مفتي الديار المصرية يهنئ رئيس محكمة النقض بمناسبة توليه منصبه الجديد    «النواب» يوافق على تمويل مشروع امتداد خط مترو المرج الجديدة– شبين القناطر    57.418 شهيدا و136.261 مصابا.. حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على قطاع غزة    توني كروس يكشف سبب اعتزاله مبكرا ودور مودريتش مع الريال    المؤبد لمشرد بتهمة قتل فتاة زميلته بالأميرية    العثور على جثمان شاب عشريني بعد يومين من غرقه في نهر النيل بالأقصر    تعيين الدكتورة سحر علي مديرًا لمركز ماسبيرو للدراسات    ورش للأطفال عن السمسمية والأمثال الشعبية ضمن مبادرة "مصر تتحدث عن نفسها"    محافظ الجيزة يوجه بتوفير عدد من التخصصات الطبية بمستشفى مبارك بالقناطر    "معلومات الوزراء" يكشف تفاصيل أول جهاز تنفس صناعى مصرى محلى الصنع بالكامل .. اعرف التفاصيل    إيلون ماسك يطلق "حزب أمريكا" ويخطط للسيطرة على مقاعد حاسمة في الكونجرس الأمريكي    كواليس إقبال المرشحين على انتخابات مجلس الشيوخ 2025    مصر تواجه الجزائر وتونس تلاقي الأردن بنصف نهائي البطولة العربية لسيدات السلة    عاجل.. ارتفاع في أسعار عدد من الخضروات والفاكهة وتراجع أخرى بسوق العبور اليوم الأحد 6 يوليو 2025    انكماش مؤشر مديري المشتريات في مصر للشهر الرابع خلال يونيو الماضي    اليوم.. لجنة مشتركة تبحث تعديلات قانون المشروعات الصغيرة    اتحاد الشركات يدرس إصدار وثائق للسيارات الذكية والتأمين على قدر الاستخدام    تعيين رؤساء أقسام جدد بكليتي الزراعة والعلوم في جامعة بنها    خبير يوضح سبب عدم تأثر مصر في سنوات ملء سد النهضة وحجز مياه النيل    وزير المالية: نتطلع إلى بصمة واضحة ل «البريكس» فى مساندة الاقتصادات الناشئة    الإسكان: تخصيص 316 قطعة أرض لعدد من المواطنين بعد توفيق أوضاعهم ب"الرابية"    تحرير 139 مخالفة للمحلات المخالفة قرار غلق ترشيد استهلاك الكهرباء    بسبب تغيبه.. محافظ الدقهلية يقرر نقل مدير محطة مياه الشرب بدميرة للعمل موظفًا فنيًا بالجمالية    شارك 15 دقيقة.. الهلال السعودي يتفق مع عبدالرزاق حمدالله على إنهاء عقد الإعارة    كما انفرد في الجول.. كهرباء الإسماعيلية يضم أوناجم    من «ولسة بتحبه يا قلبي» إلى «هلونهم».. كواليس 25 عامًا من التعاون بين وليد سعد وعمرو دياب    الذكرى الأولى لفقيد الكرة المصرية، كيف عاد أحمد رفعت من الموت ليكشف الحقيقة؟!.. مأساة وفاته أوجعت قلوب المصريين.. 35 صدمة كهربية أعادت قلبه للحياة.. من المتهم بالتسبب في رحيله؟!    مستوطنون إسرائيليون يطردون رعاة فلسطينيين من مراعيهم.. وأخرون يقتحمون الأقصى    زاخاروفا: موسكو ترى أن واشنطن مهتمة باستعادة العلاقات الثنائية    السلطات الأمريكية: ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في تكساس إلى 50 قتيلا على الأقل    مصر تُعرب عن تعازيها للولايات المتحدة الأمريكية في ضحايا الفيضانات بولاية تكساس    مسعد يفسد زفاف بسمة.. تفاصيل الحلقة 16 من «فات الميعاد»    التموين: تحرير 390 محضرا للمخالفين في حملات خلال شهر    أسماء مصطفى تكتب: "الهيئة الوطنية".. الحارس الأمين لنزاهة انتخابات الشيوخ    الصحة تنظم برنامجا تدريبيا في أساسيات الجراحة لتعزيز كفاءة الأطباء    «الداخلية»: ضبط سائق نقل ذكي تحرش بسيدة خلال توصيلها بمصر الجديدة    موعد فتح باب التقدم بمدارس التمريض للعام الدراسي 2025- 2026 بقنا والمحافظات (الشروط والأوراق المطلوبة)    محافظ الدقهلية يحيل مدير جمعية زراعية للتحقيق لعدم تواجده وتعطيل أعمال صرف الأسمدة للمزارعين    محافظ الدقهلية:إحالة مديرة مستشفى مديرة للصحة النفسية للتحقيق لعدم تواجدها خلال مواعيد العمل    بي اس جي ضد الريال.. إنريكي يتسلح بالتاريخ لعبور الملكي في المونديال    «كان بيتحكيلي بلاوي».. .. مصطفي يونس: الأهلي أطاح بنجلي بسبب رسالة ل إكرامي    رسالة إلى الحوار الوطنى نريد «ميثاق 30 يونيو»    ضربه حتى الموت.. أب يُنهي حياة طفله في الفيوم بعد 3 أيام من التعذيب    بالصور- حريق بمنزلين في القليوبية.. و3 سيارات إطفاء تتدخل    الأهلي ينهي إجراءات السفر إلى تونس.. تعرف على موعد المعسكر الخارجي    عمرو الدجوي ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة    دعاء الفجر | اللهم ارزقني سعادة لا شقاء بعدها    وداع مهيب.. المئات يشيعون جثمان سائق «الإقليمي» عبده عبد الجليل    حدث منتصف الليل| 300 ألف جنيه لأسرة كل متوفى بحادث الإقليمي.. وإرجاء إضراب المحامين    آل البيت أهل الشرف والمكانة    إبراهيم صلاح: شيكابالا خرج من الباب الكبير    تفاصيل ظهور الزعيم عادل إمام في كتب كتاب حفيده بعد غياب طويل.. فيديو    ياسر ريان: نجلى من أفضل المهاجمين.. مصطفى شلبي يشبه بن شرقي    في عطلة الصاغة.. سعر الذهب وعيار 21 اليوم الأحد 6 يوليو 2025    ابتعد عنها في الطقس الحار.. 5 مشروبات باردة ترفع الكوليسترول وتضر القلب    "أنا بغلط... وبأندم... وبرجع أكرر! أعمل إيه؟"    يُكفر ذنوب سنة كاملة.. ياسمين الحصري تكشف فضل صيام يوم عاشوراء (فيديو)    القليل من الإحباط والغيرة.. حظ برج الدلو اليوم 6 يوليو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا تبقي منك يا إبراهيم المازني؟

يكن المازني بين كتاب جيله الشخص الأكثر تسترا علي حياته‏,‏ ربما كان النقيض‏,‏ لذا لم يحدث أن ضحي لمدة نصف يوم واحد برواياته‏,‏ أو بحياته من أجل السياسة‏.‏ لمفالسياسة عنده هي سطح العالم الضاج واللامع الذي لا يقف فوقه ويرقص عليه إلا الراغبون في الفضائح, كان المازني يقاوم جاذبية هذا السطح بالتنقيب في ذاته, وإذا بلغ أحد قيعانها البعيدة الرطبة, أطبق جفنيه, وصاح كأنه بلغ الساحل, ساحل أحلامه ورصيف لاوعيه, فإذا ضبطه صديقاه العقاد وعبد الرحمن شكري, صديقاه الأكثر رصانة, هتف فيهما, أيها الرفقة, أيها الأصدقاء, أنتما تعودان إلي الخلف مرارا, وتذهبان إلي الأمام مرارا, أما أنا, فإنني أقفز في مكاني, أنظر إلي أعلي, هكذا, وإلي أسفل, هكذا, لذا تسيل الموسيقي من دماغي وجوفي, فأنصرف عن الزمان, أعرف أن الزمان هو تلك الذكري التي إذا ورثها أحدنا, أصبح مثل قبعة في جورب, أعرف أنه هو تلك الضحكة الصفراء,هاهاهاها, يقلد المازني اصفرار الضحكة, فتتغير بشرتا صديقيه, تصبح بشرة العقاد صفراء مثل عصا الراعي, وبشرة عبدالرحمن صفراء مثل قلب الضابط, وينصرف المازني تحت إبطه مسودة مقالته عن أبي الهول وتمثال مختار, ولأنني أحفظها عن ظهر قلب, أري كفيه تدفعان تمثال نهضة مصر, ولا تتحاشيان المرأة التي يدها مسنودة علي رأس أبي الهول, فيما المازني يقول: أما التمثال في شكله الحالي, فلا أكتم القراء أني أحس كأني أحمله وقاعدته علي ظهري, ولايسوء مختار قولي هذا, فإنه يعلم أني من أجهل الناس بالفنون, وأن ليس لي من الوسائل المعينة علي حسن التقدير, سوي رأس واحد وعينين اثنتين ليس إلا, في تلك اللحظة يختفي المازني فأبحث عن ناشريه, ولما لا أجدهم أتوكل علي الله وأذهب بالترتيب إلي الأمناء الأربعة للمجلس الأعلي للثقافة منذ عماد أبوغازي وحتي سعيد توفيق, باستثناء عزالدين شكري فشير, الذي أعتقد أنه لم يعرف المازني عن قرب, وربما لم يعرفه عن بعد, سأحاول أن أنسي محمود مختار لأنه أحد أسلاف عماد أبوغازي, إنه خال أبيه, وسوف أطالبهم, الأمناء جميعا, باستكمال نشر أعمال المازني كاملة, المنشورة في كتب, وغير المنشورة في كتب, في منتصف أيام الثورة, حين كان عماد هو الأمين العام رجوته برسالة هاتفية أن يستقيل, ولم يفعل, وفي أيام وزارته, كتبت له, ياعماد العمل معهم خيانة, واستمر حتي انتفخت بطنه فاستقال, بعد يومين من استقالته, كنت أدخل ميدان التحرير من شارع طلعت حرب, وفوجئت به يخرج من جوف محطة المترو, نويت أن أتفاداه, لكنه عاجلني واحتضنني بيدين ذكرتاني بأحضان الماركسيين الثوريين أيام السبعينيات, همست في أذنه, ياعماد ألست غاضبا مني, أجابني بسرعة لا, لقد كنت علي حق, بعد أيام أخري, وأيضا في شارع طلعت حرب, كانت المسيرة التي يقود هتافاتها كمال خليل, تقطع الشارع, لما التفت جهة اليمين, رأيت عماد يسير علي الحافة, هذه المرة فاجأته واحتضنته بحنان, فاحتضنني بقوة, قلت له: أنا فرح باستعادتك ياعماد, قال, وأنا فرح باستعادة نفسي, بعد كلمة نفسي افترقنا, وبعد افتراقنا خرج من قلبي شبح المازني, ليلاحق عماد, ويربت علي كتفيه, ثم عاد, الشبح, وأمسك ذراعي وهو يوشوشني: فيه براءة تفوق القدر المسموح به لوزير, وفيه إخلاص ورطه في التمسك بمحبة رؤسائه السابقين الذين كانوا بعض أعمدة فساد الدكتاتور, وصاروا أعمدة الحنين إليه, في سنة 1889 ولد المازني, وبعد ستين سنة من ميلاده سنة 1949 مات, كان موته أيام أفول ملكية فاروق, وقبل الانحدار نحو هاوية دكتاتورية عسكرية كنست بغلظة أسماء اللائحة السوداء, العقاد, أحمد لطفي السيد, إبراهيم ناجي, زكي مبارك, محمود حسن اسماعيل, الرافعي, فقط توفيق الحكيم بسبب روايته عودة الروح و شعارها (الكل في واحد), الذي ظن البكباشي أيامها, أنه نبوءة مصنوعة علي مقاسه, فصفح عن توفيق, وفقط أيضا طه حسين الذي نجح في أن يؤسس جسورا من ورق, ويفردها بينه وبين حكومة البكباشية, وكما أن حداثة طه وثورته كانت أفضل أفعاله, فإن احتياله و قدرته علي التكيف و الوقوف تحت المظلة كانت الأسوأ, وأظن أن تلاميذه في الزمان المتأخر, لم يرثوا سوي القليل من حداثته و الكثير من احتيالاته, مما ساعدهم علي الطيران, عموما لما أصدر نجيب محفوظ روايته زقاق المدق, طلب المازني رؤية الروائي الشاب, الذي استجاب وذهب بصحبة عبد الحميد جودة السحار إلي بيت المازني في شارع فاروق, شارع الجيش حاليا, ضرب لهما المازني أمثلة بروايات الأيام لطه حسين, وسارة للعقاد, وعودة الروح للحكيم, وابراهيم الكاتب للمازني نفسه, ليدل الشابين علي أن الرواية المصرية تعودت أن تحكي ذات صاحبها, وأن زقاق المدق تنتمي إلي الواقعية, التسمية أيامها لم تكن شائعة, وأن المصريين لم يتعودوا إلا علي رواية السيرة, فإما أن تغير طريقك, وإما أن تنتبه للمخاطر, هكذا نصح المازني ضيفه, وهكذا أشار بسبابته و بنفس مقطوع إلي روايته ابراهيم الكاتب, لابد أنه كان يعتبرها من أندر النصوص التي كان يجد فيها ذاته,لابد أنه كان يرسم ذاته وفق الأمانة ووفق التحريف, لأن اللعب هو سبيله, هو ملهاته و مأساته, هو حظه, ولابد أنه سأل نفسه أكثر من مرة في أثناء الكتابة, هل استطاع أن يبقي علي ذاته صافية علي الرغم من تحريفاته, هل استطاع أن يحيا وهو يكتب, كان ابراهيم الكاتب أنطولوجيا كاملة لتلك الذات التي اعتبرها الناقد الطليعي أيامها محمود أمين العالم ذاتا متشائمة ويائسة ومتحمسة ليأسها, كلماتها تسئ لصاحبها, وتطعن الآخرين, حتي جهلها, كان بالضبط عصير حكمتها وعصارة معارفها, كان بالضبط رحيق عدميتها, لذا تجاسر محمود العالم, ونقل ابراهيم الكاتب, الرواية والمؤلف, إلي مكان زري من فردوسه المفقود, وعلي بعد خطوة جاء بالشاعر صلاح عبدالصبور, وعلي الحافة منهما ترك صحراء جافة سيشغلها نجيب محفوظ برواياته وبطبقته المتوسطة, وعلي الرغم من البشاشة هدد العالم بأنه قد ينقلهم إلي مكان في الجهة المقابلة, الجميع يعرفون أنه جحيمه الموجود, وبشر بأسماء الناجين, وعقب كل اسم, كان وحده الذي يسمع التصفيق الهائل, كمال عبدالحليم, تصفيق هائل, عبدالرحمن الشرقاوي, تصفيق هائل, وبعد انتهاء الحفل, تنفس العالم الصعداء, ثم استراح, وكان صباح, وكان مساء, الغريب أنه هناك التقي صلاح بالمازني, وقرأه, وقال لنفسه: لقد كان فنانا حتي أطراف أصابعه, وكان قلبه ثقيلا مجروحا, وزاد من مرارته أن حياته الخاصة لم تصف له, وأنه واجه الموت الجارح خمس مرات معلومات, أبوه, وأمه, وزوجه الأولي, وابنتاه من زوجتين, أما المجهولات فأكثر, يري صلاح أن أكبر كتاب أثر في المازني, هو سفر الجامعة بن داود, أحد فصول التوراة, والجامعة عند صلاح هو رائد الشعراء العدميين في التاريخ, نشيده: الكل باطل وقبض ريح, ومازني صلاح رجل قاهري, وابن بلد, والمدينة ليست الريف, المدينة وحدها هي التي تؤمن بفلسفة العدم, خاصة مدينة المازني, والموت في سفر الجامعة يشبه الموت في أطراف العاصمة قرب المقابر, حيث نشأ المازني, الجامعة لم يكن نبيا أكثر منه شاعرا, والمازني كذلك, كلهم رجل مؤلم يتحدث, كلهم شاعر, كلهم حصاد الهشيم, كلهم خيوط العنكبوت, كم غصت في لجة الحياة فما فزت بغير الصخور والحجر, مات الفتي المازني ثم أتي, من مازن غيره علي الأثر.
المزيد من مقالات عبدالمنعم رمضان

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.