أسامة حبشي فنان مصري متمرد (1970) يعمل في الإخراج السينمائي (حمام شعبي يوم عادي) وفي الكتابة الروائية التي تطرق أبوابا جديدة في التناول وفي المضمون (حجر الخلفة سرير الرمان مسيح بلاتوراه رواية عن التونسي الشهيد: محمد البوعزيزي وغيرها) هو يشغل منصبا في المجلس الأعلي للثقافة، يسافر ويتابع المؤتمرات الفنية والأدبية الجادة في الداخل والخارج بالكتابة في الصحافة الثقافية والأدبية. مع كل هذا الانتاج والعمل الغزير اعترف بالتقصير كقاريء في متابعة عمله وانتاجه الفني. رواية (1986) الرواية التي صدرت له هذا العام عن (دار العين للنشر) بطاقة تعريف جيدة، بكاتب يقدم كتابة جديدة فيها تعبير شعري درامي عن واقع جيل ما بعد هزيمة 1967، جيل بداية الهجرة إلي بلاد النفط، ودمار القرية المصرية الحانية القديمة بتراثها الفني، وندي حقولها الخضراء. «الآن غابت القرية وغابت الأرض المعطرة بالندي، وغابت رائحة الليمون والأزهار من جناين كانت تحرس فرحتي، كنت عن جد أتكلم مع أوراق الشجر.. كنت أخشي فقط «الشبورة» وأقول لها: أنت غريمتي أيتها الروح الضبابية الحزينة. الكاتب ابن هذا الجيل. وبطل الرواية كاتب يعاني داخليا هلاوس وكوابيس نتيجة عجزه عن إتمام مشروع الرواية التي بدأ في كتابتها واختار لها هذا العنوان «1968» وكتب فعلا عددا من الفصول ولكنه توقف. الرواية هي هذا الجحيم الذي ندخله معه بحثا عن معني العنوان ودلالة التاريخ: هل هو بداية الافاقة بعد الصدمة، أم هو ثورة الشباب في كل العالم، أم مؤتمر اللاءات ثلاثة في الخرطوم. لقد كتب في أول الفصول كلمات من بيان عبد الناصر الذي يقدم فيه للأمة بيان 30 مارس حيث يقول: «الآن يصبح في امكاننا أن نتطلع إلي المستقبل.. وقبل الآن فإن مثل ذلك لم يكن ممكنا إلا بالاستغراق في الأحلام والأوهام»! العمل في يد الكاتب أسامة حبشو كأنه مرآة مصقولة يحركها أمام عين القاريء في آشعة الشمس،. بقع الضوء الساطعة تنتقل من تاريخ عائلة الكاتب السارد الذي يعيش أزمة الكتابة بكل ما فيها من غني ووجع: الأم «عبدة الدار» التي كاد الجد يتخلص منها لأنه يريد الولد، والولد الذي يعشق جنيه البحر ونساء القرية ثم محور أساسي في الرواية الأخت، نرجس« التي ولدت بتشوه في يدها حرمها من أصابع خمسة، وعانت ما عانته أمها من رفض والدها لها، فلم يناد باسمها طوال حياته معها بل كان يناديها «بالقرادة» وضربها في فورة غضب ببابور الجاز المشتعل فحرق نصف وجهها إلي الأبد.. نرجس تهوي الصيد وتحنيط الحيوانات. وتبحث في المقابر عن أصابعها الناقصة. للسارد الروائي أخت أخري لا أسم محددا لها كل فرد من العائلة يناديها باسم «إلا خالها «الشبح»!؟ تخرج الرواية من هذه الدنيا الغنية بحكايات الجنيات والأشباح وقصص كليلة ودمنة، ونرجس ترعي الأخ الكاتب بعد دمار لدار، وتحوله إلي عماير تشبه علب الكبريت بنتها أموال العائدين من هجرات النفط. المرآة العاكسة التي يحركها الكاتب في آشعة الشمس تأخذنا إلي رحلة في الصحراء بحثها عن الواحة المفقودة، الواحة البيضاء، واحة «زرزورة«الحقيقة والوهم: صورها وبابها المغلق المعلق عليه صورة الطائر، والكتب التي كتبت عليها ثم رحلة إلي ايطاليا إلي تورنيو حيث غرام مشتعل فوق الثلج. لا تدري هل يهرب الكاتب من روايته المغلقة أم من حياته كلها حيث تزوج وأنجب ولدا أخذته أمه وتزوجت رجلا آخر وعلمت الولد كراهية أبوه. في حي «الأبجية» تحت جبل المقطم قرب مقام أمام العاشقين «عمر ابن الفارض» تدخل الرواية منعطفا جديدا في مدينة بلا عصافير أو حقول. تستمر معاناة الكاتب الذي هجرته الكتابة بعد أن حقق نجاحا مؤقتا دام فترة ثم انقشع، قاده إلي جحيم دوائر المثقفين في مربع القتلة الذين يجتمعون كل ثلاثاء ويتبادلون الانجاب وقتل المواهب، والبحث عن تسلق ما يقربهم من السلطة التي تضمن النجاح والصعود. خادم مقام ابن الفارض تراجيديا جديدة تتشابك مع مأساة الكاتب الذي هجره أبنه وهجرته الكتابة. عبد الله خادم المقام هجر السلطة من مكان قريب من رأسها، وهجر عائلته وولديه «وساح» في عشق الله وراء «هند» التي سحره جمالها ونادته الروح الساكنة خلف هذا الجمال: أسلمت لك روحي فأقبل بها إن شئت إن لم تشأ فعذبها كما تريد فالعذاب منك شفاء. عائلة عبد الله خادم المقام تكمل بقع الضوء الحارق الذي يشغل صفحات الرواية: فله ولدان أصابهما العشق وهاما في بحاره، أحدها عشق «شهد» فتاة الليل التي تتوب وتنتحر بعنق زجاجة بيرة في صحن المقام. ما كل هذا الغني والثراء. وهل أراد الكاتب أن يترك بقع النور متناثرة هكذا؟ «نرجس» تريد العودة إلي البلد. هذا لم يعد ممكنا. هي ماتت، القرية لم تعد موجودة. والكاتب مات إلي جوارها والنص لم يكتمل: 1968 «قلبي يحدثني بأنك متلفي روحي فداك عرفت أم لم تعرفي. سلطان العاشقين. لمزيد من مقالات علاء الديب