نعيش في زمن اضطربت فيه معايير، واختلت فيه موازين، وكُذِّب فيه صادقون، وصُدِّق فيه كاذبون، واُؤتمن فيه خائنون، وخُون فيه أمناء، وكُوفيء فيه فاسدون، وعُوقب فيه صالحون، حتى ضربت الحيرة قلوب الناس، وصار خوفهم من الخيانة واقعا قائما بحياتهم في كل لحظة. أحوال، وأهوال ينطبق عليها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على الناس سنوات خداعات, يُصدَّق فيها الكاذب, ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن, ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة, قيل: وما الرويبضة؟ قال: "الرجل التافه, يتكلم في أمر العامة".(أخرجه أحمد، وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة). ولعظم أمرها، وخطورة تأثيرها، ذهب علماء، كالذهبي وابن حجر الهيتمي، إلى أن الخيانة إحدى الكبائر. وقد حرمها الله تعالى، في آيات عدة، ونهى عنها نهيا تاما، فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ". (الأنفال: 27). قال ابن عباس: الأمانات: الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد.. لا تنقضوها. أما "خيانة الله، ورسوله" فمعصيتهما، كما قال الكلبي. فكل فرد مؤتمن على ما افترضه الله عليه، إن شاء أدى، وإن شاء خان، لا يطلع عليه أحد إلا الله تعالى. وقد نزلت هذه الآية في: " أبي لبابة بن المنذر، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة لما حاصرهم، فقالوا: يا أبا لبابة، ما ترى لنا إن نزلنا على حكم سعد فينا؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه - يعني الذبح فلا تفعلوا - فكانت تلك منه خيانة لله ورسوله، قال أبو لبابة: فما زالت قدماي من مكاني حتى عرفت أني خنت الله، ورسوله". والله تعالى لا يرشد كيد من خان أمانته، قال سبحانه: "وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ". (يوسف: 52)، أي: يُفتضح في العاقبة. كما حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الخيانة فقال: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ". (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". (رواه أحمد، وأهل السنن)، وقالوا إن هذا يعم سائر الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله كالصلوات والزكوات، ومن حقوق العباد كالودائع، وما يأتمنون به بعضهم على بعض. وهكذا فإن "الخيانة نقيض الأمانة"، ولغة هي من: "خانه خَوْنًا وخيانة ومَخَانة، واختانه، فهو: خائن وخائنة، وخؤون وخَوَّان، والجمع: "خانة وخَوَنَةً وخُوَّان". ويقال: خُنْتُ فلانًا، أو خنت أمانته". وقال العلماء إن الخيانة تشمل جميع التكاليف الشرعية. وقال ابن عاشور: "حقيقتها عمل من اؤتمن على شيء بضد ما اؤتمن لأجله، بدون علم صاحب الأمانة". وقال القرطبي: الخيانة: الغدر، وإخفاء الشيء، ومنه قوله تعالى: "يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ". (غافر: 19). وكان عليه الصلاة والسلام يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، ومن الخيانة فإنها بئست البطانة". (خرجه النسائي عن أبي هريرة). ومن صدرت منه خيانة يجب عليه أن يتوب إلى الله، ويرد الحق إلى أصحابه. ومما قيل في خطر الخيانة، ما قاله سعد الله ونوس: "كم مرة هزمتنا الخيانة دون قتال؟". فالزم -أخي- مبادئك، وصُن دينك، ولا تفعل في السر ما تستخي منه في العلانية.. تعش حميدا سعيدا. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد