كان يمكن للمشهد الانتخابي أن يكون أكثر نضجا واكتمالا, لو أن قوي الليبرالية وشباب الثورة والأحزاب المدنية ونخب المثقفين المنحازين للدولة المدنية الديمقراطية, نجحت في تشكيل تيار ثالث يعيد للساحة السياسية توازنها, ويكسر ثنائية العسكر والإخوان التي لا تزال تحكم الصراع السياسي في مصر وتساعد علي إنتاج أنظمة للحكم متشابهة في الشكل والمضمون, تستحوذ علي كل السلطات, وتفصل كل شيء بما في ذلك الدستور والقانون وفق قياساتها الخاصة, في غيبة خيارات حقيقية ترشد نزعات التسلط التي تهيمن علي تيارات الإسلام السياسي! ولسوء الحظ أسهمت أخطاء عديدة من بينها غياب الحكمة في كسر جسور الثقة بين المجلس العسكري وهذه القوي الجديدة التي لم تفطن الي خطورة انقسامها وتشتتها, ومكنت قوي الإسلام السياسي من أن تتصدر المشهد السياسي علي حين تراجع الثوار الي خلفية الصورة, يتشبثون بشرعية الميدان في مواجهة شرعية البرلمان!, ويستنزفون جهدهم ودماءهم في شوارع الميدان الجانبية, يحاربون في معارك خاسرة بشارعي محمد محمود و الشيخ ريحان زادت عزلتهم عن نبض الشارع المصري الي أن وقعت الأزمة الأخيرة!. وحسنا إنهم آثروا ألا يكونوا طرفا مباشرا في المعركة الدائرة الآن بين تيارات الإسلام السياسي والمجلس العسكري حول قانون العزل السياسي ومصير اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور, ورفضوا المشاركة في مليونية الجمعة الماضية ردا علي مواقف سابقة لجماعة الإخوان, ولأنهم اكتشفوا أن جوهر المشكلة الراهنة لا يعدو أن يكون خناقة علي السلطة تلزمهم البقاء في مقاعد المتفرجين, لكن ما من شك أن غياب دور فاعل وإيجابي لهذه القوي أدي الي خلل جسيم أفقد المسرح السياسي اتزانه وتوازنه وضيق فرص الخيار أمام المصريين, وزاد من إحساس تيارات الإسلام السياسي بأن في وسعها أن تفعل ما تريد لغياب قوة رشيدة تكبح طموحها للاستحواذ علي كل شيء! ولهذه الأسباب تكتسب دعوة الدكتور محمد مصطفي البرادعي الي توحيد هذه القوي وتشكيل حزب جديد باسم الثورة أهمية بالغة علي المدي الزمني القريب, لأنها الحل الصحيح للخلاص من ثنائية العسكر والإخوان, خاصة أن غياب المجلس العسكري عن الصورة بعد تسليم السلطة الي رئيس منتخب, سوف يؤدي الي فراغ يحسن أن تملؤه قوة حزبية ثالثة تتبني مبادئ وفكر ثورة يناير, فضلا عن أن وجود هذه القوة سوف يساعد علي ترشيد جنوح تيارات الإسلام السياسي, ويطامن من إحساسها المتزايد بالاستكبار والهيمنة, ويساعدها علي تصحيح أخطائها, ويخفف بعض الشيء من قلق المصريين المتزايد علي مستقبل ثورتهم. المزيد من أعمدة مكرم محمد أحمد