بعد 11 سبتمبر 2001م سعت الولاياتالمتحدةالأمريكية حتى لا يتكرر الهجوم الكارثى فى عقر دارها الى الآتى؛ أولاً : حصر الارهاب وعملياته وصراعاته داخل منطقة الشرق الأوسط فلا يكاد يفيق من الصراع المذهبى والصراع مع الجيوش والدول العربية ليفكر فى استهداف عمق الغرب والولاياتالمتحدة مرة أخرى، ثانياً: تغيير ميزان القوة وترجيح كفة ايران وأذرعها فى المنطقة انتقاماً من «الاسلام السنى» الذى اعتبرته مسئولاً عن أحداث سبتمبر، وفى الوقت نفسه لاشعال فتيل الصراع الطائفى الساخن بتعزيز النفوذ الشيعى والسماح بتمدد ايران مقابل خلق حواضن للتنظيمات التكفيرية السنية لتهيئة مناخ الصراع المذهبى، وثالثاً: تحسين صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية لدى العرب والمسلمين بعد أن شغلها سؤال «لماذا يكرهوننا». وظنت أنها ستحصل على نتائج ايجابية اذا تخلت عن دعم أنظمة حكم قمعية فاسدة ودعمت حركات وكيانات أكثر جماهيرية بحسب تصورها -، ولترويض الاسلام السياسى «المشارك» الذى يمثله الاخوان مقابل الاسلام «المواجه» الذى يمثله الجهاديون والتكفيريون، ولتظهر أمريكا أنها فى صف الاسلام المعتدل ومع تمثيله فى الحكم فى مواجهة المتطرفين لتختفى جرائمها التى ارتكبتها هى وايران - فى حق الشعوب والدول العربية والاسلامية أمام جرائم تلك التنظيمات ولتحصل فى الوقت نفسه على امتيازات وتنازلات من الاسلام السياسى «المعتدل»، خاصة من حماس لصالح اسرائيل من خلال تفاهمات مع جماعة الاخوان التى تحتاج لحليفها الأمريكى لترسيخ أقدامها فى السلطة . ليس هذا فحسب بل أسهم فصل الدول العربية وتحييد جيوشها عن القضية المركزية وهى قضية فلسطين والاحتلال الاسرائيلى فى مزيد من الضعف لها فى مقابل فتح المجال واسعاً لدخول قوى ودول اقليمية بخلفيات توسعية ماضوية على خط المزايدة ومحاولة احتلال مكانة العرب بتوظيف نغمة المقاومة والعداء لاسرائيل، لنصبح أمام ثلاث قوى بتوجه توسعى امبراطورى تخدم على مشروع استنزاف الدول العربية وتقليص مكانتها ودورها ، وهى محور ايران وحلفاؤها وأذرعها، ومحور تركيا وقطر والاخوان بالتحالف مع أمريكا، ومحور التنظيمات الجهادية السنية المسلحة وعلى رأسها داعش والقاعدة، مما زاد من حدة الاستقطاب المذهبى فضلاً عن تحول التنظيمات الارهابية الى لاعب اقليمى تم توظيفه واستغلاله من مختلف الأطراف خاصة بعد انطلاق ما سمى بثورات الربيع العربى . الولاياتالمتحدة أرادت من خلال تلك الثورات استكمال مسلسل «لماذا يكرهوننا» بمواصلة تقمص دور المساند للشعوب فى مواجهة النظم الحاكمة، فضلاً عن تمكين حلفها الجديد، وتعزيز حضور الثنائيات المتصارعة ذات التوجه العولمى، عندما تصبح الاخوان المسلمون فى مصر والشمال الافريقى وتركيا فى مواجهة ايران ومشروعها، فى مقابل مشروع الخلافة الذى يتبناه الجهاديون السنة، لتصبح المنطقة مفتوحة على مصراعيها لاستقبال مفاجآت وهدايا تلك الصراعات التوسعية السنية الشيعية الجهادية لصالح اسرائيل وأوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو ما تأسس فى عام الاخوان الأول فى الحكم بعلامة نصر نجاد فى مشيخة الأزهر، ونداء «لبيك يا سوريا» من استاد القاهرة، واعطاء اشارة البدء لعمل المخابرات الايرانية والحرس الثورى تحت ستار الوفود السياحية، فضلاً عن امتلاك القدرة أخيراً على تسخين حدود مصر الشرقية والغربية، والتحكم فى خطوط امداد المخطط بما يتطلبه من ذخيرة وسلاح ومال وقوى بشرية وثنائيات امبراطورية متصارعة. ايران استغلت تلك الثورات لملء الفراغ الاستراتيجى وتحقيق أحلامها التوسعية ، واستغلتها التنظيمات الجهادية لنفس الغرض فى الاتجاه المقابل وصولاً لانشاء خلافة سنية، خاصة مع انهيار وسقوط بعض الدول وفى ظل الانفلات الأمنى على مستوى الشرق الأوسط كله، وظل رهان الولاياتالمتحدة على النموذج الاخوانى التركى الذى سعى لاستغلال الفرصة لاستعادة أمجاد السيادة التركية على المنطقة، واستغل الجميع عشوائية الثورات وبراءتها الى حد السذاجة وافتقادها القيادة وجهلها الكارثى بأدبيات نظرية الصراع الاقليمى والدولى . النظرة الى 30 يونيو 2013م وما بعده فى اطار الشأن المصرى المحلى يخصم من قيمة الحدث الحقيقية؛ فهذا التاريخ مرتبط اقليمياً ودولياً بافشال مساعى ومخططات الولاياتالمتحدةالأمريكية التى شرعت فى تنفيذها بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001م ، على عدة مستويات: اعادة الاعتبار للدول العربية ومواصلة دورها فى المنطقة واستعادة هويتها الوطنية المسلوبة نتيجة العبث الايرانى والغربى، وهاهو العراق وليبيا واليمن يستعيد بعض تماسكه، وها هى مصر تستعيد دورها ومكانتها، والسعودية والعرب وراءها يقاتلون لاجهاض المخطط الرهيب . سحب البساط من التنظيمات الجهادية والتكفيرية التى سعت للترويج لنفسها كمدافع عن السنة فى غيبة الدول العربية من جهة، ومن جهة أخرى سحبه من ايرانوتركيا والاخوان التى سعت لاحتلال مكانة الدول العربية فى الدفاع عن القضية الفلسطينية. والأهم هو وقف مخطط التقسيم واستعادة مكانة الدولة الوطنية العربية وحماية الأمن القومى العربى وحماية الداخل العربى من الفتن المذهبية ومن الارهاب الموجه . 30 يونيو وما بعده ليس شأناً مصرياً محلياً نتيجة فشل جماعة أو شخص فى الحكم، انما قيمته الحقيقية والكبرى فى أبعاده الاقليمية والدولية، وفى تذكير العالم والولاياتالمتحدة بأن هناك عالما عربيا اسلاميا يدافع عن مصالحه ووجوده، واجبارهم على التعامل مع عمق الوطن العربى وحمايته من الارهاب والفوضى بنفس الحرص على عمق أوروبا وأمريكا . لمزيد من مقالات هشام النجار