العِدَّةُ فى الشرع هى مدة زمنية محددة للمرأة التى حصلت الفرقة بينها وبين زوجها (الطلاق أو وفاة الزوج) وتنتظر فيها المرأة وتمتنع عن التزوج بغيره، وبرغم إقرار الفقهاء بأن إحدى حكمها المهمة هى الحفاظ على النسب، إلا أن اختلاف مدتها مع غياب العلم الكونى أدى إلى ذكر عدة حكم متناقضة، مثل تهيئة فرصة للزوجين لإعادة الحياة الزوجية فى حالة الطلاق، وكونها وفاء للزوج المتوفي، وهذا على الرغم من اتفاقهم على ابتداء العدة عقب حدوث الفرقة وإنقضائها بانتهاء مدتها وإن جهلت المرأة بالطلاق أو الوفاة، وكذلك فى حالة انتهاء حمل المرأة عقب الفرقة بغض النظر عن قصر الفترة الفاصلة. ويذهب الكاتب الدكتور كريم عبدالمعبود حسنين أستاذ امراض النساء والتوليد بكلية الطب جامعة عين شمس إلى أن الحكمة هى المحافظة على حقوق الطرف الثالث والضعيف، أى الجنين الناشئ، سواء علم الإنسان بتواجده أو احتمالية تواجده، وتشمل حق النسب، والحياة، والسلامة والصحة، والحقوق المالية وعلى رأسها الأرث، وهذه تمثل أربع من الخمس مصالح الضرورية للناس فى نظر الإسلام، ولذلك شرع الأحكام التى تحفظها. إن توضيح هذا البيان القرآنى فى رعاية «حقوق الإنسان» اثناء الحياة الرحمية أمر عظيم الأهمية فى مواجهة ادعاءات الغرب المتشدق بالسبق فى هذا المجال. وبالتحليل الموضوعى يمكن فهم المقصد من تباين مدة العِدّة، فالآيتان فى البقرة (228، 234) تعرضان لفترة الخصوبة والممتدة لنحو 30-35 سنة من بدء الحيض أو البلوغ إلى توقف الحيض أو الإياس، قال تعالى «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ» وفى صحيح الحديث لا يجوز الطلاق إلا على طهر لم تمس فيه المرأة، وبالتالى فإن النزف الرحمى الدورى فى الحمل المبكر، والذى قد يحدث من الغشاء المتساقط الجدارى المبطن للرحم، وهو يشابه الحيض وقرب موعده المتوقع، ينقضى بطمس التجويف الرحمى الممتلئ بالحمل قبل موعد القرء الثالث، والذى بغيابه يتأكد وجود الحمل (وهو ما يعرفه العامة باسم: حمل الغزلان أو شق الظهر). ومن المعلوم علميا وشرعيا (البقرة: 233، ولقمان 14، والأحقاف: 15)، أن مدة أقصر حمل هى ستة أشهر (من الإباضة إلى ولادة طفل قادر على الاستمرار فى الحياة)، وعليه فقوله تعالى «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» يفيد بأن المرأة إذا ما وضعت طفلا قبل مضى ستة أشهر من زواجها الجديد (أى عشرة أشهر وعشرة أيام من بدء العِدّة) فإنه يُنسب لزوجها المتوفي، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن أقصى مدة حمل ينتهى بولادة طفل حى قادر على الاستمرار فى الحياة أقصر من ذلك بقليل، وبالتالى لا توجد أية شبهة لخلط الأنساب. أما فى سورتى الأحزاب (49) والطلاق (4) فإن عمومهما هو حدوث الفرقة، وذلك بغض النظر عن ذكر الطلاق فقط، لأن هذا ينطبق قياساً على وفاة الزوج، وآية الأحزاب تنتاول الفرقة عقب النكاح دون المساس، قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا»، وذلك للتيقن من إنتفاء وجود أية شبهة لحدوث الحمل، بينما تنتاول آية الطلاق الفرقة أثناء غياب الحيض فى ثلاث حالات، قوله تعالى «وَاللائِى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِى لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ»، (الأولي) اليأس من المحيض: دون إرتياب مع توقف عمل المبيضين بصفة نهائية، وبالتالى غياب الحيض، فلا توجد عِدَّة، بينما هى ثلاثة أشهر حال الإرتياب فى حدوثه، نتيجة اضطراب الدورة وتأخرها والمعروفة بمرحلة ما قبل اليأس؛ (الثانية) عدم حدوث الحيض من قبل: وذلك دون ارتياب فى عدم حدوث الحيض لاحقاً، فالمرأة لم تحض ولن تحض يقيناً على سبيل المثال نتيجة غياب أو فشل المبيضين أو الرحم نتيجة عيب خِلقى أو الاسئتصال الجراحى أثناء الصغر، فلا توجد عِدَّة، بينما هى ثلاثة أشهر حال الارتياب فى حدوث الحيض لاحقا، فالمرأة لم تحض بعد أو لَمَّا تحض، كما فى حالات تأخر البلوغ أو تكيس المبايض، (الثالثة) وجود حمل: استمرار العِدَّة حال استمرار الحمل (بغض النظر عن المدة)، وذلك لتفادى اية شبهة تهديد لحياة أو صحة الجنين، وبوضع الحمل كله يقينا تنتهى العدة. كتاب : شهور العدة بين الطب والعلوم الشرعية المؤلف: د. كريم عبد المعبود حسنين الناشر: دار غريب 2015