مازلت أتذكر لكنتها الصعيدية وهي تحكي عن قناعة بأنه نبات شافي, كانت تجلبه لنا وهي تحكي عما يحمله بين ثناياه من حكايات وأساطير, فقد برأ أيوب عندما استحم به, بعد أن ظل عليلا نحو 18 عاما. حين أمتحن الله صبره بمرض عجز الأطباء عن علاجه, وأرسل له ذلك العشب, فارتبط أسمه به, رعرع أيوب, نبات يظهر يوم واحد في السنة, الأربعاء الذي يسبق شم النسيم, يوم غد, وهو من فصيلة النعناع الأخضر, في حجمه وشكله, له رائحة عطرية هادئة تقترب من (الريحان), مازال الناس يستحمون به في صعيد مصر والمناطق التي تفوح منها عبق التاريخ, لما يعتقد فيه من خاصية الشفاء. تلك الحكاية نتذكرها كلما أقترب شم النسيم وظهر البائعون وهم يتأبطونه, يطوفون به الشوارع والحواري والأزقة, وسواء اقتربت هذه الحكاية من الحقيقة أو ابتعدت عنها, يبقي أن أيوب كان مريضا, عدا قلبه ولسانه, بينما علة انسان هذه الأيام هي القلب واللسان, فماذا ينفع رعرع أيوب في عصر التوي فيه اللسان, ففلت عياره, وتعكرت القلوب, فتهاوت الأخلاقيات, حتي أنه نادرا ما تخرج من حوار تختلف فيه الرؤي, بدون إصابات في الشعور أو نزيفا في الاخلاقيات, نحن في حاجة إلي تقويم ذلك الأعوجاج الذي أصاب مجتمعنا, لأننا نعيش معادلة غير منطقية, ففي الوقت الذي زاد فيه الناس اهتماما بمظاهر التدين, زادت الأخلاق تدهورا وتراجعا. أما صبر أيوب الذي كان ملهما للملحمة الغنائية الرائعة أيوب وناعسة للمبدع زكرياالحجاوي, ويضرب المثل بأيوب في صبره علي بلائه, فهذا هو ما ورثناه, الصبر, فلا يوجد شعب, سوانا, صبر علي ظلم حاكمه 30 عاما, حتي صرخ واشتكي الصبر من صبرنا, وبعد أن تبدل السلوك عقب ثورة يناير, وأصبح التعجل سمة العصر, ذهب الصبر ولن يعود. المزيد من أعمدة سمير شحاته