سؤال ظل يتردد: متي تعبر الافلام السينمائية عن ثورة25 يناير2011 ؟! واجاب العقلاء والمبدعون بجد: يجب أن ننتظر لنري فالثورة مازالت مستمرة ولم تكتمل!.. ولكن يبدو أنه لا أحد يطيق الانتظار, فالحدث أكبر بكثير من أن نتجاهله خاصة أن العالم كله وقف امام ثورتنا بكثير من الاجلال والاحترام لما تمتعت به من مقومات فريدة وغير مسبوقة وفي الوقت نفسه علي المستوي المحلي ظلت تطورات وأحداث هذه الثورة هي الخبز اليومي الذي نعيشه في مصر طوال15 شهرا هي عمر هذه الثورة والمهم سينمائيا انه تمخض خلال هذه الفترة ثلاث نوعيات من الافلام جاءت جميعا لتلحق بالثورة الحدث!. كانت النوعية الأولي هي التي سعت لتسجيل الثورة الحدث من خلال الأفلام التسجيلية فظهرت عشرات الافلام القصيرة التي لاقت استقبالا مرحبا في كثير من مهرجانات العالم وكان انضجها فيلم تحرير2011 الذي يعتبر أول فيلم تسجيلي مصري يسمح بعرضه في صالات العرض المصرية.. وفي نفس اطار تسجيل الحدث كان الفيلم الروائي18 يوم الذي تضمن10 أفلام روائية قصيرة لعشرة مخرجين, أنها أفلام رصد الثورة الحدث! النوعية الثانية كانت لأفلام انتهي تصويرها أو كاد قبل25 يناير فأرادت أن تلحق بالحدث الكبير فغير فيلم صرخة نملة اخراج سامح عبدالعزيز نهايته, واضاف فيلم الفاجومي اخراج عصام الشماع لقطات من الثورة في ميدان التحرير لمشهد النهاية في تعرضه لسيرة الشاعر أحمد فؤاد نجم, بينما اضيفت بعض الافيهات لفيلم سامي اوكسيد الكربون لهاني رمزي. النوعية الثالثة كانت لأفلام روائية طويلة اعتبرت أو استخدمت الثورة موضوعا اساسيا لاحداثها ورصيدنا من هذه الأفلام حتي الآن فيلمان, الفيلم الأول تك تك بوم تأليف وبطولة محمد سعد, وأرجو ملاحظة عنوانه السخيف والفيلم عبارة عن تكرار لشخصية اللمبي ولكن من خلال حدثين مهمين وقعا اثناء وبعد الثورة الحدث, الأول اللجان الشعبية التي نظمها الناس للحفاظ علي الامن بعد انسحاب واختفاء الشرطة والثاني فتح السجون وهروب كل المساجين والمعتقلين, وقد تعامل الفيلم مع الحدثين بكثير من الخفة والسطحية لحساب حركات وبهلوانية اللمبي سعد.. وطرد تك تك بوم من صالات العرض سريعا فهو عمل ثقيل الظل ومنعدم الدراما والقيمة. اما الفيلم الثاني حظ سعيد الذي عرض أخيرا من بطولة أحمد عيد ومي كساب واخراج طارق عبدالمعطي.. واحمد عيد هو من الممثلين الكوميديين الذين تم تصعيدهم بعد تراجع نجومية محمد هنيدي ومحمد سعد وأحمد آدم وكانت البداية عندما قدمه المخرج المتميز والنابه محمد أمين في فيلمي: فيلم ثقافي وليلة سقوط بغداد وصدر هذا الفيلم الأخير انطباعا بان أحمد عيد ينتسب الي مايمكن أن نسميه بالكوميديا السياسية وخاصة أن فيلمي انا مش معاهم الذي عالج مشاكل الشباب العابث والضائع وظاهرة التطرف والارهاب الديني.. ورامي الاعتصامي الذي ظاهرة الاعتصامات والاضرابات بشكل شديد اللطف وكان يتلمس الواقع بتوظيف ذكي للفانتازيا, جعل اتجاه أو انطباع الكوميديا السياسية يلتصق به وفي فيلم حظ سعيد نجد استمرارا لهذا الاتجاه. ماذا عن فيلم حظ سعيد؟! تدور كل احداث الفيلم حول شخصية سعيد الشاب الذي يجاهد للزواج وتكوين اسرة مع من يحبها سماح مي كساب وكلاهما لم يحظ بأي نصيب من التعليم ويعمل سعيد بائع سريح في نزلة السمان حيث يبيع البرديات المقلدة والتماثيل والانتيكات وبسبب الثورة تنحصر حركة السياحة ويصبح سعيد بلا عمل, وفي نفس الوقت يكتشف أن شقيقته الطالبة بالجامعة والتي يحرص علي تعليمها هي من الثوار فيذهب لإحضارها من الميدان ولكنها ترفض فيقرر ان يبقي بالميدان ليحفظ سلامتها.. والفيلم الذي كتبه السيناريست الجديد اشرف توفيق يوحي لنا طول الوقت بأن الثورة هي صراع سياسي بالاساس بين الرئيس المخلوع وفلوله وبين الشباب الموجودين في ميدان التحرير ويصر علي أنهم اصحاب تيارات سياسية هي التي حركتهم مثل اليساري والاخواني والليبرالي وهي رؤية قاصرة بكل تأكيد فالشباب الذي قام بالثورة كان يحركه الغضب وليس الاتجاه السياسي وقد انضم اليها الملايين من الذين ضربهم الظلم اجتماعيا وفئويا واقتصاديا وكانوا يعبرون عن رفضهم بالاضرابات والاعتصامات قبل الثورة.. وهذا التصور من السيناريست والمخرج طارق عبدالمعطي جعل الاحداث تسير في خطين دراميين الخط الأول قراءة افكار التيارات السياسية الموجودة بالميدان وعدم اقتناع سعيد بها رغم ان هذه التيارات ظهرت في واقع الأمر بعد سقوط نظام الرئيس مبارك وليس اثناء الثورة اما الخط الثاني فهوعدم إدراك سعيد وبالتالي المواطن البسيط بقيمة هذه الثورة فهو تارة يعمل مع الفلول من أجل كسب لقمة العيش وتارة أخري يسخر ويتبدل بين التيارات السياسية وهي رؤية في مجملها مرتبكة وبائسة في قراءة المشهد الحقيقي لعبقرية وقيمة ثورة25 يناير التي قام بها الشباب الذين كانوا في معظمهم يبحثون عن عيش حرية كرامة عدالة اجتماعية وهؤلاء ثبت بعد الثورة أنهم لا يمثلون قوي سياسية أو احزاب أو اتجاهات بعينها بدليل فشلهم في تكوين ائتلاف أو اتجاه سياسي يدخلون من خلاله الحياة السياسية. إن حظ سعيد فيلم سينمائي تقليدي تمحك في ثورة25 يناير ليدعي أنه مع الثورة ويواكبها وهو ادعاء يفتقر للوعي وحسن القراءة لما حدث, وكان مشهد النهاية اكبر دليل علي ذلك فهو مشهد ساخر وما اغبي السخرية اذا كانت سطحية وفارغة فبعد30 سنة من الثورة يكون سعيد قد تزوج وانجب ثلاثة اولاد بديع في اشارة للأخوان المسلمين وبكار في اشارة للسلفيين وحمزاوي في اشارة لليبراليين بينما الشاب الثائر الذي يميل لليسار الذي التقي به في الميدان أحمد صفوت يصبح هو القائد!!.. ونتمني لفريق الفيلم حظ سعيد في عمل آخر يكون اكثر وعيا وتحركه رؤية ويجيد قراءة مايحدث في المجتمع المصري سواء الذي تولدت منه الثورة أو تحقق بعدها!