ماغنيتش يا خِلّي بقالي زمان وجايب ربابتي إنما خجلان ولابد قبل ما اقول أصلي علي النبي بذكر النبي يتطمن اللهفان.. هكذا بدأ صلاح چاهين قصيدته الطويلة «علي الربابة»، التي ألقاها عام 1960 في مهرجان أبي تمام للشعر العربي بدمشق، في زمان يختلف تماماً عن زمننا، فقد كانت دمشق في ذلك الزمان عاصمة "القطر الشمالي" للجمهورية العربية المتحدة (1958 - 1961)، التي ضمت مصر وسوريا في وحدة كان من المفترض أن تكون نواة الوحدة العربية الكبري، فانظروا كيف هي دمشق، وكيف هي الأمة العربية الآن! لكن هذا ليس هو موضوعنا. إنما تبحث هذه المقالة في استلهام الشعراء المصريين المحدثين لتراثهم الفلكلوري القديم. وهذا استكمال لموضوع كبير يستحق كتاباً، طرحنا بعض جوانبه في هذه الصفحة من قبل, فاستعرضنا استلهام فؤاد حداد للموال الشعبي القصصي، علي سبيل المثال، واستلهام صلاح چاهين للأغنية الشعبية التراثية, وغير ذلك مما لا يحضرني الآن. وفي هذه المقالة نستعرض استلهام چاهين لتراث شاعر الربابة، خاصة في السيرة الهلالية، في قصيدته "علي الربابة" التي أوردنا أول بيتين منها في مستهل هذه المقالة، متبعاً تقاليد شعراء السيرة في استهلال مقاطع السرد بمديح النبي وذكره, مستخدمين، كما استخدم چاهين في قصيدته كلها، بحر "الطويل"، وهو أحد "بحور" الشعر العربي القديم كما أوردها الخليل ابن أحمد. يقول شاعر السيرة: أصلي علي اللي قال يارب.. أُّمِّتِي طه الذي شرَّف بني عدنان قد خابَ عبدٌ لا يصلي علي النبي طه الذي قد جاءَ بالبرهان من بعد تمجيدي في جمال محمدٍ إصغا لشعري واسمع الأوزان ثم يدخل الشاعر التراثي في موضوع ملحمته، كما سيفعل صلاح چاهين أيضاً علي ربابته، فينتقل إلي ملحمته السياسية التحررية القومية الوحدوية الحماسية المليئة بطبيعة عصرها وروحه، لكنه قبل أن يفعل ذلك يمدح النبي، كما تقتضي تقاليد الملاحم الشعبية، فيقول: نبي عربي، ما كان شاعر ولا نَظَم ولكنّ قلبه كان ملان بحنان ولكنّ قلبه كان ملان حب للبشر وكان يكره العدوان والطغيان وكان سيف وكان وردة وكان روح وكان جسد وكان نار وكان جنة وكان إنسان أصلي علي نوره اللي بيشع بالأمل رسول العمل طه النبي العدنان وبعد أن صلي علي النبي، مستلهماً تقاليد السيرة الهلالية، يدخل شاعرنا في موضوعه، الذى سنورد بعض أبيات منه لطول القصيدة، وقلبنا يتوجع لاختلاف الزمان. فمثلما قال شاعر التراث بعد الصلاة علي النبي، قاصداً الدخول في صُلب ملحمته: يقول الفتي "رزق" الشجيع ابن نايل جُور الليالي حَيّر الإنسان... يدخل صلاح چاهين في موضوع ملحمته فيقول: يقول الفتي الشاعر علي قد قدرته وجّوات صدرُه م الحماس غليان ما عدناش نطيق الظلم في الأرض يا عرب وإمتي العرب طاقوا يشوفوا هوان هنا موطن الأحرار هنا قلعة الغضب هنا كل شبر بينفجر بركان هنا عاش صلاح الدين هنا مَر موكبه وفيه كل غارق في الزّرد عرقان.. ثم يسرد الشاعر لمحات من تاريخ العرب، خاصة في مصر والشام، وثوراتهم الشعبية، حتي يصل لثورة 1919 فيقول: عرب مسلمين ونصاري بيلِفُّهم عَلَم كما التفت الهلالات بالصلبان عرب مسلمين ونصاري ناويين علي الردي شجاعة قلوبهم من رضا الرحمن عرب مسلمين ونصاري وحدة ما تنقسم ولو تنقسم شمس النهار نصفان يقولوا بصوت واحد كما الرعد لو رَعَد وللبرق في عيونهم ضيا ولمعان كَفَي من أمور "فرق تَسُد" يا عدوِّنا كفي دَسّ يا حرباية بالوّان أنا الشعب نصراني ومسلم وبالعنك ورا كل دعوة من جرس وأدان أنا الشعب مار جرجس مع الخضر في جسد وبالرمح ضارب فيك يا شيْطان.. ثم ينتقل إلي ثورة 1952 وبطلها جمال عبدالناصر ومعركته مع الاستعمار ثم الوحدة.. ولا ينسي صلاح چاهين قبل أن يختم أن يتحدث عن فلسفته الشعرية التي تقوم علي لغة الشعب وتراثه، فيقول: باغني وقلبي يدق ويدق في نغم كدَقّ القدم في الدبكة والميجان وما كنت قادر ع الغنا قبل ثورتي وما كانلي شبَّابة ولا لي لسان ماكنليش سوي إحساس مُرهف ومِختِفِي كخنجر خفي بين التياب متعان شَهَرتُه لقيته فاس ونبراس ومطرقة ومنشار نجارة ومسطرين بنيان ودَوّرت علي ألفاظ كما السير للمكن تَدوّر تروس وتقول دروس ببيان لقيت عمِّنا ابن عروس وشعره ودارجِتُه وفي لهجته ألحان لكل زمان جعلته دليلي ولهجة الشعب سِكّتي أغني كما الفلاح في الغيطان وحسيت كلام الشعب كالليل أبو القمر وانا في القمر بانشد مع الكروان يارب الفلك المُلك لك لك، وباسألك تعلمني من عِلم الحكيم لقمان وآخر الكلام أرجع واصلي علي النبي نبي عربي كان قلبه كله حنان هكذا ينهي چاهين قصيدته - كما بدأها - بتقاليد السيرة الهلالية، في مؤتمر للشعر العربي يضم شعراء الفصحي، ليعبِّر عن المدرسة التي بدأها مع فؤاد حداد، (وكان حداد في المعتقل آنذاك)، فوقف چاهين وحده يمثل عقيدتهما الشعرية، عقيدة استلهام تراث الشعب واستخدام لغة الشعب, في ثورة شعرية توازي ثورة العرب في الخمسينيات.