رئيس جامعة المنوفية يفتتح فعاليات المؤتمر السنوي التاسع والعشرين لكلية الطب    منظمة السياحة: 660 مليار دولار إيرادات دولية للقطاع و33% زيادة بالشرق الأوسط    الإمارات توجه 5 طائرات مساعدات لدعم المتضررين من الفيضانات بكينيا    سامح شكرى لوزيرة خارجية هولندا: نرفض بشكل قاطع سياسات تهجير الفلسطينيين    بلدية المحلة يعود لسكة الانتصارات بفوز ثمين على الداخلية    عواطف رجل إسبانى ورجل ألمانى    بولونيا ضد يوفنتوس| ملخص ريمونتادا مثيرة في الدوري الإيطالي.. فيديو    ماذا غاب عن المتشائمين بشأن الذكاء الاصطناعى؟    تفاصيل لقاء الرئيس السيسي ومجلس أمناء مكتبة الإسكندرية (فيديو وصور)    "السفيرة عزيزة" يجرى جولة فى مهرجان إيزيس الدولى لمسرح المرأة    عبارات تهنئة عيد الأضحى 2024.. خليك مميز    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    البنك المركزي يسحب سيولة بقيمة 3.7 تريليون جنيه في 5 عطاءات للسوق المفتوحة (تفاصيل)    جنايات المنصورة تحيل أوراق أب ونجليه للمفتى لقتلهم شخصا بسبب خلافات الجيرة    أسوان تستعد لإطلاق حملة «اعرف حقك» يونيو المقبل    دعاء اشتداد الحر عن النبي.. اغتنمه في هذه الموجة الحارة    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    أبو علي يتسلم تصميم قميص المصري الجديد من بوما    يورو 2024 - رونالدو وبيبي على رأس قائمة البرتغال    خليفة ميسي يقترب من الدوري السعودي    تعرف على تطورات إصابات لاعبى الزمالك قبل مواجهة مودرن فيوتشر    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    محكمة بورسعيد تقضي بالسجن 5 سنوات مع النفاذ على قاتل 3 شباب وسيدة    ضبط 4 أشخاص بحوزتهم 6 كيلو حشيش فى الدقهلية    زوجة المتهم ساعدته في ارتكاب الجريمة.. تفاصيل جديدة في فاجعة مقتل عروس المنيا    "السرفيس" أزمة تبحث عن حل ببني سويف.. سيارات دون ترخيص يقودها أطفال وبلطجية    العثور على جثة طفل في ترعة بقنا    تأجيل محاكمة 12 متهمًا في قضية رشوة وزارة الري ل25 يونيو المقبل    الجيش الإسرائيلى يعلن اغتيال قائد وحدة صواريخ تابعة لحزب الله فى جنوب لبنان    مصدر سعودي للقناة ال12 العبرية: لا تطبيع مع إسرائيل دون حل الدولتين    برلمانية تطالب بوقف تراخيص تشغيل شركات النقل الذكي لحين التزامها بالضوابط    كيت بلانشيت.. أسترالية بقلب فلسطينى    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    "سيارة الغلابة".. انخفاض أسعار بي واي دي F3 حتى 80 ألف جنيه (صور)    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    رئيس الوزراء يتابع عددًا من ملفات عمل الهيئة المصرية للشراء الموحد والتموين الطبي    «الرعاية الصحية» تدشن برنامجا تدريبيا بالمستشفيات حول الإصابات الجماعية    أفضل نظام غذائى للأطفال فى موجة الحر.. أطعمة ممنوعة    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    السيسي: مكتبة الإسكندرية تكمل رسالة مصر في بناء الجسور بين الثقافات وإرساء السلام والتنمية    المالية: بدء صرف 8 مليارات جنيه «دعم المصدرين» للمستفيدين بمبادرة «السداد النقدي الفوري»    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    أفعال لا تليق.. وقف القارئ الشيخ "السلكاوي" لمدة 3 سنوات وتجميد عضويته بالنقابة    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استراتيجية للتصدير
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 08 - 2015

الحديث عن مستقبل الاقتصاد المصرى يتطلب الوقوف على عدد من أهم معالم هذا الاقتصاد، ولعل الملاحظة الأولى هي، أن مجموع الاستهلاك المحلى يجاوز 85% من الناتج الإجمالى المحلي، ومعنى ذلك أن حجم المدخرات المحلية يقل عن 15% من هذا الناتج، وهذه نتيجة طبيعية نظرا لانخفاض متوسط الدخل الفردي، مع التزايد المستمر وغير المنضبط للسكان، ومع انخفاض معدلات الادخار المحلي، فإن قدرة الاقتصاد على الاستثمار (الاضافة الى الطاقة الإنتاجية)، تكون محدودة، ومن هنا حاجاتنا الى استثمارات أجنبية لتعويض النقص فى المدخرات المحلية.
وقد أثبتت التجارب التاريخية، أن ارتفاع معدلات النمو يتطلب زيادة كبيرة فى حجم الاستثمارات المحلية، سواء بتمويل محلى أو أجنبي، وقد استطاعت الصين أن تحقق معجزة اقتصادية فى الربع الأخير من القرن العشرين لأنها تمكنت من تحقيق معدل للاستثمار يتراوح بين 30 35% من الناتج المحلى لمدة ثلاثة عقود منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وقبل الصين، كانت هناك كوريا الجنوبية وغيرها من النمور الآسيوية، والتى حافظت على معدلات للاستثمار فى حدود 30% من الناتج الإجمالى خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي، وهكذا يتضح أن مصر بأوضاعها الاقتصادية الحالية فى حاجة الى استثمارات أجنبية فى حدود 15% سنويا، ولفترة طويلة حتى نستطيع أن نلحق بالمسار الذى حققته الصين ودول جنوب شرق آسيا، واذا كانت دول جنوب شرق آسيا (النمور الآسيوية) قد استطاعت مع إيجاد المناخ الاستثمارى المناسب جذب الاستثمارات الأجنبية، فإن الصين، فى ظل نظام صارم، استطاعت أن تحقق معدلات عالية من الادخار المحلى مع مستوى بالغ الانخفاض للأجور، وهكذا يتضح أن مصر بأوضاعها الاقتصادية الحالية فى حاجة الى الارتفاع بمعدلات الاستثمار الى 30 35% من الناتج الإجمالي، أى ضرورة توفير مدخرات لهذا الحجم، وسواء تم ذلك بمدخرات محلية ومن ثم فرض قيود شديدة على الاستهلاك والأجور أو باتخاذ سياسات مناسبة لجذب الاستثمارات الأجنبية لسد النقص فى المدخرات المحلية.
وبشكل عام، فإنه نظرا لانخفاض متوسط الدخل الفردى فى مصر، فإن هناك حاجة ماسة الى جذب الاستثمارات الأجنبية لتعويض النقص فى المدخرات المحلية، وهكذا، فإن زيادة الاستثمار بمعدلات تتناسب مع ما حققته دول جنوب شرق آسيا، يتطلب من الناحية العملية القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية بمعدلات مرتفعة، الأمر الذى يتطلب إيجاد بيئة استثمارية مناسبة لجذب هذه الاستثمارات الأجنبية، تعويضا عن نقص المدخرات المحلية.
ومما لا شك فيه، أن جذب الاستثمارات الأجنبية يتطلب إيجاد مناخ استثمارى مناسب لهذه الاستثمارات، سواء فى النظم القانونية أو تيسير الإجراءات الإدارية وسهولة المعاملات الإدارية، وبوجه خاص، توفير عناصر البنية الأساسية مادية (طرق اتصالات طاقة..الخ)، أو بشرية (عمالة مدربة وجادة..)، ولكن هناك أيضا عنصرا أساسيا لجذب الاستثمارات الأجنبية، وهو وجود قطاع تصديرى ناجح وفعال وقادر على المنافسة والاتساع، فالمستثمر الأجنبي، وقبل أن يقرر الدخول فى استثمارات محلية، عليه أن يتأكد من إمكان الخروج من السوق المحلية اذا لاحت له فرص أفضل فى أماكن أخري، فهذا المستثمر يريد فرصا واعدة ومجزية، ولكنه يريد أيضا حرية الحركة والمرونة مع القدرة على الانسحاب، ومن هنا أهمية أن يكون البلد المستورد لرأس المال الأجنبى قادرا على توفير العملات الأجنبية عند الطلب، أما اذا كان البلد التراغب فى الاستثمارات أجنبية يعانى من مشكلات الصرف، فهنا يكون دخول المستثمر الأجنبى سهلا ولكن خروجه منها صعب أو حتى غير متاح، ومن هنا يتردد المستثمر الأجنبى فى الإقدام على الاستثمار، برغم احتمال وجود فرص مغرية نظرا لصعوبة الخروج نتيجة لمشكلات الصرف الأجنبي، وبذلك نستطيع أن نفهم السبب فى تركز الاستثمارات الأجنبية فى القطاعات القادرة على توليد عملات أجنبية مثل استثمارات البترول والغاز أو السياحة، فهذه بطبيعتها قطاعات تتمتع بميزة نسبية من حيث توافر العملات الأجنبية، ومن هنا يقبل المستثمر الأجنبى طواعية ضخ استثماراته فى هذه القطاعات، ولكن وجود قطاع تصديرى ناجح لا يساعد فقط على جذب الاستثمارات الأجنبية لما يتوافر له من موارد من العملات الأجنبية، بل إن استمرار هذا القطاع فى التصدير دليل على كفاءته الانتاجية وقدرته التنافسية الدولية.. ومن ثم يقدم الدليل على إمكانية نجاح الاستثمارات الجديدة فيه، خاصة اذا كان هذا القطاع فى الصناعات التحويلية والتى تعتمد على الكفاءة والقدرة على المنافسة، بعكس القطاعات التى تعتمد على الموارد الطبيعية فقط مثل استخراج موارد الطبيعة من المناجم أو الغابات، وهذا ما نجحت فيه الصين ومن قبلها كوريا الجنوبية ونمور جنوب شرق آسيا، وأخيرا الهند وربما تركيا وجنوب إفريقيا، فالنجاح فى الصناعات التحويلية من خلال التصدير هو دليل على ارتفاع الكفاءة والقدرة على المنافسة فى عالم مفتوح، فهذا المصدر يحقق نجاحه بكفاءته وقدرته الانتاجية والتسويقية، وهو لا يستند عادة الى دعم بيروقراطى أو إجراءات حكومية، وإنما يعمل فى إطار من المنافسة والكفاءة، وهكذا فزيادة الصادرات خاصة للصناعات التحويلية لا تزيد فقط من توفير العملات الأجنبية اللازمة للاقتصاد الوطني، وإنما تعتبر عنصرا أساسيا فى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ومعها أفضل التكنولوجيات، فالنجاح فى التصدير هو أحد أهم معالم النجاح الاقتصادي.
واذا نظرنا الى تاريخ الحضارة المعاصرة منذ الثورة الصناعية، فى منتصف القرن الثامن عشر حتى الآن، فإننا نجد أن أكثر الدول نجاحا كانت دائما التى أولت الصادرات والتجارة الخارجية أهمية كبرى فى مسارها السياسى والاقتصادي، فالثورة الصناعية، وقد بدأت فى انجلترا، اعتمدت على التجارة الخارجية والمنافسة على الأسواق، وكانت فرنسا فى ذلك الوقت هى المنافس الأكبر لها، وهى دولة أكبر سكانا وأغنى موارد طبيعية ولا تقل عنها علما، ولكنها كانت أقل منها انفتاحا على الخارج، وعلى حين جاء المفكرون الفرنسيون فى الاقتصاد، خاصة ما يعرف بالفيزوقراط، بالقول بأن جوهر الاقتصاد هو الزراعة والأرض، فإن المفكرين الانجليز بدءا بما عرف بالتجاريين الذين وجدوا فى التجارة أساس النجاح حتى ظهر آدم سميث، مؤكدا أن المنافسة هى سبيل التقدم، وقد انفتحت انجلترا على التجارة الخارجية وتوسعت فيها، حتى بقوة الأسطول، ولم يكن غريبا أن تتقدم انجلترا فى ميدان الاقتصاد وتتخلف وراءها فرنسا، على الرغم مما تتمتع به من موارد تفوق الموارد البريطانية، وعندما بدأت المنافسة فى أوروبا بعد ظهور الثورة الصناعية فى انجلترا، فإن من لحقها فى السباق لم تكن فرنسا ذات الموارد الكبيرة، ولكن ألمانيا والتى اعتمدت على التصدير والصناعة، ومع بداية القرن العشرين ظهر لاعب جديد من شرق آسيا، عندما نهضت اليابان الفقيرة فى الموارد الطبيعية، حين اعتمدت على التصدير والتجارة الخارجية، وربما الاستثناء الوحيد، من هذا التوجه، هو الولايات المتحدة، التى ظلت حتى الحرب العالمية الثانية معتمدة على سوقها الداخلية، والى حد ما على أسواق الأمريكتين، ولعل ما يبرر هذا التوجه، هو أن الولايات المتحدة هى أشبه بالقارة، ومع ذلك، فمنذ نهاية الحرب الثانية، قد انفتحت الشركات الأمريكية على العالم بقوة، وعندما ولد الاتحاد السوفيتي، كان بدوره يمثل هو الآخر ما يشبه القارة المتكاملة، فأوجه الشبه بين الولايات المتحدة وروسيا (الاتحاد السوفيتي) متقاربة، مما دعا المفكر الفرنسى المشهور دى توكفيل الى التأكيد فى نهاية كتابه عن «الديمقراطية فى أمريكا» 1832، إلى القول بأن العالم سيحكمه فى النهاية دولتان: الولايات المتحدة وروسيا، أما الولايات المتحدة، فإنها لم تكتف بقارتها الواسعة، ولا حتى بأمريكا الجنوبية، بل انها بعد الحرب العالمية انفتحت على العالم لتصبح أحد أهم اللاعبين فى التجارة والتمويل العالمي، فى حين انكفأ الاتحاد السوفيتى على نفسه فى اقتصاد مغلق غلبت عليه البيروقراطية فى نظام اقتصادى قائم على الأوامر الإدارية بعيدا عن المنافسة، فتخلفت قدراته التكنولوجية (باستثناء الإنتاج الحربي) حتى سقط النظاك قبل نهاية القرن العشرين، وجاءت تجربة الربع الأخير من القرن العشرين لتظهر ماردا جديدا فى شكل الاقتصادات الناشئة فى جنوب شرق آسيا (كوريا الجنوبية وسنغافورا، وتايوان، وماليزيا)، ثم ظهرت الصين والى جانبها البرازيل والهند وإندونيسيا، وكلها تعتمد على دعم التجارة الخارجية والمنافسة.
وهكذا يتضح من هذا العرض التاريخى الموجز، أن الإنجازات فى عصر ما بعد الثورة الصناعية ترجع الى حد بعيد الى القدرة على المنافسة الدولية وفتح الأسواق الجديدة والمتكاملة معها. وفى مصر، فإن أضعف القطاعات الاقتصادية هو قطاع التصدير، وقد ظلت صادراتنا تعتمد الى حد كبير على عطاء الطبيعة: القطن والمحصولات الزراعية خلال القرن الماضي، ثم الغاز والبترول خلال العقود الماضية، وأخيرا السياحة، أما حين تظهر كفاءة وإنتاجية الاقتصاد فى الصناعات التحويلية، فإن دورها فى الصادرات يكاد ينعدم.
المشكلة الحقيقية هى أننا لم نأخذ الصادرات فى مصر، فى أى وقت من الأوقات، مأخذ الجد، حقا إننا نحتاج الى الصادرات لدفع فاتورة الواردات وهى كبيرة جدا ومتزايدة ولكننا ننسى أنها دليل النجاح فى المنافسة والجودة والكفاءة، حقا حقت، لقد رفعنا شعار تنمية الصادرات، ولكننا لم نفعل ما يكفى لتحويل مصر الى دولة مصدرة وفاعلة فى التجارة العالمية.
واذا أردنا أن نشجع الصادرات حقا، فعلينا أن نعرف ما هى أسباب ضمور الصادرات المصرية وعدم قدرتها على التطور والزيادة، هناك الكثير من الاقتصاديين والمؤسسات الدولية من يرون أن أحد أسباب ضعف الصادرات، هو سعر الصرف الذى لا يساعد على تنافسية الصادرات المصرية، وأنا شخصيا أشك كثيرا فى هذا التحليل، ورغم أن سعر الصرف يلعب دورا ولاشك فى مساعدة الصادرات، فإننى أرى أن السبب الحقيقى يرجع الى عدم كفاءة المنتج المصرى وقدرته على المنافسة مع الإنتاج الخارجي، لسبب بسيط وهو أن السوق المحلية كبيرة وتقبل أردأ المواصفات، فالمنتج المحلى يرى أن الإنتاج بأدنى المواصفات ودون أى رقابة على الجودة أو على المواصفات والمعايير العالمية يجد طلبا كبيرا فى السوق المحلية، وبما يكفل له أرباحا مجزية، فعدم الاعتداد بالمواصفات والمعايير الدولية فى الإنتاج المحلي، يشجع المنتج المصرى على الاستمرار بهذه الجودة المنخفضة، بعكس أسواق التصدير التى تتطلب مواصفات ومعايير للجودة، ولذلك، فإن المنتج والمصنع المصرى يكتفى بالحد الأدنى المقبول فى السوق المحلية، وبذلك يفقد القدرة كلية على دخول الأسواق العالمية، ولا يرجع ذلك الى ارتفاع أسعار الصرف، بل لأن المواصفات المقبولة فى السوق المحلية متدنية لدرجة تمنعه من إمكان الدخول فى الأسواق العالمية، فمشكلة المنتجات المحلية ليست فى أسعارها وإنما فى جودتها، ويرجع ذلك الى التراخى العام فى تطبيق القواعد المقررة من وزارات الدولة المختلفة لمواصفات ومعايير الإنتاج المطلوبة، فالمنافس الأكبر للمصدر المصرى ليس المصدر الصينى أو اليابانى أو حتى الهندي، وإنما هو السوق المحلية التى تقبل تداول أردأ البضائع بلا مراعاة للمواصفات والمعايير ولا حتى مواعيد الصلاحية، السوق المصرية المحلية نظرا لانعدام الرقابة على المواصفات والمعايير هى المنافس الأساسى للصادرات المصرية، فمن هو المنتج المحلى الذى يستطيع أن يطرح على السوق المحلية بضائع مخالفة للمواصفات ومضى تاريخ صلاحيتها دون رقابة، لكى يحاول أن يدخل الأسواق العالمية، وحيث الجدية والرقابة على المواصفات والمعايير ليست من أجهزة الرقابة فى الدول المستوردة وإنما من جانب المستهلك نفسه، الذى لا يقبل هذه النوعية الرديئة من الإنتاج، الارتفاع بمستوى الإنتاج المصرى من أجل التصدير لن يتحقق بالمزايا التى تمنح للمصدرين، فالأمر أولا وأخيرا يرجع الى المنافسة غير المشروعة بين سوق محلية تقبل أردأ الأنواع وبين سوق عالمية تعرف حدودا أدنى للمواصفات والمعايير، المنتج والمستثمر المصرى يتمتع بسوق محلية واسعة، وهى سوق مستعدة لقبول مستويات متدنية من الإنتاج، بلا مواصفات أو معايير، بل كثيرا ما تكون مغشوشة، إصلاح قطاع التصدير يبدأ بإصلاح ورقابة الأسواق المحلية، وعندما تكون السلع فى الأسواق المحلية مطابقة للمواصفات والمعايير الدولية، فهنا فقط يمكن للمنتج المصرى أن يفكر فى أسواق التصدير، المنافس الحقيقى للصادرات المصرية، هو السوق المحلية غير المنضبطة، وعندما تنضبط السوق المحلية من حيث المواصفات والمعايير والصلاحية، عندئذ فقط يمكن للمنتج المصرى أن ينافس فى الأسواق العالمية، النجاح فى التصدير لا يزيد فقط من موارد العملة الأجنبية ولكنه يشجع أيضا الاستثمارات الأجنبية.
والله اعلم
لمزيد من مقالات د.حازم الببلاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.