تعجبت كثيرا مما يحدث حول وزير الثقافة الدكتور عبدالواحد النبوي، من جانب البعض المحسوبين أنهم المثقفون فى هذا البلد.. وكأن الوطن أصبح مقصورا عليهم، وما دونهم غير مثقفين!! فقد هاج وارتفع صياح وصل إلى حد الصراخ الزاعق هؤلاء ضد الوزير، بسبب مباشر وهو تغيير البعض ممن يشغلون مناصب قيادية فى الوزارة وهم منتدبون من جهات عملهم الأصلية فى بعض الجامعات أو الأكاديميات وجهات أخري، وبعضهم لم تتجاوز درجته الجامعية درجة «مدرس» أى لم يحصل حتى على أستاذ مساعد!! وبعضهم مستمر فى عمله (الندب) سنوات طويلة منذ عهد فاروق حسنى (وزير لمدة 23 سنة!!) والإتيان بشخوص جدد لهم فى الثقافة (فكرا شعرا أدبا.. الخ). وعلى ما يبدو أن السيد الوزير أراد أن يثبت للمجتمع أن هناك وجوها أخرى لكنها ليست تحت الضوء من شدة سيطرة الأقلية على الإعلام!! وأراد أن يستجيب لإرادة الثورة فى إحداث التغيير المنشود فى مواجهة شبكات المصالح المتعاضدة التى وصلت إلى الفساد المركب كما هو حادث فى كل وزارات مصر ومؤسساتها نتيجة وجود مبارك رئيسا لمدة 30 سنة، وفى داخل وزارة الثقافة كان وزيرا واحدا يشغل 23 سنة من مدة حكم مبارك! وكان أغلب العاملين على قمة الهرم الثقافى فى مصر طوال عهد مبارك ووزيره وإلى أن جاء الوزير النبوي، هم جزء لا يتجزأ من هذه الشبكة التى وصلت إلى عصابات المافيا، وقد تشرفت أيام وجودى نائبا عن الشعب وحاميا للمال العام، أن فجرت هذه القضايا تحت القبة ضد وزيرى الثقافة والإعلام، وكشفت للرأى العام فساد هؤلاء وبالأسماء!! والغريب فى الأمر أن بعضا منهم يدعى الثورية، ومحاولة الصاق تهمة «الإخوانية» للوزير الذى لم أكن أعرفه من قبل بل سمعت عنه أستاذا جامعيا ملتزما ووطنيا، وذلك للإبقاء على الأوضاع القائمة فى الوزارة، واعاقة عملية التغيير حفاظا على المصالح الخاصة والتبادلية بين من يشغلون هذه المناصب، وبين المحسوبين على المثقفين خارج الوزارة، ففى تغيير بعض القيادات ضرب لمصالح هؤلاء وكشف للفساد المستشرى فى وزارة الثقافة، فهل كل هذه الضجة لمجرد تغيير شخصين أو ثلاثة؟! أو هو استمرار لهيمنة وتسلط شبكات الفساد للحيلولة دون التغيير والتطهير؟! الإجابة بالقول الحاسم: هى كل هذا لقد نجح فاروق حسنى فى استقطاب كل هؤلاء الذين يحاربون وزير الثقافة الحالي، عن طريق المناصب والأموال ومنح الجوائز المالية الضخمة فى بلد فقير وشعب أكثر فقرا وبؤسا، واللهاث وراء جائزة مبارك للتفوق، وذلك بهدف ادخال كل هؤلاء حظيرة النظام المباركى ليسبحوا بحمده؟ ويجرون فى ركابه ويسعون لمقابلته. ولا أنسى يوم أن تم تزوير انتخابات برلمان 2010م قبل الثورة، أن دعا فاروق حسنى أغلب هؤلاء للقاء مبارك فاستجابوا ولم يسمع لهم صوت قد عارض التزوير وإسقاط كل المعارضة، وأنا واحد منهم، ولا تحدث عن سياسة ثقافية جديدة، بل ان أحاديتهم بعد اللقاء والمنشورة فى الصحف القومية آنذاك، ولدى أرشيف بها، تحدثوا غزلا فى الرئيس وقراراته العظيمة ووده ودفئه!! الأمر الذى جعلنى أخجل من أن هؤلاء رموز للمثقفين فى مصر. ولأننى وجدت عددا من هؤلاء فى مقابلة الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ عدة أشهر، كتبت رافضا أن يلتقى بأى من حملة المباخر لكل نظام . ولاشك أن التطهير من رموز نظامى مبارك والإخوان فريضة ثورية فى كل المجالات وخصوصا «الإعلام والثقافة» للدور الخطير الذى يلعبه هؤلاء فى التلاعب بعقول ووجدان الشعوب، وخاصة الشعب المصرى العظيم، ولذلك فإن أجهزة الرقابة لابد من أن تساعد الحكومة فى كشف البعض من الوقائع المشينة لم يتم تغييرهم وتطهير هذه الوزارة وغيرها منهم لتعرية الراغبين فى أن يقدموا أنفسهم «أبطالا» ولكنهم نمور من ورق!! وأكاد أشير مما سمعته أذناى من أجهزة رقابية عندما استفسرت ممن أثق بهم، أن شخصا معزولا من الوزارة كان يضيء اللمبة الحمراء ولديه سيدة تم تعيينها مباشرة فى درجة «وكيل وزارة» بتعليمات وزير سابق، مجاملة له!! وأعلم أيضا أن حجم العمولات عن الكتب المطبوعة والرشاوى المدفوعة بلا حصر!! الأمر الذى يجعل الشعب يطالب بنشر ذلك على الرأى العام لعدم تضليله، ووقف مسلسل الإرهاب الفكرى الذى تمارسه القلة حفاظا على مصالحهم الخاصة ولا علاقة لهم بمصالح الوطن والشعب المصري. ولا شك أن الحديث سيتكرر، ولكن كنت أود أن أقول إن الثقافة والإعلام، لابد لهما من سياسات جديدة، وهى مسئولية المثقفين الحقيقيين وليس المدعين، وهؤلاء كثر، وعلى الوزير أن يظهرهم فى أكبر تحد يواجهه ويواجه الحكومة. كما أننى أرى أن خطابا ثقافيا جديدا يهزم الإرهاب بالتنسيق مع الوزارات الأخرى يستحضر علماء الدين للحديث فى اللقاءات الثقافية الحوارية، أمر ضروري، كما أن التنسيق بين «الواحات والجزر المنعزلة» داخل وزارة الثقافة مهمة جديدة للوزير، الذى عليه وبقدراته أن يقوم بالتعبئة لإنجازها واجبا وطنيا، كما أن الجوائز وقيمتها تستدعى المراجعة حتى لا تكون وسيلة لشراء ذمم المثقفين لنفخر بالحصول عليها، وتغيير مسمى ووظيفة هيئة قصور الثقافة لتصبح «الثقافة الجماهيرية» وهو مطلب جماهيرى يستدعى الاستجاب. ستظل الثورة المصرية مستمرة حتى إنجاز التطهير والتغيير وإعادة البناء، ومازال الحوار متصلا. لمزيد من مقالات د. جمال زهران