لا ضير أحيانا من ترديد النكات.. فنحن- كنّا ومازلنا وسوف نظل- شعبا ابن نكتة. تقول النكتة: إن رجلا ذهب إلى الطبيب باكيا شاكيا سوء حاله. قال الرجل للطبيب: يا دكتور.. إن صديقى الحاج عبده رجل فاتن ساحر للنساء.. لا تكاد تراه فتاة إلا وتقع فى حبه.. بينما أنا مسكين محروم لا أجد امرأة واحدة تبتسم لى.. فما الحل؟ سأله الطبيب: وهل رأيت النساء وهن يقعن فى حب الحاج عبده؟ قال: لا.. ولكن الحاج هو من قال لى ذلك بنفسه. ابتسم الطبيب وهمس له: خلاص يا سيدى.. قل زيّو! .. وهذه- والله- حالنا مع برامج التووك شو.. قول مبروم فى قول، فوقه قول، تحته قول.. وكله على طريقة «قل زيّو».. مكلمة يابا.. واحنا فيها غلابة! قل لى لو سمحت: كم من قضايا المجتمع تناولها التووك شو فى لياليه الفاتنة الساحرة (كليالى الحاج عبده؟ مئات؟ آلاف؟ فهل رأيتم- أطال الله حبال صبركم- حلا لمشكلة واحدة؟ تعالوا نشوف: تحدث التووك شو- وكم تحدث- عن مشكلة الدروس الخصوصية فى البلد، وما تفعله فى أعصاب الطلاب، وجيوب أولياء الأمور المساكين.. فهل توقفت عندنا الدروس الخصوصية؟ أبدا.. بل تتفاقم. وتحدث التووك شو عن معضلات الثانوية العامة، والغش الجماعى، و أخطاء التصحيح، والمجاميع التايكونية الجبارة التى لم يحصل على مثلها آينشتاين نفسه.. فهل تم حل أى من معضلات الثانوية العامة بذمتكم؟ كيف وقد وصلنا إلى مريم أم الأصفار الستة؟ يا ناس.. 6 أصفار مرة واحدة؟ طيب خليهم اتنين (على رأى فؤاد المهندس!) .. وأغرقنا التووك شو فى ملاحم الصرف الصحى، والناس الغلابة( اللى تحت) الذين يشربون الماء عكرا أصفر اللون والطعم والرائحة.. ويشرب غيرهم الماء زلالا.. فهل تناقصت يوما أضرار الصرف الصحى؟ خذ روحك واذهب إلى الصعيد النائى، أوالريف الجوانى، ولسوف ترى- وتشمّ- لون المأساة بنفسك. وأتحفنا التووك شو بالرغى الذى لا ينقطع عن مهازل المحليات، وفساد المحليات، ورشاوى المحليات.. فهل أقلعت المحليات عن فسادها؟ حاول- لو كنت جدعا- أن تنهى معاملة، أو تبرم عقدا، أو تحصل على ترخيص.. دون أن تؤبجنى تجدنى.. ساعتها سوف تكره نفسك، ولربما كرهت معها اليوم الذى ولدتك فيه أمك.. فأين يا أيها التووك شو العظيم دورك إذن فى تلك الحدوتة، التى باتت بايخة وملتوتة؟ إن مأساة التووك شو معنا هى نفسها مأساة المريض إياه مع صديقه عم الحاج عبده.. مأساة «قل زيّو». نتكلم فنتأنق، ونتمنطق فنتحذلق، ثم نتزحلق فنصدق.. وفى النهاية؛ لا أرضا قطعت، ولا ظهرا أوصلت.. فكأنك يا أبا زيد ما غزوت! إن ما يجرى الآن هو كالتالى: يتولى المسئول منّا منصبه المرموق.. فيفاجأ المسكين بكومة من المشكلات لا يأكلها نار ولا حطب.. يعجز عن الحل وترتعد فرائصه من مكلمة التووك شو.. وهنالك يلجأ إلى حيلة الحاج عبده.. ويقول زيّو.. ويهرول إلى زميلنا الأستاذ وائل الإبراشى، أو صديقنا العزيز أحمد موسى، أو إلى المحبوب من الكل خيرى رمضان، أو أستاذتنا لميس.. وهات يا رغى. وتجلس أنت عزيزى المشاهد، فاغرا فاك مشدوها مسحورا من هذا المسئول المفوّه، الذى حل معضلات مصر كلها بكلامه الساحر. ثم يطلع النهار، فإذا بكلام الليل زبد وقد ساح..! إن المشكلة- يا سدنة التووك شو- هى أن كثير الكلام ينسى بعضه بعضا، وأن من كثر كلامه قلّ فعله( أو على رأى جداتنا: جتّة بسبعة مليم.. ولسان بسبع برايز!) ما نريد قوله هنا، أن التووك شو.. بحكم كونه تووك.. ثم شو.. يحمل فى داخله بذور فنائه، ويعانى أزمة وجود ؛ أكون أو لا أكون على رأى هاملت. يا نهار أغبر.. أزمة وجود مرة واحدة؟ ما هذا الكلام الثخين يا عم؟ تعالوا نحسبها؛ هذه البرامج ما اسمها؟ تووك شو؛ يعنى بالعربى كده استعراض الكلام.. أليس «شو» يعنى استعراض؟ ومادام أنه استعراض فهو تسلية، فكيف ننتظر من التسلية أن تحل المشكلات حلا جذريا حقيقيا؟ الخطورة هنا أن بعض المسئولين فهموا المسألة على هذا النحو: إن المسئول لا يكون مسئولا إلا إذا ظهر يوميا مرة أو مرتين- وساعات ثلاث مرات- على الفضائيات، مع كم حوار صحفى، مع مداخلة إذاعية إن أمكن.. وهكذا أصبحنا أمام مكلمة يا عم الحاج.. وتسأل نفسك: فمتى إذن سوف ينجز هذا المسئول؟ طيب وما الحل يا عم المتشائم المتشكك.. نقفل التووك شو ونروّح بيوتنا كى تنبسط؟ لا. أبدا.. بل نغير مساره ليصبح «الإنجاز شو» بدلا من «الكلام شو». هيا نقلل من الكلام ونحث الناس على العمل.. وياريت نشرب اللبن، وننام بدرى، حتى نذهب إلى أعمالنا مستفيقين لننجز مصالح الناس.. و من ثم نتخلص من أزمة قل زيّو! لمزيد من مقالات سمير الشحات