شريف احمد شفيق رائدة الديمقراطية في القارة السمراء.. باريس القارة السوداء.. دولة إفريقية بنكهة اوروبية.. بهذه الكلمات نستطيع ان نصف دولة السنغال التي شهدت مطلع الشهر الجاري إنتخابات رئاسية سادها جو من الهدوء والإستقرار والديمقراطية أسفرت عن فوز ماكي سال الرئيس الجديد بنسبة65.80% من الأصوات مقابل34.20% لمعلمه واستاذه ورئيسه السابق عبد الله واد محرزا تفوقا ملحوظا أعتبر إنتصارا للديموقراطية في افريقيا. إذ انتقل سال خلال12 عاما من مدير لحملة الرئيس السابق عبد الله واد الانتخابية في2007 إلي منافس رئيسي له علي سدة الحكم طوال خمس سنوات ثم خليفة له في رئاسة السنغال. ماكي سال, الرئيس الرابع في السنغال يبلغ من العمر51 عاما, حاصل علي دبلوم في الهندسة الجيولوجية من معهد علوم الأرض بجامعة الشيخ انتا جوب في دكار. وقد إستكمل دراسته في فرنسا بالمدرسة الوطنية العليا للبترول بالمعهد الفرنسي للبترول. وبدأ سال عمله السياسي عام1983 مناضلا في الحزب الاشتراكي السنغالي ثم في النهاية معارضا لنظام الرئيس عبد الله واد. وبعد انتخاب الأخير رئيسا للسنغال عام2000, شغل ماكي سال عدة وظائف في الدولة منها مديرا عاما لشركة النفط السنغالية ووزيرا للمعادن والطاقة عام2001 ثم وزيرا للداخلية وناطقا باسم الحكومة عام.2003 وفي سنة2004 عين رئيسا للوزراء وبعدها انتخب سال عام2007 رئيسا للبرلمان السنغالي. وفي تلك الفترة دخل في صراع مع الرئيس عبد الله واد علي إثر مطالبته, في إطار مراقبة عمل الحكومة, التحقيق مع نجل الرئيس كريم واد حول تسييره مواد للهيئة المكلفة بالتحضير للقمة الإسلامية التي عقدت في دكار عام2007, وهو ما اعتبره الرئيس عبد الله واد تصرفا عدائيا من ماكي سال. فقام في نوفمبر2007 بإقالته من منصبه في الحزب الديمقراطي السنغالي الحاكم. وفي سبتمبر2008 قامت الحكومة بتعديل المادة62 من الدستور بتقليص مدة رئيس البرلمان من5 سنوات الي سنة واحدة, وهو ما كان له أثر فوري في إخراج ماكي سال من رئاسة البرلمان. وعلي اثرها أعلن سال في نوفمبر2008 استقالته من حزب واد وأسس حزب التحالف من أجل الجمهورية. وانهمك ماكي سال منذ عام2009 في التحضير للانتخابات الرئاسية وتحالف مع حركة23 يوليو الشبابية المطالبة بالإطاحة بعبد الله واد وبعدم دستورية ترشحه لفترة ثالثة. في حقيقة الأمر, كان قبل شهرين فقط يسود جو من الخوف والقلق مما ستئول إليه الإنتخابات الرئاسية في السنغال خاصة في ظل الإحتقان السياسي الشديد الذي تزامن مع إعلان عبد الله واد الترشح للرئاسة. وكانت التوقعات تشير الي دخول السنغال في عدم شرعية الإنتخبات غير أن الأحداث خالفت كل التقديرات وجرت الإنتخابات بصورة ديمقرطية ونزيهة وخرج عبد الله واد من الرئاسة بكل هدوء ليسلم قيادة بلده إلي الرئيس ماكي سال لتصبح السنغال نموذجا للديمقراطية يحتذي بها في جميع الدول الأفريقية. وليس غريبا علي السنغال هذا المشهد اليمقراطي الحر. فهو نظام انتهجته السنغال منذ أول رئيس لها بعد استقلالها عن فرنسا عام1960 ليوبولد سيدار سنجور. وكان هذا الأخير رئيسا متميزا ليس علي نطاق إفريقيا فحسب ولكن علي نطاق العالم كله. كان شاعرا مرموقا ومفكرا انسانيا وهو الذي صاغ كلمات النشيد الوطني السنغالي وانسحب بهدوء من الحياة السياسية بمحض اختياره عام1980 ليخلفه الرئيس الأسبق عبده ضيوف في منصب الرئاسة, ثم أعقبه عبدالله واد عام2000 ليشغل المنصب لفترتين ثم طمع في فترة ثالثة رغم أن عمره تجاوز الخامسة والثمانين ورغم أن الدستور يحدد بقاء رئيس الجمهورية في منصبه فترتين رئاسيتين فقط, فترشح لفترة رئاسية ثالثة استنادا إلي حكم من المحكمة العليا, وبالرغم من ذلك كانت انتخابات حرة نزيهة خالية من التزوير فاز بها ماكي سال في سابقة هي الأولي من نوعها في القارة السمراء. وبذلك لحقت السنغال بقطار الديمقراطية علي يد رئيسها ماكي سال, المقاوم الجمهوري, وبعثت للعالم رسالة واضحة في التحول السلمي والديمقراطي باعتراف عبد الله واد بهزيمته في الانتخابات. وبالنظر لتوجهه الليبرالي أكد سال في أول خطاب له بعد توليه الحكم أنه لن يتراجع عن الخيار الاستراتيجي لانفتاح الاقتصاد السنغالي الذي انطلق بقوة منذ تولي الليبراليين الحكم عام2000 بعد أربعة عقود من النظام الاشتراكي.