مصر وتنزانيا تدرسان إعداد برامج سياحية مشتركة    تامر أمين: الهجوم على محمد صبحي خناقة في حارة مش نقد إعلامي    دعاء أول يوم في شهر رجب.. يزيد البركة والرزق    بسبب مسن المترو.. ضبط نقاش هدد محامية بصورة سلاح ناري    المعهد القومي للاتصالات يفتح التقديم ببرنامج سفراء الذكاء الاصطناعي    قناة ON تنقل قداس عيد الميلاد من مصر وبيت لحم والفاتيكان    سبورتنج يفوز على الأهلي ويتوج بكأس السوبر لسيدات السلة    العضو المنتدب لمنجم السكري: ننتج نصف مليون أوقية في العام والعمالة المصرية تمثل 97%    تشكيل منتخب جزر القمر لمواجهة المغرب في افتتاح كأس أمم أفريقيا    بعد حادث تريلا المريوطية.. كيف تحصل على تعويض حال تعرض سيارتك للحريق؟    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات وحدات المبادرة الرئاسية" سكن لكل المصريين" بعددٍ من المدن الجديدة    مستوطنون يقتحمون منطقة "طاروسا" بالخليل.. وإصابة 3 فلسطينيين إثر اعتداء في طولكرم    زوج ريهام عبد الغفور يساندها فى عرض فيلم خريطة رأس السنة    التواء في القدم، المهن التمثيلية تكشف تفاصيل الحالة الصحية ل إدوارد    مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة ينظم عرضا خاصا لفيلم فلسطين 36    حفل توقيع كتاب "وجوه شعبية مصرية" بمتحف المركز القومي للمسرح.. صور    هايدينهايم ضد بايرن ميونخ.. البافاري بطل الشتاء في الدوري الألماني    أسباب قلة الوزن عند الأطفال الرياضيين    تعليم الغربية: عقد لجنة القيادات لتدريب 1000 معلم لقيادة المدارس كمديرين    تجاوزت 8% خلال أسبوع.. استمرار قفزات الفضة بسبب نقص المعروض وتزايد الطلب    مجلس الشيوخ يوافق على تعديلات قانون الكهرباء لضبط المال العام    مدير تعليم القاهرة تكرم الطلاب ذوي الهمم بمدرسة الفسطاط    ضبط طرفي مشاجرة بعد تداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي    سيسكو يقود هجوم مانشستر يونايتد أمام أستون فيلا في البريميرليج    تباين الأولويات يعقّد الحلول.. جهاد حرب: نزع سلاح غزة يواجه صعوبات كبيرة دون ضمانات دولية    الأهلي يفوز على إنبي بثلاثية في دوري السيدات    وزير الخارجية يعقد اجتماعاً ثلاثياً حول ليبيا مع نظيريه الجزائري والتونسي    جامعة عين شمس تحقق إنجازًا جديدًا وتتصدر تصنيف "جرين متريك 2025"    وكيل الأزهر يلقي محاضرة لعلماء ماليزيا حول "منهج التعامل مع الشبهات"| صور    على أنغام الربابة.. نائب محافظ الأقصر يشهد تعامد الشمس على معابد الكرنك| صور    مفتي الجمهورية: المؤسسة الدينية خَطُّ الدفاع الأول في مواجهة الحروب الفكرية التي تستهدف الدين واللغة والوطن    الجيزة توضح حقيقة نزع ملكية عقارات بطريق الإخلاص    رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد تشغيل فندق الكونتيننتال التاريخي وسط القاهرة بعلامة تاج العالمية    محافظ كفرالشيخ يتفقد الأعمال الإنشائية لربط طريق دسوق المزدوج والطريق القديم    رئيس الإمارات يبحث مع نظيره الفرنسي تعزيز العلاقات    القيمة السوقية لمنتخبات أفريقيا في كان 2025    إحالة أوراق قاتل زوجته أمام أبنائه إلى المفتي بالبحيرة    رئيس الوزراء يتابع مع وزير الكهرباء الموقف التنفيذى لمشروعات الطاقة المتجددة    نصيحة للأمهات، احذري من تأثير ضغط الدراسة على علاقتك مع أبنائك    انطلاق المسح الصحي لرصد الأمراض غير السارية بمحافظة قنا    فيديو | الجمهور يتجمع حول محمد إمام إثناء تصوير "الكينج"    لماذا نشتهى الطعام أكثر في الشتاء؟    برلمانية المؤتمر: تعديلات قانون الكهرباء خطوة ضرورية لحماية المرفق    ضبط 3 محطات وقود بالبحيرة لتجميع وبيع 47 ألف لتر مواد بترولية    وزير الخارجية يلتقي نائبة وزير خارجية جنوب إفريقيا لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية    محافظ أسيوط: استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية لاكتشاف المواهب الرياضية    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    حملة للمتابعة الطبية المنزلية لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن وذوي الهمم.. مجانًا    فى مباحثاته مع مسرور بارزانى.. الرئيس السيسى يؤكد دعم مصر الكامل للعراق الشقيق ولوحدة وسلامة أراضيه ومساندته فى مواجهة التحديات والإرهاب.. ويدعو حكومة كردستان للاستفادة من الشركات المصرية فى تنفيذ المشروعات    مصرع 3 أشخاص وإصابة آخرين في بورسعيد إثر حادث تصادم بين سيارتين    حقيقة تأثر رؤية شهر رمضان باكتمال أو نقص الشهور السابقة.. القومي يوضح    شهر رجب .. مركز الأزهر العالمى للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    محافظ القاهرة جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي    أمم إفريقيا – المغرب.. هل يتكرر إنجاز بابا؟    حبس المتهم بقتل زميله وتقطيع جثمانه إلى أربعة أجزاء وإخفائها داخل صندوق قمامة بالإسكندرية    بعد رؤية هلال رجب.. ما هو موعد شهر شعبان ؟    كورتوا: حمل شارة قيادة ريال مدريد كان حلما.. ومن الصعب إيقاف مبابي    الإفتاء: الدعاء في أول ليلة من رجب مستحب ومرجو القبول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلفيون ووزير الثقافة
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 10 - 2015

لم تمض أيام قليلة علي تولي حلمي النمنم منصب وزير الثقافة, حتي انهال عليه هجوم السلفيين بعامة وتيارات الإسلام السياسي بخاصة, ولماذا؟ لأن وزير الثقافة أعلن في حديث له أن مصر دولة علمانية. ولم يكن يقصد بذلك سوي أن مصر دولة مدنية ديمقراطية حديثة, وأنها ليست دولة دينية ولا دولة عسكرية. وأغلب الظن أن الرجل حين وصف الدولة المصرية بالعلمانية, كان يعني الدلالة التي يفهمها كل من يعرف اللغة العربية من أن الأصل الدلالي لكلمة العلمانية يرجع إلي الكلمة زعلمس بفتح العين وسكون اللام, وهي تعني الدنيا في لغة العرب, وتصاغ منها الصفة زعلمانيس مثل كلمة زعقلس وعقلاني. ولا تعني الكلمة في إيحاءاتها أكثر مما أمرنا به ديننا الإسلامي عندما قال لنا: زأنتم أعلم بشئون دنياكمس. وهو أمر يعني أن المسلمين أحرار في اختيار النظام الذي يسوسون به حياتهم في الدنيا, أما حياتهم في الآخرة فتحددها نتيجة أعمالهم في الدنيا ونواياهم التي لا يعرفها إلا الله. ولكن مشايخ السلفية ذ ككل زعماء الإسلام السياسي- لا يرون ذلك, وهم الذين أشاعوا أن العلمانية كفر وأن الدولة العلمانية دولة إلحاد. وهم عاشوا طويلا علي هذا الوهم الذي صنعوه لأنفسهم, وأشاعوه بين المسلمين البسطاء. والحق أنه لا تناقض قط بين الإسلام والعلمانية, لو فهمنا العلمانية بمعني الدنيوية, وأن الدولة المدنية هي الدولة الحديثة القائمة علي المواطنة والديمقراطية, والحرية بكل معانيها السياسية والفكرية والاجتماعية. ولهذا تنص المادة الأولي من الدستور المصري علي أن جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة, وهي موحدة لا تقبل التجزئة, ولا يتنازل عن شيء منها, ونظامها جمهوري ديموقراطي, يقوم علي أساس المواطنة وسيادة القانون. وما يعنيه هذا النص لكل من يفهم العربية أن هوية الدولة المصرية ليست هوية دينية ولا عسكرية, وإلا كان نص الدستور أن مصر دولة إسلامية أو مسيحية أو عسكرية, فالمادة الأولي من الدستور رغم ما فعل بها السلفيون وممثل الأزهر, حددت هوية مصر بأنها دولة مدنية نظامها جمهوري ديمقراطي, يقوم علي أساس المواطنة وسيادة القانون.
ومعني ذلك لمن يفهم اللغة العربية وليس في قلبه مرض أو غرض تشويه المعني أن مصر دولة مدنية, نظامها جمهوري ديمقراطي, يقوم علي أساس المواطنة وسيادة القانون. وهو كلام واضح وكاف في تحديد الهوية المدنية( لا الدينية) للدولة. ولا معني لأن تنبني الدولة المصرية علي أساس المواطنة وسيادة القانون إلا أنها دولة مدنية أو علمانية. ومعني ذلك أيضا أن هوية الدولة المصرية ليست هوية دينية أو عسكرية. ولكن طوائف الإسلام السياسي لا تقبل بهذا, وتمضي في التدليس علي البسطاء من المسلمين بتناسي المادة الأولي من الدستور, وهي المادة الحاكمة التي تمثل أصل الدستور وأساسه, وتخايلنا بالمادة الثالثة من الدستور التي تقول إن الإسلام دين الدولة, واللغة العربية لغتها الرسمية, ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع, وهي فرع مادة وليست أصلا, فالأصل هو الدولة المدنية ذات النظام الجمهوري الديمقراطي الذي يقوم علي أساس المواطنة وسيادة القانون. وسيادة القانون هي سيادة الدستور من حيث هما عقد اجتماعي سياسي يصوغه البشر للوصول بحياتهم في الدنيا إلي ما يحقق سعادتهم, وفي ظل إيمانهم بمبادئ الدين التي هي قيم كلية تعني السلام بين البشر والمحبة والعدل والمساواة والتعاون والتكافل.. إلخ.
هذا ما فهمه وزير الثقافة عندما أقسم علي أن يحافظ علي مصالح الوطن وأن يحترم الدستور والقانون. وهو قسم ذ لو تعلمون- عظيم يفرض علي صاحبه أن يكون علي بينة مما يقول, كما يعني أن انتماءه وولاءه لكل أبناء الوطن المصري علي أساس من الدستور والقانون. والولاء لكل أبناء الوطن المصري يعني عدم التمييز بين مسلم ومسيحي, والعمل بشعار ثورة1919 ز الدين لله والوطن للجميع ز ولذلك فولاء وزير الثقافة لوطنه مثل ولائه للدستور هو ترتيب لأولويات الوطن أولا, وما بعد ذلك يأتي المذهب الديني أو السياسي الذي لا ينبغي للوزير أن ينحاز فيه, وإلا ما استحق أن يكون وزيرا. إن أولي واجباته- بوصفه وزيرا للثقافة- هي أن ينشر ثقافة الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية واستقلال الوطن. وأدواته في ذلك هي الأجهزة الثقافية التابعة له, والمنظومة التي شارك في تجسيدها. ويفقد هذا الوزير الحق في منصبه لو تصور أنه منحاز لهذا الفريق السياسي أو الحزب الديني.
هذا هو سبب هجوم زعماء السلفية علي وزير الثقافة لأنه أعلن انحيازه للدستور والقانون, وأنه لا يؤمن بالتمييز بين مواطنين مسلمين أو مسيحيين, وأنه أقسم علي صيانة الدستور والقانون اللذين يؤكدان مدنية الدولة أو علمانيتها في الدلالة اللغوية.
ومن المضحكات المبكيات أن يذهب نائب رئيس الدعوة السلفية- هكذا- إلي أن النمنم خالف شرع الله وتجب عليه التوبة( الوطن2015/10/5) ويمضي قائلا: زوزير الثقافة خالف القرآن والدستورس. ويضيف قيادي سلفي آخر أن وزير الثقافة وضع هوية الدولة تحت حذائه. ويا لهول التدليس والكذب علي الناس, ويا خيبة الإسلام فيمن يقول ذلك باسمه. ولن أقول بأي حق يتحدث هؤلاء باسم الإسلام دون غيرهم. أليس هناك شيخ للأزهر منوط به الحديث باسم الإسلام؟!. ولو تركنا الانفعال إلي بشاعة الاتهام لرددنا اتهام مشايخ السلفية إلي نحورهم لأنهم هم الذين خالفوا القرآن والدستور. أولا لأن القرآن أمرنا بأن نجادل بالتي هي أحسن, والإسلام يمنعنا من استخدام لغة التكفير التي لجأ إليها نائب رئيس الدعوة السلفية. أما هوية الدولة المصرية التي يتهم حلمي النمنم بأنه وضعها تحت حذائه, فالعكس هو الصحيح. هوية الدولة المصرية يا من أعماكم التعصب ليست زإسلاميةس أو زمسيحيةس وإنما هوية وطنية قائمة علي احترام الدستور والقانون الوضعيين وعلي الإيمان بأن الدين لله والوطن للجميع. إن الوطنية هي هويتنا الحقيقية, ورفعة الوطن واستعادة هيبته هي هدفنا جميعا مسلمين ومسيحيين أو حتي يهود, فاتقوا الله في وطنكم, وعودوا إلي إسلامكم السمح, ولا تحاجونا بالسلفية الوهابية وإنما بأهل السنة الذين تابعهم الشيخ عبد المتعال الصعيدي في كتابه زحرية الفكر في الإسلامس بإحسان. وكفوا عن لغة التكفير وتوهم أنكم وحدكم الفرقة الناجية, فلا نجاة لأحد إلا بإذن الله الأعلي والأجل من بعض خلقه الذين أطلقوا علي أنفسهم السلفيين وهم أبعد ما يكونون عن خلق السلف الصالح. وسلام علي من اتبع الهدي وجادل بالتي هي أحسن. أما حلمي النمنم فعليه احتمال المواجهة, ما دام الله امتحنه بمنصب الوزارة التي هي ابتلاء حقيقي. وعليه أن يدرك أن كل مثقفي مصر الشرفاء معه, ما ظل علي الحق, ماضيا في الطريق الصاعد الصعب للدولة المصرية الوطنية والديمقراطية, بل المدنية والعلمانية معا, حتي ولو كره ذلك فصيل من فصائل المصريين الذين أعماهم التعصب الديني عن رؤية الحق.
لمزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.