قد يندهش بعض ابناء الجيل الحالى من الاهتمام الذى حظيت به ثورة 23 يوليو 52، بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، لتضارب «الشهادات والتقييمات» بل وتناقضها الواضح احيانا، وذلك من طبائع الأمور، فالاقطاعى الذى استردت الدولة ما سطا عليه من اراض لإعادتها الى اصحاب الحق، يرى فى يوليو «عصابة» رئيسها جمال عبد الناصر، الذى تعدى على «ملكيته.؟!»، بينما الفلاح المعدم، الذى ذاق طعم الحياة لاول مرة على يدى هذه الثورة، فهو يعتبرها هدية السماء وتتويجا لصبره ونضاله وتعويضا عن سنوات السخرة والاستعباد والاذلال، وكلها آفات عانت منها الأغلبية الكاسحة من المصريين، وهو ما يؤكد او يفسر التأييد شبه الكامل للضباط الاحرار، الذين لم يكن أى منهم معروفا قبل ايام قليلة من اندلاع الثورة... ورغم اننى عاصرت يوليو الأم، وشاء الله ان يمتد بى العمر، حتى اشهد يوليو 2013، فإننى اشارك الكثيرين فى دهشتهم ازاء ما تسطره أقلام نالت احتراما ومصداقية، ولكن خفى عليها، أو أخفت هى عمدا عن نفسها وعن المتابعين لها، واحدا من أخطر وأهم فصول يوليو، ألا وهو هزيمة يونيو 67، فلا تكاد تجد اثرا لدور القوى الكبرى المعادية لأمانى الشعوب عامة، ولحلم الشعب المصرى والعربى بشكل خاص.. فمثلا، نادرا ما اشار كاتب او شاهد او مسئول سابق الى هذا الدور من قريب او من بعيد، بل ان احد شيوخ الحقبة الساداتية «سجد لله شكرا على هزيمة مصر!» وهو ما يعنى بالضرورة انه سجد لله شكرا على نصر اسرائيل..وما يحيرنى بقوة ان يسوق البعض فى مجال حديثه عن الهزيمة، انها نتيجة سياسات عبد الناصر «الديكتاتورية» دون كلمة واحدة عن دور الولاياتالمتحدةالأمريكية، التى قررت إجهاض المشروع الناصرى وبخاصة منه، حلم الوحدة العربية التى تتوافر كل مقومات تحقيقها بتوافر عناصرها الاساسية : وحدة الارض ووحدة اللغة ووحدة الثقافة..واذا كان ما اعتقده به اى مبالغة، او خيال «ناصرية» توقف بها الزمن، فتعالوا الى يوليو الحالية التى قلبت بعد ثورة الثلاثين من يونيو،مائدة «الشرق الأوسط الكبير» الذى دعت واشنطن اليه ،اسرائيل وتركيا وبعض الاطراف العربية، لالتهام هذا الوطن العربى الذى تحمى خيمته الكبيرة وتظل كل من يعيش تحتها..ماذا فعلنا وماذا فعل السيسى، من «أخطاء» عبد الناصر لتتآمر علينا امريكا وتأتى بجماعة الإخوان لتفتيت مصر، بحيث لا تقوم للعرب قائمة، قبل، ربما عدة قرون.. والأهم، ان امريكا المعتدية المعادية لتقدمنا، هى المحرك الرئيسى، تسليحا وتدريبا وتآمرا، لكل التنظيمات الارهابية، التى تتخذها ذريعة لتدمير اوطاننا وابقائنا مكبلين بأغلال التخلف والجهل.. هل يحتاج الدور الامريكى فى العراق وسوريا وليبيا واليمن وما كانت تضمره لمصر من شر مستطير، الى دليل؟.. وهل سينبرى السادة الذين يحملون عبد الناصر كل اوزار هزيمة يونيو، دون حرف واحد عمن شنوا الهجوم، لتحميلنا ذنب معاداة واشنطن لنا ولومنا على كوننا لم نخضع صاغرين لإرادة سيد البيت الابيض ومندوبيه الذين قال احدهم دون ادنى حياء بعد ثورة يناير، «لن نسمح بظهور ناصر آخر».. ولماذا لم يأت أحد هؤلاء على ذكر الموقف الرائع والفريد لشعب مصر، عندما مزق أجندة الأعداء مساء التاسع من يونيو، أول خطوة فى طريق العبور والتى تتشابه فى الجوهر مع موقفه فى الثلاثين من يونيو.. لا يوجد بلد لم يتعرض لعدوان وهزيمة عسكرية، لكن العبرة بالنتيجة، هل استسلم لإملاءات المعتدى، ام انه نهض وقاوم ولقن العدو درسا اكيدا؟ أتمنى قراءة أمينة وموضوعية لثورة غيرت وجه مصر وألهمت كل ثورات العالم... لمزيد من مقالات فريدة الشوباشى