ما حكم الشرع فى إجهاض الأجنة المصابة بعيوب خِلقية أو تشوهات قد تحول دون اكتمال حياة الجنين بعد الولادة كعدم وجود مخ أو الكليتين؟ وما الحكم لو كان هذا الإجهاض بعد مائة وعشرين يومًا من بدء الحمل ؟ أجابت دار الإفتاء المصرية، قائلة : إن بعض الأطفال يولدون ببعض الأمراض أو العيوب الخِلقية أو التشوهات التى يمكن أن تصيب أيَّ عضو من أعضاء الجسد، وقد أمكن فى ظل المعارف والعلوم والمخترعات الحديثة فى مجال الطب والعلاج الكشف عن تلك الأمراض والوقوف على هذه التشوهات والعيوب حال وجود الجنين فى بطن أمه أثناء شهور الحمل عن طريق بعض الوسائل الآلية والتحليلات المعملية التى تساعد على التشخيص. وهذا الكشف المبكر يساعد فى بعض الحالات على تداركها بالعلاج سواء أكانت الإصابة من قبيل المتلازمات المرضية التى يمكن علاجها بالجينات أو بتقنية الخلايا الجذعية ونحو ذلك، أم من قبيل التشوهات والعيوب الخِلقية التى يمكن علاجها وإصلاحها إما بإجراء جراحة جنينية أو عادية بعد الولادة إن تعذرت الجراحة الجنينية. والأخذ بالعلاج والتداوى قد طلبه الشرع وندبه وحث عليه؛ فروى أبو داود والترمذى عن أسامةَ بنِ شَرِيكٍ رضى الله عنه قال: أتيت النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه كأنما على رءوسهم الطيرُ، فسَلَّمتُ ثم قعدتُ، فجاء الأعرابُ من هاهنا وهاهنا، فقالوا: يا رسول الله، أنتداوي؟ فقال: «تَداوَوا، فإنَّ اللهَ عز وجل لم يَضَع داءً إلا وَضَعَ له دَواءً غيرَ داءٍ واحِدٍ: الهَرَمُ» (والهَرَمُ: الكِبَر). وهذا الحديث جاء فيه الحث على التداوى مطلقًا غير مُقَيَّدٍ بقَيد، والقاعدة أن المطلق يجرى على إطلاقه حتى يَرِد ما يقيده. قال الإمام عز الدين بن عبد السلام فى “قواعد الأحكام” “إن الطبَّ كالشرع وُضِع لجلب مصالح السلامة والعافية, ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام, ولدرء ما أمكن درؤه من ذلك, ولجلب ما أمكن جلبه من ذلك”. واستعمال تلك الوسائل التشخيصية بواسطة الأطباء المختصين الأَكْفاء جائز ، إلا أن يترتب عليه ضررٌ مُحَقَّق أو غالب على الظن يقع على الأم أو على الجنين، فإنه حينئذ يكون ممنوعًا؛ لأن القاعدة الشرعية أن الضرر يزال، وأصلها ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “لا ضرر ولا ضرار”. وأما عن إجهاض الأجنة المصابة بعيب خِلقى يحول دون اكتمال حياة الجنين بعد الولادة كعدم وجود مخ أو الكليتين، إذا مَرَّ على حمله ما دون المائة والعشرين يومًا، فإن القواعد الشرعية لا تَمنع الأم من القيام بعملية إسقاطه والحالة هذه، ما دام لا يوجد ضرر محقق أو راجح على الأم من جَرّاء الإجهاض؛ وذلك لرفع متاعب الحمل ومشاق الولادة ومخاطرها عنها وتجنيبًا لها ما يكون من آلام الفقد بعد الأمل والتعلق، مع ما يصاحب ذلك من كلفة مادية نظير المتابعات الطبية وإجراء عملية الولادة، ويكون هذا من باب رفع الضرر. أما إذا مضى على الحمل مائة وعشرون يومًا فى بطن أمه فلا يجوز إسقاطه بحال، لأنه حينئذ يكون قد نفخت فيه الروح، والاعتداء عليها غير جائز، ويكون الإسقاط حينئذ قتلا للنفس التى حرم الله تعالى قتلها إلا بالحق. إلا أن يكون فى استمراره خطرٌ محققٌ على حياة الأم - ويقرر ذلك الأطباء المتخصصون، فلا مانع حينئذ من الإجهاض، لأن الحياة المتَيَقَّنة مقدمةٌ على الحياة المظنونة، ولكنَّ جواز الإجهاض هنا إنما كان لأجل هذا المعنى لا لأجل خصوص التشوه.وعلى هذا جاء قرار مجلس المجمع الفقهى الإسلامى برابطة العالم الإسلامى فى دورته الثانية عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة عام 1410ه الموافق 1990م.