انت حلوان فى القرن الماضى قبلة للاستشفاء من الأمراض خاصة الصدرية، لكنها أصبحت في العديد من أحيائها الآن مصدرا للتلوث، والإصابة بالأمراض الصدرية، بعد التحول البيئى الذى طرأ عليها، نتيجة انتشار الصناعات الملوثة بها. وتعد منطقة «كفر العلو» نموذجا لما تعانيه حلوان، وأسلوب الإدارة البيئية بها، يصرخ الأهالى فيه، من أشكال التلوث كافة. الوضع باح به أهالي كفر العلو لصفحة «البيئة»، يقول مصطفى حسين (موظف بجامعة الأزهر): أعيش فى كفر العلو، وأنا من أبنائها وآبائى وأجدادى من هنا، وبدأت مشكلتنا تظهر مع الأفران الجافة للمصانع، وقدمنا العديد من الشكاوى لوزارة البيئة، وكانت الاستجابة تركيب الفلاتر لكن المصانع الموجودة تقوم بتشغيلها نهارا، وتغلقها ليلا، وهنا أوجه ندائى لأصحاب تلك المصانع: هل أصحاب تلك الشركات الأجنبية يقبلون بأن يفعل ذلك فى بلادهم؟ ويضيف أن الحل في نظره نقل تلك المصانع القاتلة من كفر العلو للصحراء . الحاج يوسف محمد (من أهالى كفر العلو أيضا) يؤكد أن مصنع الأسمنت كان يعمل بالطريقة الرطب، ولم يكن ذلك يسبب إنتاج نفايات أو غازات، لكن المشكلة تجددت مع الطريقة الجافة المستمرة منذ ما يقرب من 30 عاما، ففى الماضى كانت الأدخنة عادية لكن الآن هى محملة بالأتربة المضرة، ومع زيادة تكلفة الفلاتر تراجع الاهتمام بتشغيلها، وقدمنا شكاوى لوزارة البيئة، وأوقفت الأفران لمدة 8 أشهر، لكن الخطر الأكبر القادم لنا هو من مصنع حرق القمامة بطريق الأوتوستراد لحرق النفايات الطبية، إذ تنبعث منه روائح كريهة، خاصة فى الصيف. ويضيف أن الحل هو نقل هذا المصنع عن المنطقة لمسافة 40 كيلومترا إلى جهة الشرق، قائلا: »ننتظر قرار وزارة البيئة بنقل تلك المصانع هذا العام من كفر العلو. أما ياسر عبدالباسط (من أهالى كفر العلو أيضا) فيقول: قابلنا رئيس المصنع، وتحدثنا معه عن المشكلة، وقال إنه قدم مليونا و200 ألف جنيه من أجل تشجير كفر العلو لجمعية النهوض بالمرأة لكن فى الحقيقة لم نر أشجارا بل نرى غازات تسبب لنا احتقانا بالعين ! ومن جهتها تقول حنان محمد، وهى أخصائية بالمركز الطبى لكفر العلو: إن 35% من الأطفال الذين يحضرون للمركز الطبى مصابون بأمراض صدرية، وأحيانا تكون الحالات متدهورة، فأتربة الأسمنت تملأ الأجواء فى كفر العلو، والملابس التى ننشرها فى النوافذ ننفض من عليها ببيوتنا أتربة الأسمنت، والمشكلات الصحية كثيرة، خاصة أن إمكانات المركز الطبى ضعيفة، ولا تستطيع مواجهة ذلك. قوافل.. وتدريب من جانبه، يوضح إبراهيم حبشى - مدير مركز شباب كفر العلو - أن المركز يقوم بإعداد قوافل طبية يكون الإقبال عليها شديدا خاصة من الأطفال المصابين بالأمراض الصدرية والربو المنتشر، فضلا عن أن مركز الشباب، وهو المتنفس الوحيد لشباب المنطقة، يواجه مشكلة هى أن نجيلة الملعب تتآكل بسبب أتربة الأسمنت، وتلوث الهواء. محمد طارق - من مؤسسة «صناع الحياة» يقول-: «قامت المؤسسة بالتعاون مع اتحاد البنوك للإسهام فى بناء البنية التحتية لتسع مناطق عشوائية كان منها كفر العلو، إذ تضمن برنامج تطوير العشوائيات رصف وإنارة بعض الشوارع، وإنشاء صرف صحى وكهرباء بالتعاون مع محافظة القاهرة ووزارة التنمية الحضرية، وسوف نسعى لتدريب 100 شاب تدريبا مهنيا، بالتعاون مع اتحاد الصناعات، ضمن برنامج حرفى، والآن نحن نعد حملة توعية للأمهات والاطفال بموضوع النظافة، وعدم إلقائها فى الشوارع». تحذير طبي فى هذا الصدد تحذر الدكتورة هبة يوسف وكيل كلية الطب لشئون المجتمع والبيئة بجامعة بورسعيد من أن دخول ملوثات الهواء إلى جسم الإنسان عن طريق الاستنشاق من أخطر الأمور، إذ تسبب العديد من أمراض الجهاز التنفسى والجهاز الهضمى وأمراض العيون، وتحدث التهابات فى الأسطح المخاطية أوالرطبة التى تتعرض لها، وتختلف بحسب درجات تركيز الملوثات ونوعية الجزء المعرض لها من الجسم، ومدة التعرض. وتضيف أن تلوث الهواء يسبب أمراضا خطيرة أو مزمنة مثل انخفاض أداء الرئة ووظائف التنفس وزيادة معدلات الإصابة بالربو الشعبى وحساسية الصدر وسرطانات الجهاز التنفسى وتهيج العيون والأنف والفم والحنجرة واختلال الغدد الصماء والجهاز المناعى للجسم وضعف قدرة الجسم على مهاجمة الأمراض المعدية وزيادة حدوث الصداع والدوار والاضطرابات السلوكية والعصبية والقلق والتوتر والتأثير على الصحة الإنجابية فى الرجل والمرأة ومشكلات القلب والأوعية الدموية والوفاة المبكرة. وترى أن الحل بالتوسع فى زيادة زراعة الأشجار دائمة الخضرة وإلزام المصانع والمعامل بتركيب أجهزة خاصة وفلاتر للمداخن تعمل على تنقية الدخان المنطلق منها وتشجيع الإجراءات الوقائية فى بعض الصناعات مثل استخدام ملابس واقية للعاملين بتلك المصانع، وبناء هذه النوعية من المصانع بعيدا عن الأحياء السكنية مع رش الشوارع والطرقات بالمياه خاصة فى الصيف للإقلال من تطاير الأتربة والغبار، والإسهام فى تنظيفها . ويؤكد الدكتور ياسر حسن رئيس قسم تلوث الهواء بالمركز القومى للبحوث أن الأتربة المستنشقة من الأسمنت تدخل الرئة وتسبب مشكلات عدة خاصة للأطفال الذين تنتشر بينهم أمراض الحساسية، ولا سيما بين العاملين بتلك الصناعات، »فهم معرضون للإصابة بالتحجر الرئوى، ذلك أن الرئة تكون مطاطية، وتحوى كميات من الأسمنت المتطاير، فيتراكم داخل خلاياها، فيحدث لها تحجر، فتعجز الرئة عن التخلص من تلك التراكمات.. والحل -كما يقول- يتحقق بنقل تلك المصانع، بعيدا فى الصحراء.