كان من أحد مبررات تواجدي في معرض الكتاب هو البحث عن الإصدارات الأولي لمجلة"الفنون الشعبية"، والتي أسسها، ورأس تحريرها د."عبد الحميد يونس"(1910 1989م)، منذ يناير العام 1965م، واكتشفت أن أعداد سنواتها الأولي بلغت أسعاراً خيالية بسبب جمع الإخوة من الخليج لها، حتي تبين السر في ذلك بعد إصدار مجلتهم "التراث الشعبي"حيث كانت مجلة "الفنون الشعبية" المصرية هي المعين، والمادة الأساسية للفكر الشعبي في عالمنا العربي، وقد تعثر إصدارها لبعض السنوات، إلا أنها عادت منتظمة فصلية في إصدار حديث في ظل رعاية د. "محمد صابر عرب" رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، وبرئاسة تحرير"أحمد علي مرسي" رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية، وينوبه في رئاسة تحريرها"حسن سرور" و"هالة نمر" لإدارة التحرير، و"نجوي شلبي" للإشراف الفني، فجاءت أعدادها الحديثة مصورة علي ورق كوشييه لميع، في كل صفحاتها، من القطع العادي، وتنضيد يحمل ذوقاً رفيعاً يترجم مستلة ثقافية عالية المستوي في الشكل، والمحتوي. دراسات الفنون الشعبية في قسم الدراسات من مجلة الفنون الشعبية يقدم"أحمد مرسي علي مرسي" دراسة لمفهوم المأثور الشعبي من خلال التعريف بعناصره غير المادية الواردة في اتفاقية اليونسكو في أكتوبر للعام 2003م، حيث التراث الثقافي غير المادي هو الممارسات والتصورات، وأشكال التعبير والعرف والمهارات التي تعتبرها الجماعات جزءاً من تراثهم الثقافي، بيد أن الباحث لم يتعرض لنقد تعريف اليونسكو حيث انه اعتبر التراث الثقافي هو ما يعتبر تراثاً ثقافياً؟! بينما راح يفند عناصره من خلال التعريف، حتي وصل إلي نتيجة مؤداها أن الأدب الشعبي عبارة عن الإبداع الفني الجمعي المأثور الذي يتوسل بالكلمة، إلا أنه يري أن الثقافة في جوهرها فعل يصعب الإحاطة به من جميع جوانبه لاناس يعيشون زمنا متحركاً في مكان، أو أماكن تشكل انتماء هوياتهم، وهي أيضاً لغة اتصال وتفاعل عبر الزمان والمكان، يمكن لمسه في كثير من مظاهر الحياة العربية قديمها وحديثها، كما يحتوي قسم الدراسات في العدد علي دراسة"شمس الدين الحجاجي" والتي يقارن فيها بين النص العربي لسيرة"بني هلال"، و"ملحمة الإلياذة" ليثبت وجود أوجه للشبه بين النص العربي، والإغريقي، وليثبت أن مصطلح "ملحمة" دخيل علي النقد العربي، وان نقاد الأدب العربي قد حالفهم الخطأ عندما أطلقوا علي السير الشعبية الملاحم، فالملحمة جزء من السيرة، ويقوم"سليمان العطار" بدراسة"الموتيف" في الأدب الشعبي، من حيث كونه موقفاً نمطياً مكثفاً في بنيته الشعبية، يترجم في العمل إلي عدد كبير من عناصر السرد. ظاهرة روائيات الأدب الشعبي يتقصي"عبد الحميد حواس" تأثير الثقافة الشعبية علي أدب النساء عبر دراسة شيقة مستحدثة لإنتاج أربع روائيات هن:"زينب فواز"، وروايتها"حسن العواقب"1899م، و"سلوي بكر"، وروايتها"العربة الذهبية لا تصعد إلي السماء"1991م، و"هالة البدري" وروايتها"منتهي"1995م، مع إشارة إلي رواية د."عزة بدر" في روايتها"في ثوب غزالة" حيث استعانت كل منهن بعناصر سرد أسطورية ذات مقومات شعبية، فعدها الباحث ظاهرة أدبية شعبية، وتوقف عن اعتبارها ظاهرة نسائية، و لم يقدم ما يفيد مبررات ربط تلك الأسطورية الشعبية في السرد بالمرأة، ربما تحتاج الدراسة إلي استكمال عناصرها البحثية. تحولات المكان في أضرحة أولياء الله يقف"ماجد مصطفي الصعيدي" علي وصف الرحالة الإسلاميين لأضرحة الأولياء في مصر خلال القرن الرابع الهجري، من خلال ثلاثة من الجغرافيين وهم:"الإصطخري"(ت:346ه) صاحب"المسالك والممالك"، و"ابن حوقل"(ت:367ه) صاحب"صورة الأرض"، و"شمس الدين المقدسي"(ت:327ه) صاحب"أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم"، ويرصد"أحمد عبد الله زايد" في دراسته"أضرحة الأولياء في مصر،تحولات المكان بين التقليدية والحداثة" كيف أن بقاء الضريح لولي الله في مكانه، يؤدي إلي تغير السياق البنائي المحيط به، وان وظيفة المكان تتغير عبر الزمن، وكذلك علاقة هذه الأماكن بالمجتمع، حيث يتحاور التقليدي والحديث، محاولاً أن يجد تفسيراً لتجاور أضرحة الأولياء، والمساجد، والأماكن الأثرية، مشيراً إلي أن هذه الأضرحة بنيت علي أنقاض معابد، أو مقابر للآلهة القديمة. الأقنعة الإفريقية! يترجم"حمدان عبد الرحمن" عن"موسوعة الفولكلور الإفريقي" موضوع"الأقنعة الإفريقية،وحفلات الرقص"،حيث تعبر تلك الأقنعة في الخيال الشعبي عن الرمز الوحيد للفن الإفريقي، حيث التنكر يحجب الهوية الإنسانية، ويحول الذي يرتدي القناع إلي روح قوية حية، كما تترجم"نهي عبد الله خيرت" الحكايات الشعبية لقبائل "الهوسا" في نيجيريا، مع نبذة تاريخية عن أصولهم، ونشاطهم، وعاداتهم في الزواج. جولة الفنون الشعبية يعرض"أيمن حامد" لرسالة الدكتوراة للباحثة الفنانة التشكيلية"إيمان مهران" حول صناعة الكليم الاسيوطي، والتي نالت عنها درجة الدكتوراة، وناقشتها في المعهد العالي للفنون الشعبية، التابع لأكاديمية الفنون، بعنوان" تحليل الجانب الجمالي لفن الكليم في بعض قري محافظة أسيوط، مع دراسة ميدانية لتحديد أساليب التنمية والحفظ"، حيث تواجه هذه الصناعة شبح الاندثار، وهي دراسة نادرة لهذا الفن اعتمدت فيها الباحثة علي الجمع الميداني للمأثور ممن تبقي من الحرفيين العاملين في ورش نسج الكليم، كما يكتب"أحمد أبو خنيجر" عن "أبو برين"(1939م) شيخ المداحين، وسيد ليالي الموالد في جنوب الصعيد، وشيخ الموالدية، وكبير الطريقة، أستاذ مشايخ الإنشاد، صوته القوي، القادر علي التطريب، وسرعة بديهته الارتجالية، ولسانه اللاذع السخرية، أجلسه سلطانا للطرب. شوقي جمعة مذيع ودرويش الفن الشعبي يحيي "إبراهيم حلمي" الذكري الأولي لوفاة الفنان الراحل، والاعلامي الشعبي المتميز"شوقي جمعة، الرجل الذي ولع بالفن الشعبي منذ تخرجه حتي رحيله عام 2009م، فظل مخرجا لبرنامج الفن الشعبي، حتي فقد بصره، ولم يتزوج، وأفني حياته باحثاً عن كنوز الفن الشعبي في مصر من أقصاها إلي أدناها، وذلك عبر متابعة حفل التكريم الذي نظمته لجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلي للثقافة. مكتبة الفنون الشعبية يتابع"محمد البحيري" أحدث إصدارات سلسلة"الدراسات الشعبية" الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإصدار كتاب"اغاني الأفراح في الدلتا" للدكتور"محمد حسن غانم"، حيث يرصد في تلك الاغاني طبيعة الكثير من الدوافع والاحتياجات الإنسانية كالحب، والجنس، والرغبة في الاستقلال، كما يعرض"شعبان يوسف" لكتاب"مسرح الأراجوز" للفنان الروسي "سيرجي.ابرازوف" ترجمة الفنان الراحل"رمسيس يونان"، والصادر عن مطبوعات الشرق في نهاية الخمسينات، حيث يري فيه كتاباً ينطوي علي خبرة عميقة بهذا الفن، حيث عده مرجعاً كلاسيكياً في فن الأراجوز، ويعرض"نبيل فرج" لموقف المفكر الكبير "أحمد أمين"(18861954م) من تفرقته بين الأدب الشعبي، وأدب العوام، وأدب الفصحي، وأدب الخاصة، حيث يري أن أدب العوام هو أدب مطبوع يمتاز بالإطناب، علي حين أدب الخاصة يمتاز بالإيجاز، ووقوف"احمد أمين" مع أدب العامية الدارجة الذي ينبع من التجربة والإلهام، ومع كتابة الفصحي المسكنة غير المعربة، لأنها السبيل إلي رفع الذوق الجمالي للشعب. السيرة الهلالية يجمع الباحث"أحمد بهي الدين أحمد" لنصوص السيرة الهلالية في محافظة كفر الشيخ، برواية الشاعر"فتحي عوض سالم" قرية الوراق، مركز سيدي سالم، بمحافظة كفر الشيخ، فيروي حرب أبو زيد، وبني عقيل، ولقصة عرب بني هلال في ارض فضل الزحلان، رواية يختلط فيها السرد النثري، مع الشعر، ويعد هذا الجمع التوثيقي، من قبيل الحفاظ علي الأدب الشعبي الشفوي، قبل تعرضه للاختفاء برحيل الرواة، ولذا فتلك النصوص من السيرة الهلالية تعد المادة الخام للدراسات الأدبية المتخصصة، وللدراسات الشعبية المقارنة، وهو ما تحرص عليه"الجمعية المصرية العامة للمأثورات الشعبية" في سبيل حفاظها علي التراث وتوثيقه. لا شك أن مجلة "الفنون الشعبية" بإصدارها الحالي ترقي إلي مستوي عالمي في الفكر، والإخراج الطباعي، حيث لم تعتمد في خطوط عناوين موضوعاتها علي خط الحاسب الآلي، وإنما حفل العدد بلوحات خطية بديعة للفنان الخطاط"اوس الأنصاري" مع تنضيد يحتوي علي موتيفات من الفن الشعبي، وصور ملونة لتضمين موضوعاتها المختلفة، فخرجت مجلة الفنون الشعبية إلي يد القارئ عملاً متكاملاً في الشكل والمضمون، حيث يعد كل عدد منها عدداً تذكارياً.