يقول آتالي ان افضل حكومة ديمقراطية عالمية يجب ان تأخذ في اعتبارها المصلحة العامة للكون كله وللبشرية جمعاء. فهي لن تكون مجرد حكومة متعددة الجوانب. بل يجب ان تضفي عليها ابعادا تتجاوز القوميات.
ويؤكد آتالي انه لن يكفي لاقامة مثل تلك الحكومة اصلاح دولة غير مكتملة. فلن تكون هناك قيادة ولن تقام حكومة العالم من خلال انقلاب او ثورة ضد السلطة, ولا يمكننا ان نقيم السلطة مكان سلطة اخري موجودة بالفعل. لذا فان آتالي يري انها مسألة صعبة, ولكنها ايضا وفي نفس الوقت, فرصة.
يمكن تخيل حكومة ديمقراطية كونية في عالم يعطي للمواطن الحق في ان يتحرك ويتواصل بحرية. تلك الحكومة ستكون لها برلمان واحزاب سياسية وادارة وقضاة وقوة شرطة وبنك مركزي وعملة نقدية ونظام حماية اجتماعية, وسلطة تعمل علي نزع السلاح, واخري تعمل علي السيطرة علي الامن النووي المدني, وكم كبير من السلطات المضادة. تلك الحكومة ستكون مسئولة فقط عن المصالح العامة للكون, وسوف تساعد الدول الاضعف, بينما ستحترم كل منطقة حقوق كل مواطن في البشرية. في نفس الوقت, ستترك الحكومة الكونية للحكومات المنبثقة منها العناية بالمناطق التي سوف تقع تحت مسئوليتها, والاهتمام بالحقوق الخاصة بكل شعب. وكذلك الاهتمام بالدول المجاورة التي تكمن اهميتها في استمرار العالم الذي نعرفه.
علي ارض الواقع مثل تلك الحكومة هي محض خيال ولن يمكن ان تتحقق. ولكن يمكن ان تتحقق حكومة اخري اكثر عملية واكثر بساطة, من شأنها ان تحول تدريجيا المنظمات الموجودة بالفعل وتوجيهها الي النموذج المثالي. ويري آتالي انه يكفي لتحقيق هذا الشكل للحكومة الديمقراطية العالمية واستبعاد كارثة, ان يتم وضع بعض الاصلاحات مثل دمج منظمة العشرين الكبار مع مجلس الامن التابع للامم المتحدة, ووضع تحت سلطتها كل المنظمات ذات الاختصاصات الكونية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووضع الجميع تحت سيطرة الجمعية العامة للامم المتحدة. ويري آتالي ان مثل تلك الفكرة يمكنها ان تتحقق في يوم واحد. وعلي من يري انها صورة اخري من الديكتاتورية الكونية, يقول آتالي انه من الممكن ان البشرية لن تصوت من اجل مثل تلك الحكومة اليوم, ولكنها قد توافق علي وحدة وتضامن الجنس البشري كله, ومن الممكن ان نبدأ من تلك النقطة اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.