بعد أن كان يتحسس خطاه بحذر فى التعامل مع قارة أفريقيا، وبعد أن تراخت قبضة بلاده و صارت تفقد كل يوم من رصيدها وتنزف من مكانتها الكثير على مستوى العالم مع صعود عدد من الدول الكبرى على الساحة وفى مقدمتها الدب الروسى والتنين الصيني، وربما إيران أيضا بما تمثله من تهديد على منطقة الشرق الأوسط بأكملها بسبب برنامجها النووي، فتح الرئيس الأمريكى باراك أوباما صفحة جديدة فى العلاقات مع القارة السمراء، وبدأ يتودد لعدد من دول القارة للتقارب من أخرى "لحفظ ماء الوجه"، تنفيذا للاستراتيجية الأمريكية الجديدة مع أفريقيا التى تهدف – ولو متأخرا - إلى فتح آفاق جديدة للتعاون فى شتى المجالات. وكان اجتماع أوباما الأخير مع نظيره النيجيرى محمد بخارى فى واشنطن خطوة أولى نحو التقارب مع أفريقيا، ولا سيما بعد أن شهدت العلاقات بين الولاياتالمتحدة من جهة ومصر وجنوب أفريقيا من جهة أخرى توترا ملحوظا فى السنوات الماضية، وذلك حسبما أشارت وكالة "رويترز" فى تقرير لها عن الاهتمام المفاجيء لأوباما بأفريقيا. ونظرا لأن نيجيريا هى أكبر منتج للبترول فى القارة وتتربع على عرش أكبر قوة اقتصادية فى أفريقيا، فإن الولاياتالمتحدة لم تجد أفضل منها كشريك اقتصادى لها فى أفريقيا، رغم علمها بأن التعاون الكامل هدف بعيد المنال، ولن يكون أمرا واقعا ومجديا إلا إذا تم استئصال جماعة بوكوحرام الإرهابية فى نيجيريا والدول المجاورة لها بعد أن تصاعدت فيها أعمال العنف لدرجة وصلت إلى درجة فرار 100 ألف لاجيء نيجيرى من أراضيهم يوميا بحثا عن ملاذ آمن لهم فى الكاميرون، وفقا لما ذكرته مفوضية الأم المتحدة لشئون اللاجئين. كما بدأت الجماعة الإرهابية تستهدف أسر قيادات الجيش النيجيري، إلى جانب استغلال فتيات فى عمر الزهور فى تنفيذ عمليات انتحارية بعد خطفهن واغتصابهن، ويأتى ذلك فى الوقت الذى تتصاعد فيه مخاوف من أن يتسبب الفقر المدقع والإهمال فى شمال شرقى نيجيريا فى تأجيج التطرف وتقوية نفوذ بوكو حرام. ورغم تعليق برنامج التدريب العسكرى الأمريكى لقوات الجيش النيجيرى فى عهد الرئيس النيجيرى السابق جودلاك جوناثان المتهم بالتقصير فى مواجهة جماعة بو كوحرام بسبب عدة قضايا من بينها رفضه للتحقيق فى عمليات فساد ومزاعم حول انتهاكات لحقوق الإنسان من قبل الجيش النيجيري، فقد ظهرت مؤشرات قبل الزيارة بوجود تحول جذرى واضح فى العلاقات بين واشنطن وأبوجا بعد فوز محمد بخارى فى الانتخابات الرئاسية فى مارس الماضي، والتى تمت الإشادة بها بوصفها أول انتقال ديمقراطى للسلطة منذ عشرات السنين على عكس موقفها مع سلفه جودلاك جوناثان. كما أشادت الولاياتالمتحدة بالرئيس النيجيرى الجديد ونزاهته، ولا سيما بعد كشف بخارى عن ذمته المالية تحقيقا لمبدأ الشفافية، عكس سلفه جوناثان الذى رفض الكشف عنها بزعم أنها من الأمور الشخصية. ورحبت واشنطن أيضا بقرار بخارى بعزل قيادات الجيش السابقين وتعيين قيادات جديدة، مما يمهد الطريق لمزيد من التعاون العسكرى بين الجانبين. وعلى الرغم من أن بخارى لم يكشف عن أجندته السياسية حتى الآن، وسط تلميحات تشير إلى إمكانية استخدام الحوار كحل بديل لاجتثاث الإرهاب من البلاد، فإن الدعم الأمريكى الراهن لنيجيريا فى حربها ضد الإرهاب كان من الممكن أن يوصف بأنه غير مسبوق. لهذه الأسباب أعلن أوباما بعد طول انتظار، خلال لقائه مع الرئيس النيجيرى عن دعمه لاستراتيجية بخارى الجديدة لمكافحة الإرهاب والتصدى للفساد. وكانت أولى ثمار ما جناه بخارى خلال زيارته لواشنطن موافقة الإدارة الأمريكية على مساعدة نيجيريا فى استعادة الأموال النيجيرية المنهوبة فى الخارج وتدريب الهيئة القضائية النيجيرية على يد خبراء أمريكيين، وذلك فى إطار الجهود الرامية للتصدى للفساد فى البلاد. واستكمالا لمسار الإصلاح فى نيجيريا، حصلت حكومة بخارى على مساعدات من البنك الدولى بقيمة مليارى دولار لإعادة إعمار المناطق المتضررة فى شمال شرق البلاد جراء العمليات الإرهابية التى شنتها بوكوحرام. وفى هذا الإطار، وتأكيدا على حرصه الشديد بالشعب النيجيري، أكد الرئيس الجديد أنه سيعطى الأولوية لإعادة توطين المشردين البالغ عددهم حتى الآن أكثر من مليون نسمة. وفى محاولة لتقديم العون إلى أبوجا لمواجهة الأمراض، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن عزمها تقديم 300 مليون دولار لمساعدة نيجيريا فى الوقاية من مرض الملاريا، فى الوقت الذى يتودد فيه أوباما إلى نيجيريا أيضا ويحاول مساعدتها فى مواجهة الإرهاب، كما يسعى الرئيس الأمريكى حاليا إلى التقارب من دول أخرى فى إطار الجولة الأفريقية تمثل نقطة تحول للقارة والتى استهلها بكينيا، موطن والده وأرض أجداده، ومن بعدها أديس أبابا التى أصبح من خلال زيارته لها أول رئيس أمريكى يزورها فى التاريخ وأول رئيس أسود للولايات المتحدة يزور أفريقيا أربع مرات منذ انتخابه. إلا أن بخارى فشل فى لقائه مع أوباما للأسف الشديد فى الحصول على أى مساعدات عسكرية فى مواجهة جماعة بوكو حرام، بحجة أن نيجيريا تنتهك حقوق الإنسان، ولأن القوانين الأمريكية لا تسمح بتقديم مثل هذه المساعدات لدول تنتهك الحريات ومتورطة فى عدم حماية حقوق الإنسان، واستندت إدارة أوباما فى ذلك إلى تقارير لمنظمات حقوقية تقول إن الحكومة النيجيرية وبوكو حرام يرتكبان انتهاكات "معا"! ولعل هذا ما أثار استياء بخارى الذى أدلى بتصريحات قبل مغادرته الولاياتالمتحدة قال فيها إنه "مكبل" بموضوع حقوق الإنسان، وأنه بات لزاما عليه أن يواجه إرهاب بوكو حرام بمفرده بعد أن خذلته أمريكا. [email protected]