تعرف على شروط اختيار رئيس الجمهورية لأعضاء المعينين بقانون مجلس النواب    أبناء الجاليات المصرية في أوروبا وأمريكا يحتشدون في بروكسل لاستقبال الرئيس السيسي| صور    رئيس الوزراء يبحث مع وزيرة الدولة للتعاون الدولي القطرية سبل تعزيز التعاون المشترك وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة    محافظ بني سويف يستقبل نائبة وزيرة التضامن ورئيس هيئة تعليم الكبار    عاجل| الرئيس السيسي يصل مقر إقامته بالعاصمة البلجيكية بروكسل    نائب محافظ الجيزة يتفقد مشروعات مبادرة حياة كريمة بمركزي الصف وأطفيح    "الابتكار في إعادة تدوير البلاستيك".. ورشة ببيت ثقافة إطسا| صور    851.4 مليار جنيه تمويلات من الجهات الخاضعة للرقابة المالية خلال 8 أشهر    حرب التعريفات الجمركية و31 تريليون دولار من الديون على طاولة مؤتمر أونكتاد 16    عاجل- السيسي يصل العاصمة البلجيكية بروكسل للمشاركة في القمة المصرية الأوروبية الأولى    عاجل- 30 ألف خيمة إيواء تصل العريش تمهيدًا لدخولها غزة.. تعاون مصري قطري يتوسع ليشمل الصحة وتمكين الشباب    من الإليزيه إلى السجن.. القصة الكاملة حول تمويل القذافي لساركوزي    ماكرون: لا يمكن التفاوض على تنازلات إقليمية إلا من جانب زيلينسكي    شاهد بالبث المباشر آرسنال اليوم.. مشاهدة مباراة آرسنال × أتلتيكو مدريد بث مباشر دون "تشفير" | دوري أبطال أوروبا 2025-26    إصابة سائق وبائع خضروات في مشاجرة داخل سوق أسنيت بكفر شكر بسبب أولوية المرور    الطقس غدًا.. ارتفاع بدرجات الحرارة وشبورة مائية ونشاط رياح والعظمى في القاهرة 33    إصابة 6 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بالفيوم    "تعليم البحيرة" يعلن جداول امتحانات شهر أكتوبر 2025 لصفوف النقل    تجديد حبس المتهم في "جريمة المنشار" بالإسماعيلية    التنمية الحضرية: الاستعداد لحفل كبير ومهرجان شتوي في "تلال الفسطاط" على غرار فعاليات العلمين    إندونيسيا ضيف الشرف معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2026    وزير الآثار: المتحف المصرى الكبير رسالة حضارية وإنسانية وثقافية ترسخ مكانة مصر فى طليعة الدول السياحية الكبرى    نيلي كريم: كنت نفسي في البداية أقدم شخصية "حنان مطاوع" لأنه دور فيه عمق وشجن وحزن    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة الأقصر    دار الإفتاء توضح حكم تصدق الزوجة من مال زوجها دون إذنه    وزير الصحة يبحث مع السفير الفرنسي تنفيذ خطة لتقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    عضو الجمعية المصرية للحساسية: ضعف المناعة والتدخين أبرز محفزات ارتكاريا البرد    ارتفاع إصابات الجدري المائي بين طلاب مدرسة بالباجور إلى 24 حالة    هل الاحتفال بمولد سيدنا الحسين بدعة؟.. أمين الفتوى يجيب    تطورات مطمئنة بشأن إصابة إمام عاشور.. وموقف توروب    أسامة نبيه: لا حديث عن منتخب 2005 بعد الآن.. وعلينا التركيز على المستقبل    التضامن: فتح باب التقديم لحج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه- 2026م.. غدا    وزير الصحة: إدخال تقنيات المستشفيات الذكية والجراحة الروبوتية ضمن المنظومة    قادما من كفر الشيخ.. اصطدام قطار برصيف 3 في محطة مصر    هجوم بطائرة مسيرة يستهدف محيط مطار الخرطوم    تنس طاولة - محمود أشرف: أعتذر عما حدث مع عمر عصر.. ومستعد للمثول للتحقيق    الخميس.. محمد ثروت ومروة ناجى بقيادة علاء عبد السلام على مسرح النافورة    تامر أمين عن سرقة مجوهرات نابليون من اللوفر: اللي يشوف بلاوي غيره يحمد ربنا على نعمة مصر    اليوم، ختام تعديل رغبات الانضمام لعضوية اللجان النوعية بمجلس الشيوخ    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظتي القاهرة وكفر الشيخ    أمينة خليل: أنا وسط البنات اللي في جيلي تأخرت شوية في الجواز    أمريكا وأستراليا توقعان إطارا للمعادن الحيوية والعناصر الأرضية النادرة    الصحة تعلن أهداف النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    إصابة 13 شخصا إثر انقلاب ميكروباص فى العياط    نيويورك تايمز: إدارة ترامب تضغط على نتنياهو لعدم تقويض الاتفاق مع حماس    الدماطي: ياسين منصور الأنسب لرئاسة الأهلي بعد الخطيب.. وبيراميدز منافسنا الحقيقي    ما حكم الاحتفال بالموالد مثل مولد سيدنا الحسين والسيدة زينب؟ وما حكم أفعال بعض الناس خلال الموالد من الذبح والنذور وغيرها من الطقوس ومظاهر الاحتفال؟ وما حكم تشبيه بعض الأفعال الخاصة فى الاحتفالية بمناسك الحج؟    المشرف على رواق الأزهر عن جدل مولد السيد البدوي: يجب الترحم عليهم لا الرقص عند قبورهم    ميدو: كنا نسبق الكرة المغربية.. والعدل في الدوري سبب التفوق    بالصور.. بدء التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك    مباريات اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 والقنوات الناقلة    اجتماع تنسيقي في أسوان لتحديد المهام والتكليفات خلال انتخابات مجلس النواب    مع اقتراب دخول الشتاء.. أبراج تبحث عن الدفء العاطفي وأخرى تجد راحتها في العزلة    أسعار الذهب العالمية تلتقط الأنفاس بعد ارتفاعات قياسية    أشرف عبد الباقي: "السادة الأفاضل" ليس فيلمًا عاديًا    القائد العام للقوات المسلحة يستقبل اللواء محمود توفيق وزير الداخلية للتهنئة بذكرى انتصارات أكتوبر    اتحاد "شباب يدير شباب" (YLY) ينظم جلسة تدريبية حول مهارات التواصل الفعّال ضمن برنامج "تماسك"    خليل الحية للقاهرة الإخبارية: نشكر مصر على جهودها في وقف إطلاق النار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استراتيجية للتصدير
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 08 - 2015

الحديث عن مستقبل الاقتصاد المصرى يتطلب الوقوف على عدد من أهم معالم هذا الاقتصاد، ولعل الملاحظة الأولى هي، أن مجموع الاستهلاك المحلى يجاوز 85% من الناتج الإجمالى المحلي، ومعنى ذلك أن حجم المدخرات المحلية يقل عن 15% من هذا الناتج، وهذه نتيجة طبيعية نظرا لانخفاض متوسط الدخل الفردي، مع التزايد المستمر وغير المنضبط للسكان، ومع انخفاض معدلات الادخار المحلي، فإن قدرة الاقتصاد على الاستثمار (الاضافة الى الطاقة الإنتاجية)، تكون محدودة، ومن هنا حاجاتنا الى استثمارات أجنبية لتعويض النقص فى المدخرات المحلية.
وقد أثبتت التجارب التاريخية، أن ارتفاع معدلات النمو يتطلب زيادة كبيرة فى حجم الاستثمارات المحلية، سواء بتمويل محلى أو أجنبي، وقد استطاعت الصين أن تحقق معجزة اقتصادية فى الربع الأخير من القرن العشرين لأنها تمكنت من تحقيق معدل للاستثمار يتراوح بين 30 35% من الناتج المحلى لمدة ثلاثة عقود منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وقبل الصين، كانت هناك كوريا الجنوبية وغيرها من النمور الآسيوية، والتى حافظت على معدلات للاستثمار فى حدود 30% من الناتج الإجمالى خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي، وهكذا يتضح أن مصر بأوضاعها الاقتصادية الحالية فى حاجة الى استثمارات أجنبية فى حدود 15% سنويا، ولفترة طويلة حتى نستطيع أن نلحق بالمسار الذى حققته الصين ودول جنوب شرق آسيا، واذا كانت دول جنوب شرق آسيا (النمور الآسيوية) قد استطاعت مع إيجاد المناخ الاستثمارى المناسب جذب الاستثمارات الأجنبية، فإن الصين، فى ظل نظام صارم، استطاعت أن تحقق معدلات عالية من الادخار المحلى مع مستوى بالغ الانخفاض للأجور، وهكذا يتضح أن مصر بأوضاعها الاقتصادية الحالية فى حاجة الى الارتفاع بمعدلات الاستثمار الى 30 35% من الناتج الإجمالي، أى ضرورة توفير مدخرات لهذا الحجم، وسواء تم ذلك بمدخرات محلية ومن ثم فرض قيود شديدة على الاستهلاك والأجور أو باتخاذ سياسات مناسبة لجذب الاستثمارات الأجنبية لسد النقص فى المدخرات المحلية.
وبشكل عام، فإنه نظرا لانخفاض متوسط الدخل الفردى فى مصر، فإن هناك حاجة ماسة الى جذب الاستثمارات الأجنبية لتعويض النقص فى المدخرات المحلية، وهكذا، فإن زيادة الاستثمار بمعدلات تتناسب مع ما حققته دول جنوب شرق آسيا، يتطلب من الناحية العملية القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية بمعدلات مرتفعة، الأمر الذى يتطلب إيجاد بيئة استثمارية مناسبة لجذب هذه الاستثمارات الأجنبية، تعويضا عن نقص المدخرات المحلية.
ومما لا شك فيه، أن جذب الاستثمارات الأجنبية يتطلب إيجاد مناخ استثمارى مناسب لهذه الاستثمارات، سواء فى النظم القانونية أو تيسير الإجراءات الإدارية وسهولة المعاملات الإدارية، وبوجه خاص، توفير عناصر البنية الأساسية مادية (طرق اتصالات طاقة..الخ)، أو بشرية (عمالة مدربة وجادة..)، ولكن هناك أيضا عنصرا أساسيا لجذب الاستثمارات الأجنبية، وهو وجود قطاع تصديرى ناجح وفعال وقادر على المنافسة والاتساع، فالمستثمر الأجنبي، وقبل أن يقرر الدخول فى استثمارات محلية، عليه أن يتأكد من إمكان الخروج من السوق المحلية اذا لاحت له فرص أفضل فى أماكن أخري، فهذا المستثمر يريد فرصا واعدة ومجزية، ولكنه يريد أيضا حرية الحركة والمرونة مع القدرة على الانسحاب، ومن هنا أهمية أن يكون البلد المستورد لرأس المال الأجنبى قادرا على توفير العملات الأجنبية عند الطلب، أما اذا كان البلد التراغب فى الاستثمارات أجنبية يعانى من مشكلات الصرف، فهنا يكون دخول المستثمر الأجنبى سهلا ولكن خروجه منها صعب أو حتى غير متاح، ومن هنا يتردد المستثمر الأجنبى فى الإقدام على الاستثمار، برغم احتمال وجود فرص مغرية نظرا لصعوبة الخروج نتيجة لمشكلات الصرف الأجنبي، وبذلك نستطيع أن نفهم السبب فى تركز الاستثمارات الأجنبية فى القطاعات القادرة على توليد عملات أجنبية مثل استثمارات البترول والغاز أو السياحة، فهذه بطبيعتها قطاعات تتمتع بميزة نسبية من حيث توافر العملات الأجنبية، ومن هنا يقبل المستثمر الأجنبى طواعية ضخ استثماراته فى هذه القطاعات، ولكن وجود قطاع تصديرى ناجح لا يساعد فقط على جذب الاستثمارات الأجنبية لما يتوافر له من موارد من العملات الأجنبية، بل إن استمرار هذا القطاع فى التصدير دليل على كفاءته الانتاجية وقدرته التنافسية الدولية.. ومن ثم يقدم الدليل على إمكانية نجاح الاستثمارات الجديدة فيه، خاصة اذا كان هذا القطاع فى الصناعات التحويلية والتى تعتمد على الكفاءة والقدرة على المنافسة، بعكس القطاعات التى تعتمد على الموارد الطبيعية فقط مثل استخراج موارد الطبيعة من المناجم أو الغابات، وهذا ما نجحت فيه الصين ومن قبلها كوريا الجنوبية ونمور جنوب شرق آسيا، وأخيرا الهند وربما تركيا وجنوب إفريقيا، فالنجاح فى الصناعات التحويلية من خلال التصدير هو دليل على ارتفاع الكفاءة والقدرة على المنافسة فى عالم مفتوح، فهذا المصدر يحقق نجاحه بكفاءته وقدرته الانتاجية والتسويقية، وهو لا يستند عادة الى دعم بيروقراطى أو إجراءات حكومية، وإنما يعمل فى إطار من المنافسة والكفاءة، وهكذا فزيادة الصادرات خاصة للصناعات التحويلية لا تزيد فقط من توفير العملات الأجنبية اللازمة للاقتصاد الوطني، وإنما تعتبر عنصرا أساسيا فى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ومعها أفضل التكنولوجيات، فالنجاح فى التصدير هو أحد أهم معالم النجاح الاقتصادي.
واذا نظرنا الى تاريخ الحضارة المعاصرة منذ الثورة الصناعية، فى منتصف القرن الثامن عشر حتى الآن، فإننا نجد أن أكثر الدول نجاحا كانت دائما التى أولت الصادرات والتجارة الخارجية أهمية كبرى فى مسارها السياسى والاقتصادي، فالثورة الصناعية، وقد بدأت فى انجلترا، اعتمدت على التجارة الخارجية والمنافسة على الأسواق، وكانت فرنسا فى ذلك الوقت هى المنافس الأكبر لها، وهى دولة أكبر سكانا وأغنى موارد طبيعية ولا تقل عنها علما، ولكنها كانت أقل منها انفتاحا على الخارج، وعلى حين جاء المفكرون الفرنسيون فى الاقتصاد، خاصة ما يعرف بالفيزوقراط، بالقول بأن جوهر الاقتصاد هو الزراعة والأرض، فإن المفكرين الانجليز بدءا بما عرف بالتجاريين الذين وجدوا فى التجارة أساس النجاح حتى ظهر آدم سميث، مؤكدا أن المنافسة هى سبيل التقدم، وقد انفتحت انجلترا على التجارة الخارجية وتوسعت فيها، حتى بقوة الأسطول، ولم يكن غريبا أن تتقدم انجلترا فى ميدان الاقتصاد وتتخلف وراءها فرنسا، على الرغم مما تتمتع به من موارد تفوق الموارد البريطانية، وعندما بدأت المنافسة فى أوروبا بعد ظهور الثورة الصناعية فى انجلترا، فإن من لحقها فى السباق لم تكن فرنسا ذات الموارد الكبيرة، ولكن ألمانيا والتى اعتمدت على التصدير والصناعة، ومع بداية القرن العشرين ظهر لاعب جديد من شرق آسيا، عندما نهضت اليابان الفقيرة فى الموارد الطبيعية، حين اعتمدت على التصدير والتجارة الخارجية، وربما الاستثناء الوحيد، من هذا التوجه، هو الولايات المتحدة، التى ظلت حتى الحرب العالمية الثانية معتمدة على سوقها الداخلية، والى حد ما على أسواق الأمريكتين، ولعل ما يبرر هذا التوجه، هو أن الولايات المتحدة هى أشبه بالقارة، ومع ذلك، فمنذ نهاية الحرب الثانية، قد انفتحت الشركات الأمريكية على العالم بقوة، وعندما ولد الاتحاد السوفيتي، كان بدوره يمثل هو الآخر ما يشبه القارة المتكاملة، فأوجه الشبه بين الولايات المتحدة وروسيا (الاتحاد السوفيتي) متقاربة، مما دعا المفكر الفرنسى المشهور دى توكفيل الى التأكيد فى نهاية كتابه عن «الديمقراطية فى أمريكا» 1832، إلى القول بأن العالم سيحكمه فى النهاية دولتان: الولايات المتحدة وروسيا، أما الولايات المتحدة، فإنها لم تكتف بقارتها الواسعة، ولا حتى بأمريكا الجنوبية، بل انها بعد الحرب العالمية انفتحت على العالم لتصبح أحد أهم اللاعبين فى التجارة والتمويل العالمي، فى حين انكفأ الاتحاد السوفيتى على نفسه فى اقتصاد مغلق غلبت عليه البيروقراطية فى نظام اقتصادى قائم على الأوامر الإدارية بعيدا عن المنافسة، فتخلفت قدراته التكنولوجية (باستثناء الإنتاج الحربي) حتى سقط النظاك قبل نهاية القرن العشرين، وجاءت تجربة الربع الأخير من القرن العشرين لتظهر ماردا جديدا فى شكل الاقتصادات الناشئة فى جنوب شرق آسيا (كوريا الجنوبية وسنغافورا، وتايوان، وماليزيا)، ثم ظهرت الصين والى جانبها البرازيل والهند وإندونيسيا، وكلها تعتمد على دعم التجارة الخارجية والمنافسة.
وهكذا يتضح من هذا العرض التاريخى الموجز، أن الإنجازات فى عصر ما بعد الثورة الصناعية ترجع الى حد بعيد الى القدرة على المنافسة الدولية وفتح الأسواق الجديدة والمتكاملة معها. وفى مصر، فإن أضعف القطاعات الاقتصادية هو قطاع التصدير، وقد ظلت صادراتنا تعتمد الى حد كبير على عطاء الطبيعة: القطن والمحصولات الزراعية خلال القرن الماضي، ثم الغاز والبترول خلال العقود الماضية، وأخيرا السياحة، أما حين تظهر كفاءة وإنتاجية الاقتصاد فى الصناعات التحويلية، فإن دورها فى الصادرات يكاد ينعدم.
المشكلة الحقيقية هى أننا لم نأخذ الصادرات فى مصر، فى أى وقت من الأوقات، مأخذ الجد، حقا إننا نحتاج الى الصادرات لدفع فاتورة الواردات وهى كبيرة جدا ومتزايدة ولكننا ننسى أنها دليل النجاح فى المنافسة والجودة والكفاءة، حقا حقت، لقد رفعنا شعار تنمية الصادرات، ولكننا لم نفعل ما يكفى لتحويل مصر الى دولة مصدرة وفاعلة فى التجارة العالمية.
واذا أردنا أن نشجع الصادرات حقا، فعلينا أن نعرف ما هى أسباب ضمور الصادرات المصرية وعدم قدرتها على التطور والزيادة، هناك الكثير من الاقتصاديين والمؤسسات الدولية من يرون أن أحد أسباب ضعف الصادرات، هو سعر الصرف الذى لا يساعد على تنافسية الصادرات المصرية، وأنا شخصيا أشك كثيرا فى هذا التحليل، ورغم أن سعر الصرف يلعب دورا ولاشك فى مساعدة الصادرات، فإننى أرى أن السبب الحقيقى يرجع الى عدم كفاءة المنتج المصرى وقدرته على المنافسة مع الإنتاج الخارجي، لسبب بسيط وهو أن السوق المحلية كبيرة وتقبل أردأ المواصفات، فالمنتج المحلى يرى أن الإنتاج بأدنى المواصفات ودون أى رقابة على الجودة أو على المواصفات والمعايير العالمية يجد طلبا كبيرا فى السوق المحلية، وبما يكفل له أرباحا مجزية، فعدم الاعتداد بالمواصفات والمعايير الدولية فى الإنتاج المحلي، يشجع المنتج المصرى على الاستمرار بهذه الجودة المنخفضة، بعكس أسواق التصدير التى تتطلب مواصفات ومعايير للجودة، ولذلك، فإن المنتج والمصنع المصرى يكتفى بالحد الأدنى المقبول فى السوق المحلية، وبذلك يفقد القدرة كلية على دخول الأسواق العالمية، ولا يرجع ذلك الى ارتفاع أسعار الصرف، بل لأن المواصفات المقبولة فى السوق المحلية متدنية لدرجة تمنعه من إمكان الدخول فى الأسواق العالمية، فمشكلة المنتجات المحلية ليست فى أسعارها وإنما فى جودتها، ويرجع ذلك الى التراخى العام فى تطبيق القواعد المقررة من وزارات الدولة المختلفة لمواصفات ومعايير الإنتاج المطلوبة، فالمنافس الأكبر للمصدر المصرى ليس المصدر الصينى أو اليابانى أو حتى الهندي، وإنما هو السوق المحلية التى تقبل تداول أردأ البضائع بلا مراعاة للمواصفات والمعايير ولا حتى مواعيد الصلاحية، السوق المصرية المحلية نظرا لانعدام الرقابة على المواصفات والمعايير هى المنافس الأساسى للصادرات المصرية، فمن هو المنتج المحلى الذى يستطيع أن يطرح على السوق المحلية بضائع مخالفة للمواصفات ومضى تاريخ صلاحيتها دون رقابة، لكى يحاول أن يدخل الأسواق العالمية، وحيث الجدية والرقابة على المواصفات والمعايير ليست من أجهزة الرقابة فى الدول المستوردة وإنما من جانب المستهلك نفسه، الذى لا يقبل هذه النوعية الرديئة من الإنتاج، الارتفاع بمستوى الإنتاج المصرى من أجل التصدير لن يتحقق بالمزايا التى تمنح للمصدرين، فالأمر أولا وأخيرا يرجع الى المنافسة غير المشروعة بين سوق محلية تقبل أردأ الأنواع وبين سوق عالمية تعرف حدودا أدنى للمواصفات والمعايير، المنتج والمستثمر المصرى يتمتع بسوق محلية واسعة، وهى سوق مستعدة لقبول مستويات متدنية من الإنتاج، بلا مواصفات أو معايير، بل كثيرا ما تكون مغشوشة، إصلاح قطاع التصدير يبدأ بإصلاح ورقابة الأسواق المحلية، وعندما تكون السلع فى الأسواق المحلية مطابقة للمواصفات والمعايير الدولية، فهنا فقط يمكن للمنتج المصرى أن يفكر فى أسواق التصدير، المنافس الحقيقى للصادرات المصرية، هو السوق المحلية غير المنضبطة، وعندما تنضبط السوق المحلية من حيث المواصفات والمعايير والصلاحية، عندئذ فقط يمكن للمنتج المصرى أن ينافس فى الأسواق العالمية، النجاح فى التصدير لا يزيد فقط من موارد العملة الأجنبية ولكنه يشجع أيضا الاستثمارات الأجنبية.
والله اعلم
لمزيد من مقالات د.حازم الببلاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.