مازال العلماء يطورون أبحاثهم للوقوف على الأسباب الحقيقية للزيادة فى معدل الشيخوخة لدى الأشخاص، ومؤخرا توصل علماء بريطانيون إلى اختبار يكشف عن سلوك أكثر من مائة من الجينات الوراثية الموجودة في الدم والمخ وأنسجة العضلات، والتى يرجح أن يكون لها علاقة مباشرة بالشيخوخة. عن الشيخوخة وأعراضها وأسبابها وتجنبها يحدثنا د. سامح على أستاذ الفيزياء الحيوية ، موضحا أن الشيخوخة تفصح عن نفسها بأعراض ظاهرة وأخرى باطنة، وبغير عناء نستطيع أن نقرأ علامات الهرم فى تجاعيد الوجه وانحناء الظهر وتيبس الأطراف وشيب الشعر وسقوطه وضعف الأسنان وسقوطها، كذلك تضعف قدرة العضلات والقدرة على حفظ التوازن مما يسبب زيادة فى معدلات السقوط . ومع كل هذا أيضا تنخفض المناعة ويصبح التعرض للأمراض متواترا وشدة نوبات المرض متصاعدة، كما تضمحل قدراتنا الذهنية وقدرتنا على التذكر، وتزيد معدلات الإصابة بأمراض مصاحبة للشيخوخة مثل الخرف الشيخوخى والسرطان وأمراض القلب والسكر وارتفاع ضغط الدم. ومع وضوح تلك الأعراض والتقدم المذهل فى التكنولوجيا الطبية والحيوية، إلا أن الباحثين فى حالة خلاف على أسباب حدوث الشيخوخة، فمنهم من يراها مطبوعة فى السيناريو الجينى لكل إنسان فيما يٌعرف ب "آليات الشيخوخة المبرمجة"، ومنهم من يؤمن أن تراكم التلف وضعف آليات الترميم والإصلاح لما تلف من خلايا وأنسجة هى العوامل المسئولة عن التدهور الوظيفى المؤدى إلى ظاهرة الهرم . ويبدو أن كلا الرؤيتين تكملان بعضهما لتفسران الشيخوخة. وتقوم نظرية الشيخوخة المبرمجة على حقيقة مفادها أن خلايا الجسم، وباستثناءات نادرة، محكوم عليها ألا تنقسم سوى مرات معينة تقدر بحوالى خمسين مرة ثم تفقد قدرتها على الانقسام التعويضى بعد ذلك الحد، وهوما يؤدى إلى تآكل وتدهور أنسجة الجسم تدريجيا، وتعد معظم مظاهر الشيخوخة إنعكاسا لتلك الظاهرة مثل فقدان السمع والبصر وتآكل الفقرات والمفاصل والأعصاب. ولقد قطع الباحثون شوطا بعيدا فى قراءة علامات الشيخوخة المدونة فى المادة الوراثية لأن كل انقسام خلوى يسبب تآكلا فى رؤوس " التيلومير" للمادة الوراثية – وهى أجزاء تغلف نهايات الشريط الجينى – وحينما يتآكل معظم التيلومير تتوقف قدرة الخلايا على الانقسام، وهو ما يعنى أن تحليل التيلوميرات ينتج معلومات عن تاريخ الانقسام الخلوى أو عمر الخلايا، وبالتالى عمر الكائن الحى، ويظن بعض العلماء أن ينبوع الشباب الدائم يكمن فى تعطيل عملية تآكل التيلومير. أما النظرية المكملة والتى ترى أن التدهور العام فى الوظائف يحدث كنتيجة لتلف الاستخدام المتكرر وغياب " الصيانة " الدورية المؤثرة – وتلعب جزيئات نشطة تسمى الشوارد الحرة " Free Radicals " دورا مركزيا فى تراكم التلف الخلوى عند مستويات البروتينات وجزيئات المادة الوراثية DNA العملاقة والأغشية الخلوية خاصة فى غياب ووهن نظام الدفاعات المضادة للأكسدة أثناء الشيخوخة. ويرى المؤيدون لهذه النظرية أن الغذاء المتوازن والذى يعمل على تخفيف الضرر الناتج من الشوادر الحرة، بالإضافة إلى ممارسة الرياضة يؤدى إلى تأخير الشيخوخة والتمتع بأعمار صحية أطول، وهناك أدلة علمية متراكمة على أن الإقلال من المحتوى السٌعرى للغذاء والتركيز على الفاكهة والخضراوات والحبوب والمكسرات على حساب الدهون والنشويات وممارسة الرياضة الخفيفة تعمل على تقوية الجهاز المناعى وجهاز الدفاعات المضادة للأكسدة وتحارب تراكم الدهون الضارة. وعلى نفس المحور، هناك أدلة غزيرة وقوية على أن النشاط الذهنى عبر التفكير والقراءة وحل الأحجيات والكلمات المتقاطعة والمسائل الرياضية يؤدى إلى تمتع الأفراد بذاكرة قوية ويؤخر التدهور الذهنى والذاكرة أثناء الشيخوخة. ولقد وجدت أدلة على أن تلك الأنشطة الذهنية تعمل على تقوية الوصلات العصبية وتؤخر فقدان الخلايا العصبية وتحسن من وظائفها. وعلى جانب آخر يؤكد د. سامح على أن الضعف المضطرد فى القدرة على الابصار هو أحد أهم علامات تقدم العمر مشيرا إلى أن أهم أسباب حدوثه هو الانتكاس أو الدمار البقعى " تدهور البقعة الشبكية "، وقد يحدث هذا التدهور كنتيجة لانفجار بعض الشرايين المغذية لتلك البقعة الهامة لوضوح الرؤية، ويؤدى هذا النزيف الداخلى للفقدان الجزئى أو الكلى للرؤية، ويعكف بعض الباحثين وشركات التكنولوجيا الحيوية لتصنيع عين تعويضية ستمكن المرضى من استعادة الرؤية. وتعتمد فكرة العين الآلية على مجموعة من المكونات منها : كاميرا حساسة تعمل بشكل مستمر على تصوير مجال الرؤية، وهذا الجزء يكون مثبتا فى نظارة لاتختلف عن النظارات الاعتيادية، حيث تقوم الكاميرا بتحويل الضوء المنعكس إلى معلومات رقمية يتم بثها لاسلكيا إلى الجزء الثانى، وهو عبارة عن شريحة الكترونية بها معالج بيانات يستقبل المعلومات الرقمية المرسلة من الكاميرا، ثم يحولها إلى تيارات كهربية تقوم بحث الشبكية اعتمادا على شدة وطبيعة الضوء المنعكس فى محيط الرؤية. ثم تستجيب الشبكية فترسل إشارات كهربية إلى العصب البصرى، الذى يتواصل مع مراكز معالجة الرؤية فى المخ والتى تحدث أثر الرؤية.