أمانة الشيوخ تعلن استقبالها الأعضاء المعينين الخميس المقبل    وزير الري: مصر كانت وما زالت منبرًا للتعاون والعمل العربي والإسلامي المشترك    غدًا، اتحاد الغرف التجارية ينظم «ملتقى الأجيال فى مجال الأعمال»    الدقهلية تستعد لزراعة 27 ألف شجرة في 6 مراكز    تخدم 50 ألف نسمة.. محافظ قنا يفتتح محطة مياه أبو شوشة المدمجة    إزالة 14 حالة تعد على مساحة 16 ألف متر مربع بأسوان.. صور    وزير قطاع الأعمال يواصل لقاءاته الدورية مع قيادات الشركات القابضة    ترامب ل الإسرائيليين: دمرنا حزب الله ولن نسمح بتكرار هجوم 7 أكتوبر    وزيرة خارجية لاتفيا: نشكر مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة على جهود الوساطة    عضو بالشيوخ: قمة شرم الشيخ لحظة فاصلة لإحياء العدالة الدولية فى فلسطين    استبعاد نجم ميلان من قائمة البرتغال ضد المجر    لاعب العراق: أرنولد طور الأداء والسعودية منافس قوي    المصري ينشر تعديلات لائحة النظام الأساسي قبل عمومية 17 أكتوبر    ضبط صانع محتوى بالإسكندرية لنشره أغانٍ خادشة للحياء    مصرع شخص غرقا فى مياه ترعة بمركز أبو كبير بالشرقية    غدا طقس خريفي نهارا مائل للبرودة ليلا والعظمى بالقاهرة 28 درجة والصغرى 19    محافظة بورسعيد: جارٍ السيطرة على حريق بمخزنين للمخلفات بمنطقة الشادوف    ترامب: ويتكوف شخص عظيم الكل يحبه وهو مفاوض جيد جلب السلام للشرق الأوسط    انطلاق الدورة الرابعة من معرض الأقصر للكتاب منتصف أكتوبر    ضوابط جديدة من المهن الموسيقية لمطربي المهرجانات، وعقوبات صارمة ل2 من المطربين الشعبيين    دار الإفتاء توضح حكم التدخين بعد الوضوء وهل يبطل الصلاة؟    عبلة الألفي: صحة المرأة وتمكينها أساس التنمية المستدامة    الأمن الروسى يحبط هجوما إرهابيا لاستهدف ضابط رفيع المستوى فى موسكو    تموين الفيوم تلاحق المخالفين وتضبط عشرات القضايا التموينية.. صور    خالد جلال ضيف بودكاست كلام فى السينما مع عصام زكريا الليلة على الوثائقية    ضبط عامل لاتكابه أفعال خادشة للحياء بسوهاج    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    «حسام زكي»: الموقف المصري كان له بالغ الأثر في تغيير دفة الحوار السياسي    وكيل صحة سوهاج فى زيارة مستشفى جرجا : لا تهاون مع أى تقصير فى خدمة المواطن    فحص 1256 مواطنا وإحالة 10 مرضى لاستكمال الفحوصات بقافلة طبية فى مطوبس    رئيس جامعة أسيوط يترأس لجنة اختيار عميد كلية التجارة    جامعة بنها: فحص 4705 شكاوى بالمنظومة الموحدة.. تفعيل نقطة اتصال جديدة لخدمة المواطنين    بعد منحها ل«ترامب».. جنازة عسكرية من مزايا الحصول على قلادة النيل    محمد رمضان يوجّه رسالة تهنئة ل«لارا ترامب» في عيد ميلادها    "هتفضل عايش في قلوبنا".. ريهام حجاج تنعى الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي    حجز محاكمة معتز مطر ومحمد ناصر و8 أخرين ب " الحصار والقصف العشوائي " للنطق بالحكم    لحضور أولى جلسات الاستئناف.. وصول أسرة المتهم الثاني في قضية الدارك ويب لمحكمة جنايات شبرا    البيت الأبيض: ترامب يتابع إطلاق الرهائن من على متن الطائرة الرئاسية    الأمم المتحدة: إحراز تقدم في إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    اليوم.. بدء استيفاء نموذج الطلب الإلكتروني للمواطنين المخاطبين بقانون «الإيجار القديم» (تفاصيل)    شراكة بين أورنچ مصر وسامسونج إلكترونيكس لتجربة الأجهزة المتعددة المدعومة بالذكاء الاصطناعي    الليلة بمسرح السامر.. قصور الثقافة تطلق ملتقى شباب المخرجين في دورته الرابعة    وزير السياحة يترأس اجتماع مجلس إدارة هيئة المتحف القومي للحضارة المصرية    إليسا تشارك وائل كفوري إحياء حفل غنائي في موسم الرياض أكتوبر الجاري    ارتفاع أسعار النفط مع بوادر تراجع حدة التوتر التجاري بين الصين وأمريكا    تشكيل منتخب فرنسا المتوقع أمام آيسلندا في تصفيات كأس العالم 2026    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    أوقاف السويس تبدأ أسبوعها الثقافي بندوة حول المحافظة البيئة    الدرندلي بعد فوز المنتخب: "أول مرة أشوف جمهور مصر بالكثافة دي"    مصطفى شوبير: لا خلاف مع الشناوي.. ومباريات التصفيات ليست سهلة كما يظن البعض    إعلان أسماء مرشحي القائمة الوطنية بانتخابات مجلس النواب 2025 بمحافظة الفيوم    رئيس «الرعاية الصحية» يتفقد مجمع الفيروز بجنوب سيناء استعدادًا لقمة شرم الشيخ    انتظام اللجان الخاصة بالكشف الطبي لمرشحي انتخابات مجلس النواب بالأقصر    هل يجوز الدعاء للميت عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟.. «الإفتاء» توضح    عيار 21 الآن في الصاغة.. سعر الذهب اليوم الإثنين 13_10_2025 بعد الزيادة الجديدة    قبل عرضه بمهرجان الجونة.. طرح البوستر الرسمى لفيلم «50 متر»    البطاقة 21.. غانا تتأهل لكأس العالم 2026    بولندا تواصل تألقها بثنائية في شباك ليتوانيا بتصفيات المونديال الأوروبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بعد افتتاح قناة السويس الجديدة
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 08 - 2015

بافتتاح مشروع قناة السويس الجديدة يكون المصريون قد أنجزوا أول مشروع قومى ضخم بعد ثورتى يناير ويونيو. والواقع أن هذه التجربة كانت من الأهمية
بمكان، على النحو الذى يجب تحليلها بدقة. فقد انطوى المدى الزمنى الذى تم فى إطاره تنفيذ هذا المشروع العملاق، والآليات التى تم تنفيذه بها على عدد من الدروس والدلالات المهمة التى يمكن، بل يجب، أن تدشن لمرحلة جديدة فى حياة الدولة والمجتمع المصري، وآليات وسياسات التنمية، بل ولا نبالغ إذا قلنا إنها يمكن أن تدشن لمرحلة جديدة فى طبيعة الدولة المصرية، ونمط العلاقة بين الدولة والمجتمع. ونشير فيما يلى إلى بعض هذه الدلالات والدروس.
الدرس الأول، يتعلق بطبيعة دور الدولة فى إدارة عملية التنمية، فالدرس الذى تقدمه تجربة هذا المشروع أنه لا مفر من دور محورى للدولة فى هذا المجال. فمع الاعتراف بخصوصية مشروع قناة السويس الجديدة، بالنظر إلى خصوصية الموقع وعلاقته القوية بالأمن القومى المصري، بل والأمن القومى العربي، ما فرض دورا قويا للدولة المصرية، والجيش المصرى بشكل خاص، لكن لا يمكن إغفال ما كشفت عنه خبرة هذا المشروع من أهمية الدور المحورى للدولة المصرية فى إدارة عملية التنمية بشكل عام، من خلال سلسلة المشروعات القومية، على نحو يمكن أن يؤسس لبناء نموذج مصرى فى «الدولة التنموية»developmental state، وهو النمط الذى قامت عليه التجارب التنموية الآسيوية (اليابان، وكوريا الجنوبية، والصين، وماليزيا وغيرها من دول جنوب شرقى آسيا). وواقع الأمر أن اللحظة الراهنة فى مصر مهيأة بدرجة كبيرة لتدشين هذا النموذج (راجع مقال الكاتب فى هذا الشأن، المنشور بجريدة الأهرام فى 30 يونيو 2015). ولا يمكن بالطبع إنكار أهمية دور القطاع الخاص فى عملية التنمية، وهو دور فرضته السياسات الاقتصادية والتجارية العالمية الراهنة، فضلا عن الأدبيات الاقتصادية، لكن خبرة مصر، والدول النامية بشكل عام، تشكك فى إمكان المراهنة على هذا القطاع فى إنجاز هدف التنمية، وهى شكوك تستند إلى خبرة دور القطاع الخاص منذ بدء تجربة الانفتاح الاقتصادى وحتى الآن. وتستند كذلك إلى ثقافة وتوجهات هذا القطاع، ونمط علاقاته بالاقتصاد العالمى والأسواق الخارجية. فقد هيمن على القطاع الخاص السعى إلى تعظيم مكاسبه المالية أكثر من الإيمان بهدف إعادة هيكلة الناتج المحلى أو هيكل الصادرات الخارجية. والواقع أنه لم يعد هناك وقت لتضييعه انتظارا لتغير طبيعة وقيم القطاع الخاص.
الدرس الثاني، يتعلق بآليات تمويل التنمية. فقد أعاد مشروع قناة السويس الجديدة الاعتبار لآلية التمويل المحلى الوطنى لمشروعات التنمية. ويشير استقراء التجارب التنموية الدولية الجديدة والناشئة إلى اعتماد هذه التجارب على إحدى آليتين للتمويل، أو المزج بينهما بطرق مختلفة، أولهما التمويل من خلال الاقتراض الخارجي، وثانيهما الاعتماد على التمويل المحلي. ومرة أخرى، رغم الطابع الخاص لمشروع قناة السويس الجديدة، على نحو فرض ضرورة الاعتماد على آلية التمويل المحلى الوطنى للمشروع، إلا أن هذا لا ينفى حقيقتين مهمتين. الأولى هى عدم وجود ما يمنع من إعادة إنتاج التجربة ذاتها فى مشروعات قومية أخرى، فالمعيار الأساسى هو تمتع مثل هذه المشروعات بالمصداقية، وهو شرط لا يتوافر فى أى مشروع بقدر ما يتوافر فى حالة المشروعات التى تتسم بوضوح المكون الحكومي، وهو ما يعيدنا مرة أخرى لإعادة تأكيد أهمية الدور المحورى للدولة فى عملية التنمية فى مصر، فى إطار إستراتيجية الدولة التنموية. الحقيقة الثانية، هى ما أكدته تجربة مشروع قناة السويس الجديدة من وجود فرصة كبيرة للاعتماد على التمويل المحلي، وقابلية توجيه جزء كبير من المدخرات المحلية إلى المشروعات التنموية القومية، ووجود استعداد كبير لدى المواطنين لتعديل نمط توزيع سلة مدخراتهم لمصلحة المشروعات التنموية. ولا يقلل من أهمية هذه الآلية ما انتقده البعض بأن تجربة مشروع قناة السويس أسست لنظامين لمعدل الفائدة على المدخرات والأوعية الادخارية، وهو أمر متوقع فى حالة التوسع فى تلك الآلية، وعلى نحو قد يؤثر سلبا على استقرار النظام المصرفي. غير أن هذا الانتقاد مردود عليه من أكثر من زاوية. فمن ناحية، فإن هذا التعدد موجود وقائم بالفعل داخل الجهاز المصرفي، سواء بين الأوعية الادخارية المختلفة أو بين البنوك وبعضها البعض بالنسبة لنفس الأوعية الادخارية. ومن ناحية أخرى، وحتى بافتراض استمرار وجود مثل هذا التمييز بين معدل العائد على المدخرات المحلية فى البنوك، وتلك الموجهة إلى المشروعات القومية، فإن طبيعة النمط الثاني، والمكاسب المتوقعة بالنسبة للاقتصاد القومى نتيجة هذا النوع من الاستثمارات تبرر وجود هذا التمايز، سواء لجهة الدور الطبيعى للسياسة النقدية والمالية الحكومية كأداة مهمة لتوجيه المدخرات لاستثمارات بعينها، أو لجهة الدور الذى تلعبه استثمارات بعينها فى دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتغيير هيكل الاقتصاد.
وبالإضافة إلى المبررات الاقتصادية السابقة، فإن اعتماد آلية التمويل المحلى للمشروعات القومية يعمق بالتأكيد الشعور بامتلاك عملية التنمية وتطوير علاقة مصلحية قوية بين المواطن وتلك العملية، وهى مسألة ربما تكون مهمة لتدشين عملية التنمية ولتعميق الأساس المصلحى للمواطنة، بجانب الأسس الرمزية. وهكذا، فإن هناك مبررات قوية، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، لاعتماد آلية التمويل الوطنى المحلى لعملية التنمية على نحو ما دشنته تجربة مشروع قناة السويس الجديدة.
الدرس الثالث يتعلق بالبيروقراطية المصرية والجهاز الإدراى للدولة. وتنطوى تجربة مشروع قناة السويس فى تقديرى على ثلاثة دروس مهمة فى هذا الإطار، أولها هو قدرة البيروقراطية والجهاز الإدارى للدولة على تحقيق مثل هذا الإنجاز رغم كل الظروف الأمنية والاقتصادية التى جرى فى سياقها تنفيذ هذا المشروع. وثانيها، هو أهمية «الإدارة بالأهداف»، بمعنى الالتزام بتحقيق هدف معين بحلول تاريخ زمنى محدد. ولم يكن من المتوقع إنجاز هذا المشروع فى حالة اعتماد آليات العمل التقليدية المعمول بها داخل الجهاز الإدارى للدولة. ولاشك أنه يجب نقل دروس هذه التجربة إلى باقى مشروعات التنمية، كما يجب إصلاح الجهاز الإداري، وإعادة النظر فى ترسانة القوانين التى مازالت تقف عائقا أمام تحقيق الانطلاقة التنموية المأمولة، وأمام تحول الجهاز الإدارى إلى فاعل ومشارك فى صنع وتنفيذ سياسات التنمية. وثالثها، أنه لا مفر من دور مهم للدولة فى تنفيذ مشروعات التنمية، على نحو ما تم التأكيد عليه أعلاه.
وبالإضافة إلى تلك الدروس، فإن إنجاز هذا المشروع ينطوى على بعض الدلالات والمعانى المهمة، أهمها هو انتقال نظام يونيو، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، من نمط من الشرعية السياسية مزج بين مصادر مختلفة توزعت بين المشاركة فى حماية ثورة يونيو، وإنقاذ البلاد من مخاطر سياسية وأمنية يصعب وصفها فى حالة استمرار هيمنة الإسلام السياسى على الحكم، بجانب صندوق الانتخابات، إلى نمط من الشرعية السياسية استند بالإضافة إلى كل ما سبق إلى «شرعية الإنجاز الاقتصادي». فمع أهمية نمط شرعية ما بعد يونيو، إلا أن استمرار الاعتماد على هذا النمط لفترة طويلة دون الانتقال إلى شرعية الإنجاز كان سينطوى على خطر. وقد عبر عن حدوث هذا الانتقال خروج أعداد كبيرة من المواطنين إلى الميادين، بما ذلك ميدان التحرير، فى واحدة من المرات المعدودة، ليس للتظاهر هذه المرة أو لتفويض القيادة السياسية فى حربها ضد الإرهاب، ولكن للاحتفال بافتتاح مشروع تنموى كبير. فضلا عن ظاهرة الاستحضار الشعبى المكثف لعلم مصر، وهى ظاهرة جديدة أيضا يجب تسجيلها، إذ غالبا ما اقتصر استحضار العلم على الأحداث السياسية، أو المناسبات الوطنية، أو حالات تحقيق نصر ما فى مواجهة الآخر الخارجى (السياسى أو الرياضية إلخ)، لكن عندما يتم استحضاره فى مناسبة تتعلق بإنجاز اقتصادى فإن لذلك دلالات مهمة يجب رصدها.
لمزيد من مقالات د. محمد فايز فرحات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.