السعادة وصفاء النفس و«الرضا بالمقسوم».. كل هذه الصفات ارتسمت على وجه السيدة المصرية البسيطة التى اختارت أن تبدأ حياتها وتعيشها وتنهيها على ضفاف النيل مع زوجها وأولادها دون النظر لقسوة الحياة من برد أو حر أو ضيق الحال.. ولكن فى النهاية الابتسامة وقبول العيش بهذه الحياة هما شعار هذه السيدة التى اختارت «محررة الأهرام» أن تعيش مع أسرتها يوما كاملا على الطبيعة. بدأت رحلتنا بالوصول الى أسر الصيادين بالوراق بركوب معدية الى جزيرة بين البحرين لتصل الى أسر مصرية يبلغ عددها أكثر من 500 أسرة.. وعند الوصول اليهم وسؤالهم كيف تسير حياتهم فى هذا المكان المنسى فاجأنا الرد: «الحمد لله.. عيشة رضا.. معندناش مشاكل» وحتى بعد الإلحاح عليهم تجد الإصرار على الرد «والله نعمة.. عايشين ومبسوطين» تسرد الحاجة إحسان.. أم لثلاثة أولاد أنها وزوجها من محافظة المنوفية، ولكنهما فضلا النزوح الى محافظة الجيزة والعمل فى الصيد.. تلك المهنة التى قد لا تجلب الكثير من الرزق، لم يفكرا فى المستقبل أو مخاطر المهنة وما تواجهه من اندثار يوما من الأيام، فهى مهنة المتاعب ليس فيها أى أمان وليس هناك ما يحميها سوى الله.. «ولكننا اخترنا الحياة والموت على النيل» وتضيف: «يا بنتى المهم الرضا وراحة الضمير الناس كلها عايشة كلنا واحد والحمد لله احنا احسن من غيرنا المهم رضا ربنا ورضا النفس». وكيف تقضين يومك؟ .. نبدأ يومنا من بعد صلاة الفجر تقود مركبنا البسيط بالمجاديف لنصل وسط النيل ويلقى زوجها الشباك لاصطياد ما يرزقه الله، ويستمر على هذا الحال الى ما بعد صلاة العصر. «طبعا لازم اساعد زوجى فى الصيد لأننا شركاء فى الحياة على المر والحلو، حتى إذا مرض يوما من الأيام أقوم بتجديف المركب ورمى الشباك ولمها فى نهاية اليوم.. بالإضافة الى شراء الخضار من السوق وطهى الطعام للأبناء، وبيع الأسماك لتجار الجملة.. نحن لا نحمل هم الأيام، الأكل كله واحد ما دام هناك راحة البال والرزق الحلال والرضا بالمكتوب والمقسوم.. والأولاد تربوا وترعرعوا فى النيل حتى بعد الانتهاء من دراستهم الجامعية فضلوا حياة الصيادين هل تشعرين بأنها مهنة بلا مستقبل؟ يا بنتى أحسن مليون مرة من وجع الدماغ والحمد لله.. عايشين بخير «. وتروى أم حنان قصتها.. فهى تقيم فى قاربها منذ زواجها من أكثر من 18 عاما، وبعد أن توفى زوجها وترك لها ابنتين اتخذت مهنة صيد السمك عملا لها لتعولهما.. وتقول: أستيقظ فى الفجر وأقود القارب الصغير وأرمى شباكى ومعها حمولى على الله.. وأخرج الى السوق لأبيع الأسماك، وأعود لبناتى إلى القارب لأطهو «أى لقمة.. كلها نعمة» أما أسرة الحاجة فتحية والتى تتكون من ستة أفراد هى وزوجها الحاج شحاتة رمضان وأربعة من الأولاد فيرجع اصلهم لوجه قبلى من أسيوط ويملكون بيوتا هناك إلا أنهم اختاروا العمل والعيش فى مصر بالأخص بين أحضان نيل القاهرة.. وعن السبب تقول هو عشق حياة الصيادين والجرى وراء الرزق. وتحكى الحاجة فتحية رحلة البحث عن المتاعب التى هى بالنسبة لها رحلة الحب والأمل فى الغد.. تقول اننى وأسرتى قررنا أن نكمل الحياة على النيل، وتضحك قائلة: «حد يطول يعيش فى النيل وينام ويصحى على منظر النيل، الناس بتتهافت على شراء بيت يطل على النيل أو خروجة على الكورنيش، واحنا عايشين ببلاش هنا.. كل ما ندفعه هو تصريح العمل بالصيد الذى يكلفنا حوالى 300 جنيه سنويا، أما حياتنا فنقضيها ما بين السمك سواء بعناه او أكلناه.. كله حلو.. مافيش مشكلة.. الناس تظن أننا نعانى من العديد من المشاكل، لكننا نرى أن الإنسان هو الذى يصنع المشاكل بطمعه فى كل شىء وليست المشاكل هى التى تجرى وراءه، الحياة بسيطة لمن يريد أن يعيشها بحب وسلام.