الصالونات الأدبية للمرأة بين الأمس واليوم.. ماذا عنها؟ ولماذا لم يعد يسطع فى سمائها نجوم كما كان فى الماضى؟ تساؤل نطرحه إيمانا منا بالدور الريادى الذى قامت به المرأة على مدى التاريخ فى حركة التنوير من خلال صالوناتها الأدبية.. ............................................................................... بداية يستعرض إبراهيم عنانى عضو اتحاد المؤرخين العرب رائدات الصالونات الأدبية على مر العصور قائلا: فى صدر الإسلام برزت "عائشة بنت طلحة" المولودة فى 30 هجرية وسميت باسم عائشة تيمنا باسم خالتها "السيدة عائشة" زوجة "الرسول عليه الصلاة والسلام" وأمضت ثلاثين عاما فى رئاسة الصالونات التى كان يتردد عليها الشعراء أمثال (جرير – الفرذدق – ابن أبى ربيعة) والأدباء والرواة على الصالون بقصرها سواء فى مكة أو فى المدينة أو فى العراق لتصحح لهم وتزيدهم علما وفكرا.. وبرزت أيضا "السيدة سكينة بنت الإمام الحسين" رضى الله عنهما وكانت ذات هيبة ووقار وشجاعة وكانت تصحح للأدباء والشعراء أيضا من خلال صالونها الأدبى.. وفى مصر كانت "السيدة نفيسة" التى كان يرتاد مجالسها "الإمام الشافعى" وكبار الفقهاء ويفخر الشافعى بأنه تعلم على يديها.. ويستكمل عنانى قائلا: وفى العصر الحديث كان صالون الأميرة "نازلى فاضل" ابنة الأمير مصطفى فاضل شقيق الخديوى إسماعيل وكان صالونها له تأثير كبير فى الحركتين الأدبية والسياسية وضم صفوة القوم فى مصر من أمثال (شريف باشا – رياض باشا - لطيف باشا سليم - عمر باشا لطفى –شاهين باشا – قاسم أمين – سعد زغلول – والشيخ محمد عبده ) بل كان يتردد على هذا الصالون كبار رجال الاحتلال البريطانى مثل "اللورد كرومر" و"المستشرق رونالد ستورز" وكانت تتحدث الفرنسية بطلاقة فضلا عن الانجليزية والتركية والعربية.. وكان صالونها له تأثير كبير فى الحركتين الأدبية والسياسية لدرجة أن كتاب "تحرير المرأة "لقاسم أمين يعتبر انتصارا للأميرة نازلى فما هو الترديد لحوارات صالون نازلى فاضل حيث تغير فكر قاسم أمين على يدها بعد أن كانت أحاديثه ضد تحرير المرأة.. أما صالون "مى زيادة" الأديبة والشاعرة فقد كان منارة للثقافة وكان يحضره كبار المفكرين والأدباء وكبار الشخصيات فى مصر والدول العربية من أمثال ( طه حسين وعباس العقاد ومصطفى عبد الرازق ومصطفى صادق الرافعى وحافظ إبراهيم وأحمد شوقى وخليل مطران والدكتور على إبراهيم وغيرهم.. حيث يتبادلون فى عصر كل ثلاثاء أشهى الأحاديث الأدبية والفكرية, وهناك المجاهدة العربية والمربية السورية "ثريا حافظ" التى اطلق عليها "ريحانة دمشق" واختارت لصالونها اسم "منتدى سكينة" تيمنا باسم حفيدة الرسول "صلى الله عليه وسلم" ليكون ملتقى المفكرين والأدباء والفنانين العرب.. وكذلك كان صالون "إنجى أفلاطون" والذى أسسته صاحبته إيمانا بدور للكاتب والكاتبة دورا فى التعبير عن قضايا الوطن وحركات التحرر عقب قيام ثورة يوليو.. ويختتم عنانى استعراضه لرائدات الصالونات الأدبية بصالون "دهيفاء الكيلانى"بفلسطين التى انتقلت عام 1948 إلى لبنان ودرست الاقتصاد وكانت تجيد خمس لغات وصارت أول عربية فى مجلس المرأة البريطانى والاتحاد العالمى للمرأة فى بريطانيا ولتعريف المجتمع البريطانى بمكانة المرأة العربية. وترجع الكاتبة الصحفية سناء صيلحة أسباب عدم وجود الصالونات الأدبية للمرأة بالشكل والكم كما كان فى الماضى لاختلاف العصر وأدواته وعدم الإمكانيات الاقتصادية التى تمكن المرأة حاليا من استضافة مجموعة من البشر فى بيتها وإقامة صالون أدبى كما كان يحدث مع "عائشة التيمورية" أو "مى زيادة" وغيرهن.. وإن كان ذلك متواجد حاليا ولكن فى نطاق ضيق جدا ويحدث على فترات متباعدة.. كما كانت المرأة فى الماضى خطواتها محدودة خارج منزلها ولذا كانت تدعو الناس إلى بيتها بهدف الصالون الأدبى، أما حاليا فهناك طرق كثيرة للقاءات الأدبية مثل التجمع فى المقاهى الثقافية أو فى المكتبات الخاصة واختلف أيضا شكل الصالون التقليدى الذى كان صاحب الدعوة يجلس كالأستاذ ورواد الصالون كالتلاميذ مجرد مستمعين، أما اليوم فهناك تبادل فى النقاش والموضوع هو البطل فى الصالون وليس صاحب الصالون كما كان فى الماضى.. ويقول الكاتب والروائى يوسف القعيد أن هذه الصالونات لم تختف إنما اختلاف وإيقاع العصر قلص بشدة من إقامة هذا النوع من الصالونات، وإن كان هناك محاولات داخل وخارج القاهرة لصالونات أدبية للمرأة ولكنها فى إطار محدود وفقا للإمكانيات الموجودة حيث هناك مشاكل وتعقيدات كثيرة فى المجتمع وأصبحت السياسة تلتهم كل شئ، ولكن مازالت "لوتس عبد الكريم" هنا فى القاهرة و"نجلاء محرم" فى المنصورة وغيرهن القليلات يعقدن مثل هذه الصالونات ولكن ليس بشكلها التقليدى الذى كانت عليه بالأمس وعلى نطاق محدود للغاية.