بمناسبة ذكرى ملحمة العبور وحرب أكتوبر 1973، أجدنى منضما الى الصديق والزميل الأستاذ عبد العال الباقورى فيما كتب بجريدة «الجمهورية» عن غياب الوثائق المصرية. وأزيد فأنبه إلى نزوع بعض وسائل الإعلام الى اختصار النصر وشخصنته فى الرئيس الأسبق أنور السادات. وكأننا إزاء فاصل من الاستغلال السياسى للمناسبة بهدف رد اعتبار السادات والساداتية. وبالطبع لا أنكر دور الفرد فى التاريخ. لكن كل مبالغة فى هذا الشأن بمنزلة ملهاة مؤسفة ناجمة عن تكرس الاستبداد وعبادة الفرد والتجنى على حقائق وحقوق الإنسان المواطن والقوى الاجتماعية والشعب. وهو أمر يخالف التفكير العلمى ويصادر المستقبل. ناهيك عن انه يبرر لأخطاء السادات الكارثية فى اثناء الحرب وبعدها. ويحضرنى فى هذا السياق نص مطبوع ككتاب بشأن حرب أكتوبر أظنه نادرا ومنسيا. وهو صادر عن دار الشعب بالقاهرة كناشر وبتصديق من ادارة المخابرات الحربية والاستطلاع بتاريخ 27 يوليو 1974. وقد عثرت عليه فى مكتبة نقابة الصحفيين فى أثناء رحلة البحث من أجل كتابى «الشبيهان: سيرة مزدوجة لمبارك وبن على». وهذا الكتاب بعنوان «بطولات حرب رمضان: رواية شاهد عيان». ويحمل توقيع «حسين طنطاوى». ولا أستطيع ان أجزم ما إذا كان مؤلفه هو نفسه وزير الدفاع لاحقا. لكن هذا النص من دون شك يتحدى ويسخر من مبالغات عهد حكم مبارك باختصار ملحمة العبور فى الضربة الجوية وفى دوره هو شخصيا كقائد لسلاح الجو. وأعتقد أيضا انه يتحدى ويسخر أيضا من اختصار الحرب فى شخص الرئيس السادات وعبقريته. وقبيل الذكرى بأيام كنت فى زيارة شيخ المؤرخين وعمدة الدراسات الأكاديمية فى تاريخ القضية الفلسطينية الدكتور عادل حسن غنيم. وهو صديق أعتز بصداقته وطالما تطرق الحوار بيننا الى قضية غياب الوثائق المصرية على ضوء خبرته الطويلة كمؤرخ وكرئيس سابق للجمعية التاريخية، ثم كرئيس للجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للصحافة. والأهم هنا كمقرر للجنة كتابة موسوعة مصر والقضية الفلسطينية. وهى لجنة أنجزت الى الآن نشر مجلدين عن اعمالها انتهاء بحرب 1948. ولقد زف لى الدكتور غنيم خبر قرب إصدار مجلدين جديدن عن حرب 1956 ومقدمات حرب 1967. ولقد اهتبلت فرصة الزيارة لأدون تفصيلا خبرته مع الوثائق منذ رسالتيه الجامعيتين عن الحركة الوطنية الفلسطينية. وربما وجدت هذه الشهادة فرصة نشر فى مناسبة أخرى . لكننى أقتبس من هذه الشهادة هنا أن هذا المؤرخ الجليل من مواقعه القيادية المسئولة السابق الاشارة اليها كتب الى الجهات المعنية من دار الوثائق الى وزارات وجهات سيادية كى تسمح بالاطلاع على ما لديها من دون ان تتفضل جهة واحدة بالاستجابة. بل ان العديد من الجهات تجاهلت الرد بالأصل على مكاتباته. وعلما بان تلك الوثائق مضى على بعضها أكثر من أربعين عاما. بل بعضها الآخر نصف القرن. وهذا والله ما جرى مع لجنة مشكلة بقرار من مجلس الوزراء وتتبع وزارة الثقافة. وقد أبلغنى بأن دولة كالولايات المتحدة تتيح للباحثين والمواطنين الاطلاع على الوثائق بعد مرور 30 سنة وأن بريطانيا تكتفى بربع قرن. وأخبرنى ايضا ان دولا عربية قطعت اشواطا فى تصنيف الوثائق والحفاظ عليها. وهو أمر سيظل مجهولا وغير خاضع للمتابعة والرقابة عندنا طالما بقيت مصر بلا قانون للوثائق يتيح الاطلاع عليها بعد مضى سنوات معلومة. لا نريد لجهود كتابة موسوعة مصر والقضية الفلسطينية ان تنتهى مع التأريخ لحربى 67 و1973الى ما عاينه مؤرخنا غنيم وعاناه سابقا من موقع عضويته باللجنة العسكرية المنبثقة عن لجنة كتابة تاريخ ثورة يوليو التى شكلها السادات فى السبعينيات. وقد كان مقدرا لهذه اللجنة الفرعية ان تكتب تاريخ حرب 1967. لكن لا اللجنة الأم ولا اللجنة الفرعية أصدرت أى شىء. وبالقطع فانه من المؤسف ان تعتمد وتتحكم فى كتابة تاريخنا الوطنى الوثائق الأجنبية بما فى ذلك وثائق الأعداء. فى حين تستمر سياسة حجب الوثائق المصرية عند كتابة التاريخ وعن المواطنين والرأى العام. ولا أعرف هل أبالغ فى التفاؤل حين أراهن على تولى مسئولية وزراة الثقافة الآن الصديق والزميل الاستاذ حلمى النمنم. فهو بالأصل صحفى أصبح عليه مسئولية ان يدفع من موقعه فى مجلس الوزراء نحو اصدار تشريع باتاحة المعلومات. وهو أيضا كان مديرا لدار الوثائق. وبحكم هذه المسئولية السابقة وبحكم اهتمامه بالتاريخ هو مطالب بأن يدفع نحو تشريع يضمن وينظم حفظ وثائق الدولة المصرية ويتيح الإطلاع عليها بعد فترة زمنية معقولة. وهو مطالب قبل هذا وذاك بتسهيل مهام لجنة موسوعة مصر والقضية الفلسطينية من وثائق ومتطلبات لوجستية وادارية. وأخيرا أعتقد ان خير تكريم لعبور الإنسان المصرى فى حرب أكتوبر هو الافراج عن الوثائق المصرية. وأيضا الانحياز للحقائق وللموضوعية حتى ولو تسببت فى قدر من الألم والصدمة. فالشعوب لا تتقدم إلا عن طريق الحقائق لا الأكاذيب والمبالغات. وأظن ان خير تكريم للسادات نفسه ان نقول عنه الحقائق دون تزييف أو تزويق. وعلى الأقل فان الجميع اصبحوا فى ذمة التاريخ. لمزيد من مقالات كارم يحيى