كتبت وتساءلت ، على مدى أكثر من عام ، منذ صدور قانونيْ مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب فى يونيو 2014 ، عن ثقافة الترشح والانتخاب ، وعما اذا كانت سوف تشهد تغيُّراً ، وعن سر الاتفاق والائتلاف وتوزيع المقاعد بمعزل عن إرادة الناخبين من أبناء الشعب المصرى ، وعما اذا كانت الأحوال السابقة والقديمة سوف تبقى على ما كانت عليه من قبل بعد أن ترسخت لسنوات أم ماذا ؟! ووجهت الرسائل إلى السادة المترشحين والمتحالفين .. والناخبين .. وإلى الحصانة الملعونة، وما جد على نصوص قوانين مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب ، وعن ضرورة توافر شرط حسن السمعة فى السادة المرشحين كشرط لا يغنى عن صحيفة الحالة الجنائية. واليوم وبعد صدور تعديلات جديدة على قانون مجلس النواب فى 29 يوليو الماضى بزيادة عدد مقاعد الفردى إلى 448 مقعداً تضاف إلى عدد مقاعد القوائم ال 120 ، فضلاً عن 28 عضواً يعينهم الرئيس بنسبة ال 5% ليصل إجمالى عدد النواب فى المجلس القادم ، ولأول مرة ، إلى 596 عضوا بالتمام والكمال، كذلك كان من النصوص الجديدة زيادة الحد الأقصى لما ينفقه المترشحون بنظام القوائم ال 15 إلى مليونيْن ونصف ، وقوائم ال 45 إلى ثلاثة أمثال أى 7٫5 مليون وقد أعلنت اللجنة العليا للانتخابات عن البدء فى الإجراءات ، وصرحت لنحو 87 منظمة محلية ودولية لمتابعة الانتخابات .. بما يعنى أن الانتخابات على الأبواب ، وقد بدأت فى عقد اجتماعاتها لترتيب الإجراءات منذ الأحد الماضى . ونشاهد على الساحة بداية السباق والتربيطات والتحالفات ، وأيضاً الشقاق والاتهامات والصراعات بين الأحزاب ، وفى داخلها ، والقوى السياسية الأخرى ، كما نشهد اندفاعا وصراعا مبكرا فى الشارع السياسى للاستكشاف ومحاولة الاستحواذ على مفاتيح الأصوات ، ونشهد أيضاً ظهور سماسرة الأصوات الانتخابية .. والسادة الفتوات لعرض خدماتهم فى سياق محموم حول الإتاوات .. وكأنهم يتحكمون فى أصوات الناخبين مقدما بعيدا عن إرادة أصحابها !! واللافت للنظر وسط هذه المشاهد التى بدأت تظهر فى كل دوائر بر مصر ، وقبل الإعلان عن فتح باب الترشح ، وقد يكون المرشح نفسه فاقدا لشرط من شروط الترشح مثل شرط حسن السمعة أو غيرها ، ومع ذلك تجرى الاجتماعات .. والمقابلات .. والاتصالات .. والقسم على حفظ الأسرار والالتزام بالعهد وعدم العدول .. كل ذلك مقابل إتاوات ضخمة تبلغ الملايين من الجنيهات !! والأكثر دهشة وغرابة .. أن المترشحين أو العازمين على الترشح ، معظمهم لا علاقة لهم بالدوائر الانتخابية ولا بالناخبين أو أصحاب الأصوات الحقيقية التى تختار النائب ، فالصفقات تجرى فى الفنادق والمكاتب الفاخرة ، بعيدا عن أصحاب الأصوات ودوائرهم الانتخابية والإرادة الشعبية ، التى تعانى من المشاكل والقضايا الحقيقية التى يضج بها المجتمع .. والأكثر فزعا أن هؤلاء السادة العازمين على الترشح مدفوعون من الغير للقيام بتمثيل الشعب بطريق الإنابة أو الوكالة ، يمثلون مصالح من يدفع بهم إلى الترشح ويسدد لهم النفقات والمقابل والأتعاب، وهى ظاهرة بدت واضحة فى كل الدوائر الانتخابية فى محافظات مصر ، وهم بكل أسف ديناصورات المال وأصحاب المصالح والنفوذ ، وكأن التمثيل والنيابة فى البرلمان يتم بالوكالة وبمقابل لصالح أشخاص خفية ، تسعى إلى السيطرة على البرلمان عن طريق وكلائهم تحت القبة ، وهذه الوكالة الخفية حديثة على المجتمع المصرى وغريبة على الشعب منذ تاريخه البرلمانى ، لكنها ظهرت بمناسبة نصوص القوانين الجديدة التى حاولت سد منابع الابتزاز والثغرات ، والحد من الحصول على المنافع والمزايا تحت القبة. حضرات السيدات والسادة وجود مجلس النواب .. بالاقتراع العام السرى والمباشر ضرورة حتمية ، حتى مع وجود شبح التردد والخوف، لأن الدولة لا يمكن أن تظل بغير سلطة تشريعية أكثر مما فات ، حتى لو كان هناك احتمال تعارض المصالح أو التصادم مع المصالح القومية للبلاد والاستقرار والتنمية ، بل حتى ولو بلغ الصدام عدم دعوة المجلس للانعقاد أو الحل لأن استكمال خارطة الطريق ضرورة دستورية وقومية ، وأن إعمال النصوص خير من إهمالها. لكن علينا أن نتحاشى البلاء قبل وقوعه ، وعلينا الوقاية لأنها خير من العلاج ، وبما مفاده أن اللجنة العليا للانتخابات .. والأجهزة المعنية فى البلاد .. مطالبة من الآن .. باليقظة التامة والمتابعة لما يجرى فى الشارع السياسى بمناسبة الاستعداد للترشح لانتخابات مجلس النواب القادم .. بدءا من دقة فحص الأوراق ومتابعة ما يجرى فى الغرف المغلقة وخارج الكواليس ، وعليها أيضاً تتبع الصفقات والمبالغ التى تدفع للوكلاء المدفوعين للترشح .. وتجار الانتخابات والسماسرة .. والفتوات .. والبحث عن الأشخاص الخفية التى تدفع بالمرشحين وتغدق عليهم تلك الأموال الطائلة وبغير حساب .ولا يكفى أن يطلع علينا المسئولون ليبشرونا باستحالة التزوير أو ما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات عن موافقتها للمنظمات المحلية والدولية بمتابعة الانتخابات حتى ولو بلغ عددها 87 منظمة ، لأن النيابة عن الأمة ولاية ، والولاية عبادة ، يفسدها ويبطلها شراء الأصوات .. والتأثير على إرادة الناخبين عن طريق أولئك الذين احترفوا جمع البطاقات .. وقبض المبالغ وتوزيع الفتات منها على الفقراء والبسطاء من الناخبين استغلالا للحاجة ، فإذا ما وقع ذلك تحت صمت الدولة وأجهزتها وأمام اللجنة العليا للانتخابات .. فإنه لا يقبل منها أن تغسل يديها وتقول لنا إن هذا ذنب النصوص أو أن هذه إرادة الشعب .. لأنه عندئذ قل على الدنيا السلام !! فلتنتبهوا أيها السادة .. فلقد دق ناقوس الخطر .. والانتخابات على الأبواب .. قبل أن يقع المحظور وعندئذ نبكى على اللبن المسكوب ، حيث لا ينفع الندم .. ولن يغنى عن ذلك التأكيد الذى نسمعه كل يوم أنه قد صار مستحيلا تزوير الانتخابات أو أن القانون قد سد منابع الفساد واستغلال النفوذ والبلطجة .. لأن صور التزوير تتطور وجرائمه تقع بالتحايل والحيل .. تماما كما يحدث فى جرائم الإرهاب فى البلاد من تطور مذهل ، لأن علينا أن نواكب هذا التطور بالابتكار وابتداع الآليات والتفكير خارج الصندوق وهى مسئولية الإعلام .. والجهات المسئولة بالبلاد !! أما حضرات الشعب المصرى الكريم . فإرادتكم فوق الرءوس .. والوطن فوق الجميع .. فأنتم السيد .. صاحب السيادة وحده .. ومصدر كل السلطات ، وعلى قمتها السلطة التشريعية ، فلتنتبهوا أيها السادة حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه .. فتزداد القضايا والمشاكل تفاقماً ، وقد ظل معظمها بسبب سوء اختيار نواب البرلمان الذين يجب أن يكونوا فى قائمة المعقمين والمنزهين عن الهوى ، ليضعوا مصلحة الوطن وإرادة الشعب فى القلب والعقل .. وعندها نحمل النائب على الأعناق ، تماما مثلما نُسقطه ونُحاسبه ونضعه فى قائمة الفاسدين والمفسدين !! لمزيد من مقالات د . شوقى السيد