«برج العرب التكنولوجية» تفتتح ثالث فروع جامعة الطفل بالشراكة مع نادي سموحة (صورة)    بالاسم ورقم الجلوس.. ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية ببنى سويف 2025    سعر الريال القطري اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 بالبنوك    وزير المالية: نستهدف خفض نسبة الدين ل82%.. ونتعامل مع تحدي استثنائي    وزير الخارجية والهجرة يستقبل وزيرة البيئة    «أدد العقارية» تتعاون مع مجموعة فنادق حياة لتوسيع استثماراتها في مصر    وكالة الطاقة الدولية تخفّض توقعاتها لنمو الطلب على النفط خلال 2025 و2026    قانون الإيجار القديم.. إجراء عاجل من مجلس النواب (تفاصيل)    إسرائيل تغتال رئيس هيئة أركان الحرب الإيراني بعد 4 أيام على تعيينه    ترامب يحذر إيران من استهداف المصالح الأمريكية ويتوعد برد حازم    موعد مباراة صن داونز وأولسان هيونداي في المونديال    خوسيه ريبيرو يستكشف بالميراس قبل المواجهة المرتقبة في المونديال    جدول مباريات اليوم: مواجهات نارية في كأس العالم للأندية ومنافسات حاسمة في الكونكاكاف    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    اتحاد الكرة يبحث عن وديتين قويتين لمنتخب مصر قبل أمم أفريقيا    تقارير: سانشو على طاولة نابولي    محافظ بني سويف يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 75.13%    طلاب الثانوية الأزهرية بالفيوم: "امتحان الفقه كان سهلًا ولم نتوقع هذا المستوى    28 ألف طالب يؤدون امتحان اللغة الأجنبية الثانية بلا مخالفات في المنيا    ضبط 47.1 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط عناصر إجرامية بحوزتهم 666 كيلو حشيش ب 72 مليون جنيه    بينها «شمس الزناتي».. أول تعليق من عادل إمام على إعادة تقديم أفلامه    إقبال كبير على عروض مسرح الطفل المجانية    وزير الزراعة: المتحف الزراعي يقدم صورة مشرفة للتراث الزراعي المصري    محافظ أسيوط يستقبل سفير الهند بمصر لبحث سبل التعاون المشترك    فيلم سيكو سيكو يحقق 186 مليون جنيه في 11 أسبوعا    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    دار الإفتاء: الصلاة بالقراءات الشاذة تبطلها لمخالفتها الرسم العثماني    رئيس جامعة المنوفية يستقبل فريق تقييم الاعتماد المؤسسي للمستشفيات الجامعية    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025    "الصحة" تواصل تقييم أداء القيادات الصحية بالمحافظات لضمان الكفاءة وتحقيق الأهداف    إيران تطالب مجلس الأمن بإدانة العدوان الإسرائيلي    طلاب المنوفية يؤدون امتحان اللغة الأجنبية الثانية وسط إجراءات مشددة    الجيش الإسرائيلى يعلن مقتل رئيس الأركان الجديد فى إيران على شادمانى    «التضامن» تقر قيد 5 جمعيات في 3 محافظات    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    الصحة: لجنة تقييم أداء مديري ووكلاء المديريات تواصل إجراء المقابلات الشخصية للمرشحين للمناصب القيادية لليوم الثاني    عميد طب قصر العينى يستقبل سفير جمهورية الكونغو الديمقراطية لتعزيز التعاون    ورشة تدريبية متخصصة حول الإسعافات الأولية بجامعة قناة السويس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة قنا    إعلام عبري: إيران أطلقت على إسرائيل 380 صاروخا باليستيًا عبر 15 هجوما    رئيس الأوبرا يشهد احتفالية ذكرى دخول المسيح مصر (صور)    تنسيق الجامعات.. برنامج هندسة الاتصالات والمعلومات بجامعة حلوان    ابن النصابة، تعرف على تفاصيل شخصية كندة علوش في أحدث أعمالها    تغييران منتظران في تشكيل الأهلي أمام بالميراس    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    طريقة عمل كيكة الجزر، مغذية ومذاقها مميز وسهلة التحضير    ترجمات| «ساراماجو» أول أديب برتغالي يفوز بجائزة نوبل أدان إسرائيل: «ما يحدث في فلسطين جريمة»    مسؤول أمريكي: ترامب يوجه فريقه لمحاولة ترتيب لقاء مع مسؤولين إيرانيين    وزير الدفاع الأمريكي يوجه البنتاجون بنشر قدرات إضافية في الشرق الأوسط    «لازم تتحرك وتغير نبرة صوتك».. سيد عبدالحفيظ ينتقد ريبيرو بتصريحات قوية    مصرع شاب غرقا فى مياه البحر المتوسط بكفر الشيخ وإنقاذ اثنين آخرين    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    بعد إنهاك إسرائيل.. عمرو أديب: «سؤال مرعب إيه اللي هيحصل لما إيران تستنفد صواريخها؟»    «إسرائيل انخدعت وضربتها».. إيران: صنعنا أهدافا عسكرية مزيفة للتمويه    إلهام شاهين تروي ل"كلمة أخيرة" كواليس رحلتها في العراق وإغلاق المجال الجوي    محافظ كفر الشيخ: إقبال كبير من المواطنين على حملة «من بدرى أمان»    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمن الفكرى والثقافى والاجتماعى فى مصر الآن
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 09 - 2015

ما سر ولع النخبة السياسية، والتكنوقراط، والبيروقراطية باستخدام مفردة واصطلاح الأمن فى بعض خطاباتهم ووثائقهم؟ مؤخراً ظهرت مفردة «الأمن الفكرى» كإحدى استراتيجيات وزارة التعليم، لوقاية التلاميذ والتلميذات والطلاب والطالبات من «الفكر المتطرف»! وهو أمر ليس جديداً ويبدو أننا إزاء ظاهرة سوسيو- نفسية تبدو جلية حينا، وتتوارى أحياناً، ولكنها تظهر فى السلوك النخبوى الرسمي، حيث الحضور المستمر منذ أربعة عقود لمصطلح الأمن فى بنية الخطاب السياسى والتكنوقراطى والبيروقراطى خارج معناه الفنى والإصطلاحى ومجالاته الذى يتحدث عن الأمن السياسي، والأمن الثقافى، والأمن التعليمي، والأمن الاجتماعي، والأمن التربوي، وبقطع النظر عن هذه الاستخدامات الخاطئة، إلا أنها تعبير عن نفسية قمعية، تحاول حل المشكلات التى تظهر وتعجز عن التعامل السياسى والعلمى معها فتلجأ إلى لغة الأمر والنهى والحسم، دون إدراك أن هذا التوصيف اللغوى العنيف، يؤدى إلى حالة من اليأس واضطراب فى فهم المشكلات والأزمات مما يؤدى إلى عدم دراستها علميا وموضوعياً، ومن ثم يشكل اللجوء إلى اللغة العنيفة أحد عوائق التعامل مع الظواهر والأزمات، ويؤدى إلى أخطاء فادحة، يتعذر على التكنقراطى والبيروقراطى مواجهتها، ومن هنا ثم يميل إلى العنف اللفظى ليكشف عن ذهنية ونفسية تسلطية بامتياز، لا تستطيع مواجهة تعقيدات الظواهر والعلاقات الاجتماعية المعقدة، ولا إلى مواجهة جادة لأنماط التنشئة الاجتماعية والسياسية والتعليمية المختلة والمسيطرة على مؤسساتها، ومن ثم تتفاقم المشكلات وتنفجر، وتتحول أوضاعنا الاجتماعية والتربوية والتعليمية والثقافية.. الخ من سيئ إلى الأسوأ حتى وصلنا إلى حالة التجريف والترهل والكسل الجماعي، وعلى رأسه الكسل العقلى للنخبة الحاكمة. والسؤال لماذا ظهرت هذه المفردات الأمنية فى حياتنا، ومعها لغة الجزم والحزم القاطعة التى تقدم، وكأنها حلول للمشاكل الصعبة، ويبدو أنهم يستخدمون بعض هذه اللغة الخشبية الجوفاء كتعبير عن التهرب من مسئوليتهم عن إيجاد الحلول للأزمات الممتدة فى حياتنا!
ظهرت هذه التعبيرات اللغوية القمعية فى ظل حكمى السادات ومبارك حيث تدهورت مستويات اللغة السياسية والفنية، وظهرت بعض من ممارسات ومظاهر الفهلوة اللغوية والسياسية والتكنوقراطية والبيروقراطية، وسيطر اللغو والثرثرة واستراتيجية لغوية قمعية ووصائية على مستهلكى هذا النمط من الخطابات التى تنطوى على الاستعلاء والفوقية والتعامل مع الناس من أعلي، وهو جزء مما سماه جمال حمدان ظاهرة الفرعونية السياسية، حيث بدا ولا يزال الخطاب الرسمي، وكأنه يحمل القول الفصل والحاسم والجازم فى أمور معقدة لم تخضع لدراسات سوسيو سياسية، وسوسيو اقتصادية، أو سوسيو ثقافية إلخ تتسم بالجدية والموضوعية والعمق والنزاهة البحثية. وهو ما يشير إلى طابع الفهلوة السياسية فى تسيير أمور البلاد، حيث لا دراسات ولا سيناريوهات ولا بدائل للظواهر، اللهم إلا إذا تمت الاستعانة ببعض الثقاة فى بعض القضايا الوطنية الهامة كما حدث فى ملف تحكيم طابا!، وبعض الحالات الأخرى على قلتها، وهو ما ظهر بوضوح فى فشل عديد من السياسات الاجتماعية، وفى ملفات السياسة الخارجية فى حوض النيل، ودارفور، وسد النهضة، وليبيا، وفى الملف الفلسطيني/ الإسرائيلي، والفلسطينى الداخلي.. إلخ، وفى تراجع دور مصر الإقليمى على صعيد القوة الناعمة.. إلخ!
خطاب رسمى اتسم، ولا يزال بالعفوية والاسترسال والاستسهال والخفة التى تكشف الغطاء عن تدهور مستويات ونوعية النخبة ومساعديها والبيروقراطية وضعف الكفاءة وضحالة التكوين الاحترافى والثقافي، ونمط من ممارسة الحكم التسلطى بلا ضوابط دستورية أو قانونية.
اللغة الأمنية القمعية شكلت جزءاً من القاموس السياسى للتسلطية اللغوية ابنة التسلطية السياسية. الأخطر أن الحديث عن الأمن الاجتماعي، والأمن الاقتصادي، والأمن الثقافي، والأمن الفكرى لدى عباقرة أفشل وزارة، وهى التربية والتعليم، هو تعبير عن نفوذ وتغلغل الأجهزة الأمنية وروحها وفضائها التفكيرى فى ذهنية هؤلاء المسئولين، والأخطر.. الأخطر أنها تعبير عن عدم قدرة بعض ممن شغلوا موقع الرئاسة الأول فى البلاد على التعامل السياسى الرصين مع مشاكل الدولة والمجتمع معا- إلا قليلاً وجزئيا ً- ومن ثم أسندوا إلى جهاز الأمن المتضخم وظائف ومهام لا تدخل فى اختصاصاته الواسعة أصلاً! أحد أهم الأسباب وراء الحديث عن الأمن الثقافى والأمن الفكرى مؤخراً، هو تحول هذه الوزارات إلى جزء من أجهزة الدولة الإيديولوجية والدعائية، وميل بعضهم إلى مسايرة رئيس الجمهورية من خلال اللغة النفاقية، والسلوك الأمعى القائم على الموالاة المطلقة وإلى تحويل بعضهم أداء وزاراتهم إلى أداة لبث وترويج الفهلوة اللغوية لرئيس الجمهورية!
الظاهرة تعود أيضاً إلى أنها جزء من حالة عامة تتمثل فى هيمنة اللغة السائلة والغامضة والمضطربة فى غالب أجهزة الدولة، والنخبة، وبين الجمهور، والتى هى دلالة على تدهور فى التعليم والتكوين والخبرات، وشيوع لغة وتعبيرات غامضة تنطوى على تهرب من المسئولية والالتزام والانضباط اللغوى فى استخدام المفردات والتراكيب اللغوية، والمعانى والدلالات المحددة، وهى تجل من تجليات الفهلوة عموما واللغوية على وجه الخصوص!
أن حصاد هذه اللغة القمعية حول الأمن الفكرى التى تستخدمها وزارة التربية والتعليم وعنفها اللفظى ومفرداتها هى تعبير عن تضخم الحضور البوليسى فى تفاصيل الحياة اليومية، وتعبير عن فشل السياسي، وهو ما يؤدى فى النهاية إلى تسرب وتحول مضامين هذه اللغة وإشاراتها من معانيها ودلالاتها الواقعية فى الردع والمنع والكبح، إلى لغة خشبية جوفاء وموضوع للامبالاة وأحيانا لإثارة السخرية والنكات، لأنها لا تتحول من المجال اللغوى والاتصالى إلى مجال الفعل والإنتاج، وإذا تحولت إلى فعل تعليمى وتربوى تصبح كارثة تضاف إلى دعم وتكريس ذهنية الحفظ والتكرار، ولغة القمع والحسم التى يتعلم بها الطلاب، وتكون نتائجها كارثية على نحو ما نرى منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي، وإلى الآن! أن مركز كارثة السياسة والمناهج التعليمية يتمثل فى النزعة القمعية ولغة الأوامر والنواهى من متون المواد المقررة إلى شروح المدرسين والمدرسات، ومن ثم يغدو الأمن الفكرى تكريسا للعقل النقلى والتكرارى الذى يفتقر للنزعة النقدية والإبداعية فى العملية التعليمية. الأمن الفكرى هو جزء من لغة الثرثرة والفراغ العقلي، وتعبير عن غياب الثقافة والمثقف والمقاربة السوسيو- ثقافية فى معالجة المشاكل، وعن سطوة الأمنى والبيروقراطى والتكنوقراطى فى حياتنا، ومن ثم تراكم مصريا كل هذا الفشل!!
لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.