أوراق في الثقافة الشعبية للدكتور عبد الحميد حواس وأوراقه الثانية، التي صدرت أخيرا وتضم نحو ثلاثين بحثا في كل جوانب حياتنا الثقافية والفنية والفكرية، وفي القلب منها الاهتمام والعناية بحالة النهضة الوطنية وضرورة تغيير الميدان الثقافي وربطه بحتمية عبور الوطن إلي أفق جديد، «يحركه وعي مغاير، يسهم في خلق واقع أكثر رشدا وأرحب إنسانية». ما زلنا حتي الآن نواجه الضرورة نفسها التي كشف عنها الشيخ حسن العطار لتلميذه رفاعة الطهطاوي: «ضرورة تغيير البلاد، وتجديد المعارف». بل علي العكس، فإن التجارب المريرة التي مر بها ولا يزال عالمنا العربي مع محن الإسلام السياسي. قد دمرت كثيرا مما تحقق من معاني النهضة الحقيقية والانشغال بصناعة المستقبل. سامحهم الله كنا ننتظر أن يقدموا إسهاما إنسانيا في مسيرة الحضارة، فدمروا البشر قبل الحجر، وحولوا المنطقة إلي فلول مشردة بلا وطن ولا مستقبل. وأصبح محتما علي كل من يحمل ذرة أمل أن يبدأ من جديد وينادي: حي علي العمل حي علي الأمل.. تبقي كنوز الثقافة الشعبية وتحقيقاتها الخالدة محفوظة مصونة في روح الشعب الذي أنتجها عبر عقود وقرون وعبر محن وتجارب.. تربطنا أوراق الدكتور حواس دائما بهذه الكنوز المصونة التي لا يستطيع أحد أن يمسها من رسوم، وأغان وسير ومواويل.. ومن سلوك حضاري راق في التعامل مع الآخر ومع الطبيعة وتعامل في الأحزان والأعياد. لا يستطيع أحد أن يمس كيف يحتفل الشعب المصري «بشم النسيم» وما يربط المسلم بالمسيحي، وما يربط الإنسان هنا بالنهر وبالطبيعة.. لا يستطيع أحد أن يمس كيف يودع المصري موتاه، ولا كيف يستقبل مواليده، والكشف عن هذه الكنوز، وتقديمها للناس والأجيال التي تقع في أنواع مختلفة من الازدواجية والتشتت والتشوه الحديث.. هذا هو الدور الحقيقي للفنون في بلادنا، وهو الدور المنوط بالعمل الثقافي والفكري الذي يمكن أن تقوم به الدولة أو الأفراد. في تواضع الباحث الذي أمضي العمر كله يعمل في هذا المشروع يقول: «الفصول التي يضمها هذا الكتاب والكتاب الذي سبقه أوراق علي فرع شجرة ضنيت أجيال عظيمة في إنباتها وتعهدها بالري والسقيا بل ان نشر هذه الأوراق ليس إلا سداد دين لأصحاب الشجرة التي أظلت كاتب الأوراق في هجير أيامنا التادح». يناقش الكتاب في علمية ووضوح مشاكل: الحداثة والثقافة الشعبية وتواصل البشر عن طريق «انتشار» المأثور الشعبي ويعيد نقاش مسألة: «العلم في الرأس أم الكراس». ويقدم قراءة شاملة وجميلة لرواية «الطوق والأسورة» ليحيي الطاهر ثم هناك أوراق كثيرة وقضايا متنوعة للسيرة الهلالية ولموال حسن ونعيمة. وشفيقة ومتولي، وأدهم الشرقاوي وحادث دنشواي. كما أن هناك كتابا خاصا جديدا صدر للدكتور حواس، هو ترجمة كتاب نادر بعنوان: « أربع حكايات عن أبو زيد في برنو » ، وهي بلاد قبائل «الشوا» العربية.. في الصحراء جنوب السودان.. وشمال نيجيريا.. (المناطق التي ترتع فيها الآن قطعان «بوكو حرام، الإجرامية الكتاب صادر هذا العام عن المجلس الأعلي للثقافة. في كتاب الأوراق دراسة مفيدة ولماحة للتغيرات الثقافية في الريف المصري في زمن الانفتاح ودراسة جميلة جامعة لطقوس ووقائع احتفال مصر بعيد شم النسيم الذي يشمل كل أسبوع 1/1. كما تقدم الأوراق محاولة لقراءة أعمال فاروق خورشيد، وزكريا الحجاوي وأيضا محمد مستجاب، وتقدم أيضا دراسة لدور عبد الله النديم في تحرير الوعي ووعي التحرير. كما تختم الأوراق بدراسة حزينة عن رائد مصري مجهول لعلوم الإنسان الأنثرويولوجي «محمد جلال» (1906 1946) عالم رائد شاب من قرية سندنهور شرقية، حصل علي شهادة ببحث رائد فريد عن «ملاحظات علي شعائر الدفن المعاصر في مصر»، كما سجلت في بعض المناطق الريفية. حصل علي الدكتوراه من باريس في وقت معاصر للعميد طه حسين. وأشرف علي دراسته وشجعه العالم الفرنسي الشهير ماسينيون (صاحب الدراسات النادرة عن الحلاج). كما أكمل العالم محمد جلال عمله في دراسات أنثروبولوجية نادرة في جنوب السودان ولكن كل شيء توقف وتحطمت الطائرة علي مدرج الإقلاع، حيث مات بسرطان في المخ، وأكمل الإهمال المصري علي المشروع فضاع ذكره ولا يذكر اسمه سوي بعض العلماء المتخصصين في فرنسا فسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. لمزيد من مقالات علاء الديب