يمثل الشباب الشريحة العمرية الأكبر فى التركيبة المجتمعية المصرية، لذلك يطلق عليها أمة «شابة» بامتياز حيث يقع أكثر من 60% من جملة السكان فى الشريحة العمرية الأقل من 40 عامًا. ومع ذلك، لم تستفد الدولة من هذه الميزة، وذلك بسبب عدة عوامل عديدة يأتى على رأسها سوء العملية التعليمية والتى ينادى الكثيرون بضرورة تطويرها منذ الحقبة الناصرية حتى اللحظات الآنية، وثانيها عدم توافر برامج حقيقية لتدريب وتأهيل الشباب من مؤسسات الدولة. إشكالية الإدماج وقد أثارت ثورتا 25 يناير و30 يونيو العديد من الإشكاليات المتعلقة بدور الشباب فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أولى هذه الإشكاليات، عدم قدرة الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدنى فى استيعاب الشباب أو العمل على رفع قدراتهم الشخصية وإعادة تأهيلهم بهدف دمجهم فى سوق العمل، وهو ما قوبل أيضًا برفض الشباب الانتماء للأحزاب وتفضيلهم العمل من خلال ائتلافات شبابية، والتى سرعان ما اختفت من المشهد السياسى بعد استقرار أركان الدولة فى الفترة الأخيرة. وثانى هذه الإشكاليات، أن الشباب الذى لعب دورًا كبيرًا فى إسقاط الأنظمة الاستبدادية لم يكن يمتلك رؤية حقيقية لإعادة بناء نظام ديمقراطى جديد، وفشل فى تكوين كيانات سياسية أو مؤسسية. كما قامت الثورة أيضًا بكشف الغطاء عن الإمكانات الحقيقية للشباب، ولم تحفظ لهم ماء الوجه، خاصة مع بداية تنفيذ المشروعات الكبرى التى وفرت بعض الوظائف التى تحتاج إلى قدرات ومواصفات معينة لشغلها. وقد أثار إعلان الرئيس المشروع خلال مشاركته فى أسبوع شباب الجامعات، العديد من التساؤلات المشروعة حول ماهية هذا البرنامج، والأهداف الرئيسية منه، وكيفية تحقيقه، ونوعية الشباب المشارك، وطرق ووسيلة الاختيار، ونسب أبناء المحافظات المختلفة، وهل كان هذا المشروع سببا فى دمج وزارة التدريب الفنى مع وزارة التربية والتعليم فى التعديل الوزارى الأخير، فضلاً عن كيفية الاستفادة من خريج هذا المشروع، الذى لا يقل أهمية عن المشروعات القومية الأخرى. مضمون التدريب يتصف البرنامج، طبقًا لما أكدته مؤسسة الرئاسة، بأنه تدريبى وليس سياسياً، وبعيداً عن أى تنظيم سياسى، وأنه سيتم تأهيل الشباب من خلاله سياسياً وإدارياً واجتماعيا، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية الحالية والمستقبلية، كى يصبحوا كوادر مؤهلة للقيادة فى مجالات العمل المختلفة. وأنه سيتم تدريب 2500 شاب وفتاة خلال أول عام عبر 10 دورات، وستكون مدة الدورة الواحدة 8 أشهر، على أن يزيد عدد الدورات اعتبارا من العام الثانى لتصل إلى 12 دورة سنوياً. وسيتم تحصيل بعض المحاضرات العملية والنظرية فى أكاديمية ناصر للعلوم العسكرية، التى تتميز بالجودة، وكلية العلوم والإدارة وأكاديمية السادات وجامعة القاهرة، كما سينتقل المتدربون إلى مدينة الإسكندرية فى كليتى الدفاع الجوى والبحرية. إن تمثيل الشباب فى برامج التأهيل بالنسبة للمحافظات المختلفة، سيكون وفقاً للوزن النسبى للشباب بكل محافظة. وبالنسبة لشرط السن المقرر ما بين 20 إلى 30 سنة فقط. وقد تم توسيع المشاركة لتشمل الحاصلين على المؤهلات فوق المتوسطة بجانب الحاصلين على المؤهلات العليا، وذلك بعدما تم اكتشاف أن العديد من الأبحاث العلمية والابتكارات قدمها طلاب المعاهد. أما شروط الالتحاق بالبرنامج، فتتمثل فى حسن السير والسلوك فى المتقدمين، وعدم اتهامهم سابقاً فى جرائم مخلة بالشرف، وذلك لأن العقوبات التى تلحق بهم سواء لجرائم السرقة والتبديد وخيانة الأمانة وحيازة المخدرات، تؤدى إلى حرمانهم من المناصب القيادية. والجدير بالذكر أنه تمت الاستعانة فى التخطيط للبرنامج بكلية الإدارة فى فرنسا، كما تم الاطلاع على الدراسات الجاهزة بمركزى التخطيط القومى وإعداد القادة، حتى تبلورت رؤية البرنامج ليهدف إلى إنشاء قاعدة قوية من الشباب تكون مؤهلة للعمل السياسى والإدارى، من خلال إطلاعهم على تطبيق الأساليب الحديثة فى الإدارة، عبر الوسائل النظرية والتطبيقية ونماذج المحاكاة وإعداد المشروعات. تخوفات مشروعة هناك مجموعة من التخوفات، أو العقبات التى يمكن أن تواجه تنفيذ هذا المشروع، أو على الأقل تفريغه من مضمونه وأهدافه، منها ما يلي: أولا، ماهية المشروع وأهدافه: التى لابد أن تكون واضحة، لأن هناك عددا كبيرا من الشباب فهم – خطأ - أنه بمجرد الحصول على التدريب والتأهيل فسوف يعين فورًا فى منصب قيادي، أو سيكون حصوله على التدريب بمنزلة بوابة الحصول على وظيفة فى الجهاز البيروقراطى للدولة على الأقل. وبالتالى، لابد من توضيح الهدف من البرنامج التأهيلي، وهل يتولى من حصل على البرنامج على وظيفة قيادية، وما هى الفترة الزمنية اللازمة لذلك، وهل ستكون الوظائف القيادية مقصورة على من حصل على هذا التدريب. وإذ كان الأمر كذلك، فما هى فرص الشباب الذى لم يحصل على هذا البرنامج، وهل أغلق باب الأمل أمامهم فى تولى المناصب القيادية فى المستقبل؟ مثل هذا التساؤلات لأبد أن تقوم الدولة بالإجابة عنها، حتى لا ترفع مرة أخرى سقف التوقعات لدى الشباب، ثم يصيبهم فيما بعد الإحباط إذ لم يتولّ المناصب القيادية المتوقعة. ثانيا، غياب التنسيق بين الأجهزة المعنية بتنفيذ المشروع: حيث يشارك فى تنفيذه عدد من الوزارات والمؤسسات التعليمية، سواء أكانت عسكرية أو مدنية، وهو ما يستوجب ليس فقط تخطيطا فعالا، ولكن أيضًا تنسيقا شديد الإحكام حتى لا يتحول الأمر إلى محاضرات أشبه بالتثقيف السياسى والمدني، دون رفع وثقل قدرات الشباب بشكل يؤدى فى النهاية إلى تأهيلهم لسوق العمل. ثالثا، الفترة الزمنية المحددة: إن عامل الوقت وتحديده فى غاية الأهمية لإنجاح أى مشروع. وربما إشراك القوات المسلحة فى المشروع هو أحد عوامل نجاحه لكن لا يمكن بأى حال من الأحوال الاعتماد على المؤسسة العسكرية فى إعادة تأهيل وتدريب هذا الرقم الكبير من الشباب. وبالتالى لابد من تحديد بداية ونهاية المشروع برمته، كما حدث مع مشروع قناة السويس الجديدة، حيث كان معلومًا، للقاصى والداني، توقيت ومدة تنفيذ المشروع، وكانت هناك متابعة وزيارات شخصية من الرئيس لضمان الالتزام بالتوقيت ودقة التنفيذ، فهل سيتكرر نفس الأمر مع مشروع لا يمكن قياس عائده بنفس الأدوات التى استخدمت فى مشروع قناة السويس؟ رابعا، إشكالية التمويل: إن مسألة تمويل المشروع، خاصة مع اشتراك كلية الإدارة فى فرنسا فى تصميم المشروع والاعتماد على شركة دولية فى مجال التكنولوجيا، يفتح الباب على مصراعيه حول مدى مساهمة الدولة فى تمويل هذا المشروع الضخم فى ظل عجز الموازنة العامة للدولة، وارتفاع حجم الدين الداخلى والخارجي، وهو ما يفرض إشراك القطاع الأهلى والأعمال فى المساهمة فى تمويل هذا المشروع. وهنا يمكن الاستفادة من تجارب مثل تجربة «صندوق تحيا مصر»، أو فتح الباب مرة أخرى أمام إنشاء صندوق أو حساب خاصة بهذا المشروع فقط. خامسا، الفئة العمرية المتدربة: إن اقتصر التدريب على الفئة العمرية الأقل من 30 عامًا يحرم شريحة عمرية كبيرة أيضًا، كما أشرت أعلاه، من 30 إلى 40 من الحصول على فرصة مساوية لأقرانهم، خاصة وأن عددا كبيرا من العاملين فى الجهاز البيروقراطى للدولة يقع فى هذه الشريحة العمرية، وهو ما يعد خللاً بمبدأ المساواة، أو قد يؤدى إلى إحباط لدى هذه الشريحة العمرية. وبناء عليه، يجب توسيع الشريحة العمرية للشباب المتدرب، وتتضمن عددا من الفتيات أيضًا، ومن العاملين فى مؤسسات المجتمع المدنى وأعضاء من النقابات المهنية والعمالية. سادسًا: إمكان التدريب وطرق الاختيار: لابد أن تكون موزعة على جميع المحافظات، أو على الأقل على قطاعات الجمهورية المختلفة، وعدم قصرها على محافظتى القاهرةوالإسكندرية، لأن ذلك يسبب ارتفاع حجم موازنة المشروع، ولأنه يتيح فرصة أوسع لمشاركة أكبر عدد من الشباب فى التدريب. ويضاف إلى ذلك لابد أن تتسم طرق الاختيار بالشفافية والنزاهة وعدالة التوزيع الجغرافى والوظيفى من مختلف الأجهزة البيروقراطية للدولة، فضلا عن إشراك شباب لم يحصل على وظائف حتى الآن، واعتقد أنهم الفئة الأولى بالتدريب والتأهيل فى ظل احتياجات المشروعات القومية الكبرى. مسارات المستقبل هناك ثلاثة سيناريوهات لهذا المشروع، كما يلي: السيناريو الأول، الأكثر تفاؤلاً، وهو ما نتمناه، نجاح المشروع وتدريب عدد كبير من الشباب فى فترات زمنية محددة، وإدماجهم فى بعض مؤسسات الدولة والمجتمع، خاصة مؤسسات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية. وهو ما سوف يكون عاملاً مشجعًا لعديد من الشباب فى التقدم للبرنامج والمطالبة بزيادة عدد المتدربين فى المستقبل. وهنا يمكن فى المستقبل القريب تحديد مجالات التدريب وربطها بمحاولة سد النقص فى مهن معينة ليس فقط فى الداخل المصرى، ولكن تدريب عدد من الشباب لإلحاقه بسوق العمالة العربية والدولية. السيناريو الثاني، وهو السيناريو الوسط، عدم القدرة على الاستمرار فى المشروع، وأن يتم تدريب وتأهيل عدد معين من الشباب، ولكن لن يصل إلى المستهدف، ويتوقف المشروع بعد فترة وإن طالت مدتها. السيناريو الثالث، وهو الأكثر تشاؤمًا، وهو ما لا نتمناه، هو عدم القدرة على إتمام المشروع، أو يتم إسناده إلى إحدى الوزارات. وبناء عليه، يتحول المشروع إلى أرقام من الشباب المتدرب بدون رفع حقيقى لقدراتهم، وبعد فترة ينصرف الشباب عن الالتحاق بالمشروع، وتسيطر البيروقراطية على العمل داخل المشروع مما يفقده جدواه. وفى الواقع تقع السيناريوهات الثلاثة على خط مستقيم، وأن كنت أتوقع حدوث السيناريو الأول فى ظل حرص واهتمام الرئيس بالشباب من جانب، واحتياج الدولة والمشروعات القومية الكبرى إلى مهارات خاصة من جانب ثان، وحرص الشباب على تنفيذ المشروع من جانب ثالث.