سوف يسجل التاريخ أن مصر فى عهد السيسي، قامت بتنفيذ أكبر مشروع لتطوير قناة السويس منذ حفرها، فوضعت أسس: تعظيم العائد الاقتصادى لموقعها الفريد، وتعزيز أمنها القومى بتعمير وتنمية وتصنيع ضفتى القناة، وتعميق ربط سيناء بالوادي. ومع إنشاء أربع محطات نووية بالضبعة، سوف يسجل التاريخ أيضا أن مصر فى عهد السيسى تقدمت وبجسارة لتنفيذ برنامجها النووي، الذى تعددت أسباب إخفاقه على مدى ستين عاما، منذ إنشاء لجنة الطاقة الذرية فى عام 1955. وأكتفى هنا بالإشارة الى حتمية قرار الضبعة وحكمة الخيار الروسي. وأسجل، أولا، أن تنفيذ المشروع النووى المصرى يعيد الى الأذهان تنفيذ مشروع السد العالي، من منظور سياق ودوافع وثمار المشروعين. والأمر، أن بناء السد العالى تم فى سياق معارك التحرر الوطني، وارتكز الى دحر العدوان الثلاثي، ومكَّن مصر من توليد الكهرباء من المصادر المائية على أكبر مدى مستطاع، ووفر لمشروع التصنيع قاعدة الطاقة الحديثة. ويتم انشاء مشروع الضبعة فى سياق صراع مرير دفاعا عن حرية الإرادة الوطنية، وارتكز الى دحر الفاشية التكفيرية، ويؤذن بتقدم مصر نحو الاستخدام السلمى للطاقة النووية فى توليد الكهرباء الى أقصى مدى ممكن. وبينما كانت روسيا باعتبارها مركز الاتحاد السوفيتى السابق سند مصر فى صراعها ضد الاستعمار وأعوانه وفى ملحمة بناء السد العالي، تعود روسيا مجددا باعتبارها وريثة القوة العظمى السوفيتية شريكا لمصر فى حربها ضد الإرهاب وحلفائه. ومجددا، وإن فى سياق جديد، تدفع أمريكا بنزعة الهيمنة وغطرسة القوة، الى شراكة مصر وروسيا فى مواجهة محاولات تركيعهما وحصارهما، وتفكيكهما إن أمكن، حتى بعد اسقاط الشيوعية وتفكيك الدولة والمنظومة السوفيتية، وإسقاط الناصرية وأفول الحركة القومية العربية!! وتتجلى حكمة الخيار الروسي، فى إعلان الرئيس بوتين إبان زيارته لمصر إن توقيع الاتفاقية بين روسيا ومصر فى مجال الطاقة النووية لا يتعلق فقط بإنشاء محطة كهرونووية استحداث قطاع نووى فى مصر، فى حال تم الاتفاق بشكل نهائى بين البلدين. وفى تأكيد الرئيس السيسى إبان زيارته الأخيرة لروسيا أن العلاقات مع روسيا شهدت نقلة نوعية؛ تسعى مصر للبناء عليها لترسيخ الشراكة فى المستقبل، وأوضح أنه تم تحقيق تقدم ملموس خلال الشهور الماضية فيما يتعلق بمسار التعاون فى مجال الطاقة النووية السلمية، معربا عن تطلع مصر للاستفادة من الخبرة الروسية فى هذا القطاع. وثانيا، أن حتمية قرار الضبعة، بتنفيذ المشروع النووى المصري، يجسد استيعاب واقع الاستخدام العالمي، الفعلى والمتوقع، للطاقة النووية. والأمر، أن نصيب الطاقة النووية فى اجمالى استهلاك الطاقة فى العالم خلال الفترة بين عام 1973 وعام 2012، قد تضاعف بنحو ثمانى مرات، من أكثر قليلا من 1% الى أقل قليلا من 10%؛ وفى عام 2012، لم تتعد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة نحو واحد ونصف فى المائة من إجمالى امدادات الطاقة المستهلكة فى العالم. وأضيف هنا- وفقا لبيانات وكالة الطاقة النووية فى يوليو 2015- أنه يوجد 438 مفاعلا نوويا لتوليد الكهرباء فى ثلاثين دولة، ويجرى إنشاء 67 محطة نووية جديدة فى 15 دولة. وفى عام 2014، اعتمدت 13 دولة على الطاقة النووية فى توفير ما يزيد على 30 فى المائة من إجمالى استهلاكها من الكهرباء، وتراوحت هذه النسبة بين 77 فى المائة فى فرنسا ونحو 30 فى المائة فى كوريا الجنوبية. ووفق مؤشر الكهرباء المولدة من محطات نووية فى عام 2014، شغلت المراكز العشرة الأولى فى العالم على الترتيب: الولاياتالمتحدةوفرنساوروسياوكوريا الجنوبيةوالصين وكندا وألمانيا وأوكرانيا والسويد والمملكة المتحدة. وتوزعت 67 محطة نووية جديدة تحت الإنشاء فى 15 دولة، توزعت على النحو التالي: 24 فى الصين و9 فى روسيا و6 فى الهند و5 فى الولاياتالمتحدة و4 فى كوريا الجنوبية و3 فى دولة الإمارات العربية المتحدة، ومحطتان فى كل من اليابانوروسيا البيضاء وأوكرانيا وتايوان وباكستان وسلوفاكيا، ومحطة واحدة فى كل من فرنسا وفنلندا والبرازيل والأرجنتين. وثالثا، أن مؤسسة الإمارات للطاقة النووية- فى دولة أكبر منتجى ومصدرى النفط فى العالم وتنشيء كما ذكرت توا ثلاث محطات نووية لإنتاج الكهرباء- نشرت تحت عنوان خرافات وحقائق، مؤكدة أن المفاعلات النووية الأحدث تعدّ من المرافق الأكثر أماناً فى العالم، وتعتمد أنظمة سلامة قوية، مما يحد نهائياً من إمكان خروج الإشعاع من قلب المفاعل، وأنه لا يمكن اختراق قلب المفاعل عن طريق انفجار من الخارج. وأن مفاعلا نوويا تجاريا نموذجيا ينتج نحو 400 متر مكعب من النفايات سنوياً، فى حين تنتج محطة فى نفس الحجم تعمل بالفحم 400 ألف متر مكعب من الرماد سنويا، و7 ملايين طن من الغازات الضارة. وأن بحثا أجرته حكومة دولة الإمارات بين أن إنتاج كيلو ساعة من الكهرباء فى محطات الطاقة النووية يكلف أقل من ثلث تكلفة إنتاجه فى محطة تعتمد على احتراق النفط. وأن العيش بالقرب من محطة للطاقة النووية آمن، لأن تصميم وبناء مفاعلات الطاقة النووية يتم بحيث تحتوى الإشعاعات بشكل آمن، وأن الوجود على حدود موقع محطة نووية لمدة عام كامل يعرض الإنسان لمستويات إشعاع أقل من ربع إشعاع التصوير بأشعة الصدر عند الأطباء، وثلث الإشعاع فى رحلة جوية من باريس إلى نيويورك. وقد انطلق الرئيس السيسي، بإقدامه على تنفيذ مشروع الضبعة، من التفكير فى المصلحة الوطنية المصرية، ونبذ ضغوط جماعة الجشع المنفلت ولوبى المضاربة العقارية، ومن ذات المنطلق، ينبغى نبذ تقارير سرية تهدر الأمن القومى لمصر بإقصاء المهندس منير مجاهد، وهو كفاءة مهنية ووطنية، من موقعه المستحق فى مشروع الضبعة، وكأن المعارضة تعنى نقص الولاء والانتماء الوطني!! لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم