صبحنا أكثر انغلاقاً..أكثر عزلة.. أكثر خوفاً، أولئك الذين يتحدثون بلهجة قاسية يجعلون من إسرائيل دولة ضعيفة جداً، معزولة جداً ويهودية جداً"، هكذا تحدثت تسيبى ليفنى الأسبوع الماضى واصفة الوضع فى الدولة العبرية اليوم.. يبدو حديث ليفنى واقعياً، فرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو التلميذ النجيب لمدرسة الصهيونية التصحيحية يقود سفينة الدولة العبرية نحو شاطئ "العزل" داخلياً وخارجياً. فقبل نحو 90 عاماً طرح جابوتنسكى "الأب الروحى لتيار الصهيونية التصحيحية" فكرة "الجدار الحديد"التى تقوم على تنفيذ المشروع الصهيونى خلف جدار من حديد يعجز السكان العرب المحليون عن هدمه، واليوم يواصل ابن هذه المدرسة - التى ضمت فى صفوفها مناحم بيجن واسحق شامير - تنفيذ المخطط الشيطانى ببناء الجدران لعزل إسرائيل عن أصحاب الأرض من الفلسطينيين والعرب. فقبل أسبوعين، قررت الحكومة الإسرائيلية اليمينية البدء ببناء جدار حدودى جديد (على غرار جدار الفصل العنصرى بين الضفة الغربية وإسرائيل) فى غور الأردن، مباشرة بعد الانتهاء من إقامة الجدار والسياج الحدودى على امتداد الحدود المصرية – الإسرائيلية، وفى الوقت نفسه التعجيل فى إقامة جدار مشابه فى هضبة الجولان المحتلة. وبدأت دوائر حكومية إسرائيلية مختلفة إجراء فحوصات أولية بهدف وضع الخطط الهندسية لبناء الجدار بزعم مواجهة احتمال تدفق اللاجئين السوريين الموجودين فى الأردن إلى الدولة العبرية وإغلاق الحدود الإسرائيلية أمامهم. تسرب الخبر إلى الإعلام العربى دون أن يأخذ حيزاً فى المتابعة والنقاش، فإسرائيل تقوم فعلياً برسم حدودها قبل مفاوضات السلام لتجعل من هذه المفاوضات التى صارت مثل "العنقاء" بمثابة جلسات لا طائل لها فى ظل وضع الدولة العبرية لجدران على طول حدودها بل ان الجانب الأهم أن بناء الجدار على الحدود الأردنية يعنى أن إسرائيل لا تعتزم إخلاء هذه المناطق فى المستقبل. فى هذه اللحظة يسعى نيتانياهو إلى استخدام كافة خيوط الأزمات فى المنطقة لغزل شبكة عنكبوتية حول نفسها تحميها من دفع أى ثمن أو تنازل فى حال استئناف مفاوضات السلام. فرئيس الوزراء اليمينى اكتشف أن انشغال العالم بأزمة اللاجئين فى أوروبا الذين فروا من "الوحش الداعشي" يمكن أن يكون مدخلاً مناسباً لوضع حجر جديد فى سور العزلة وجدار الحدود فوضع "داعش" فى جملة مفيدة مبرراً بناء السياج الجديد بمواجهة تهديدات اللاجئين دون أن يسأله أحد عن "سراب" هذا التهديد، حيث ليس من المنطقى أن يسعى لاجئ سورى للبحث عن الأمن فى الدولة الصهيونية. إن السياج الحدودى الجديد الذى سيمتد على طول الحدود الفاصلة بين أراضى السلطة الفلسطينية والأردن على طول 30 كيلومتراً بين إيلات جنوباً وحتى مطار تيمناع الجديد شمالاً يعنى أن إسرائيل أصبح لديها أربعة جدارات أمنية الأول هو جدار الفصل العنصرى فى الضفة الغربية والثانى على حدود غزة والثالث على الحدود مع مصر والرابع والأخير مع الأردن ليبقى مجال النقاش الوحيد حول قضية ترسيم الحدود هو وضع القدسالمحتلة وباقى مستوطنات شمال الضفة والتى تسعى تل أبيب إلى وضعها ضمن صفقة "عنصرية" لتبادل الأراضى مع الفلسطينيين. إن أوهام نيتانياهو بتحقيق الأمن خلف الجدران تظل ممكنة فقط مع استمرار خروج "الوحوش" من قمقم الأزمات فى المنطقة، فما كان مستحيلاً وسراباً أمس بصناعة الجدار الحديد "جابوتنسيكى النزعة" أصبح حقيقة اليوم ليس بفضل السياسات الإسرائيلية ولكن بفضل "الدواعش" العربية والانقسام الفلسطينى وحروب "الضياع" العربية. ولكن يبقى السؤال هل يمكن لإسرائيل أن تعيش فى العزلة وتتحول إلى "واحة أمن" كما يحلم نيتانياهو؟ الإجابة هنا لن تكون فى ثنايا كتابات جابوتنسكى الذى وضع خطة واضحة لفرض الجدار الحديدى حتى يتحول العرب إلى كائنات مسالمة ومستسلمة لواقع المشروع الصهيونى بل فيما يسطره العرب اليوم، فاستمرار الحروب والانقسمات وبقاء "الوحوش الداعشية" على خشبة المسرح يعنى بكل بساطة توصيل "الانتصارات" إلى منزل نيتانياهو مجانا.