يقول الحق سبحانه: « قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ « (يونس : 58), ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : « للصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا ؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ «، وهو يوم الجائزة, حيث تكون جوائز الصائمين والقائمين والمعتكفين والمتصدقين في هذا الشهر الكريم, عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ : وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا «. فالعيد في الإسلام يرتبط بالنسك, عيد الفطر يرتبط بشعيرة الصيام, وعيد الأضحى يرتبط بشعيرة الحج للحجاج, والأضحية للحجاج وغيرهم, كما أن عيد الفطر يختم العشر الأواخر من رمضان التي أوصانا نبينا (صلى الله عليه وسلم) أن نتحرى ليلة القدر فيها, وعيد الأضحى يختم العشر التي قال فيها نبينا (صلى الله عليه وسلم ): « مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ, فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ «. ومن هذا البعد الإيماني لا نملك إلا أن نقول: أهلا بالعيد, غير أن هناك أمورًا أخرى تجعلنا نقول: أهلا بالعيد, منها: أن العيد وسيلة وفرصة للتزاور والتراحم والتواصل والمودة, والقضاء على كل ألوان التخاصم والتشاحن والشقاق, إذ لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث, يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام . كما أنه باب سعة على الفقراء والمحرومين الذين أوصانا بهم نبينا (صلى الله عليه وسلم) بصفة عامة, وفي هذا اليوم بصفة خاصة, فقال (صلى الله عليه وسلم): « اغنوهم في هذا اليوم» , ولم يقل (صلى الله عليه وسلم): أطعموهم أو اكسوهم أو أعطوهم مجرد عطاء, وإنما قال (صلى الله عليه وسلم): اغنوهم أي أعطوهم ما يكفيهم ووسعوا عليهم وعلى أهليكم دون إسراف أو تبذير , لأن الإسراف والتبذير مذمومان على كل حال, يقول الحق سبحانه:» وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً « (الإسراء : 26 , 27) , ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ «. وعلى جانب آخر نقول: أهلا بالعيد وما يتبع العيد من استعداد لافتتاح المجرى الملاحي الثاني لقناة السويس , ذلك المشروع العملاق الذي يُعد بمثابة العبور الثاني والأهم لشرق القناة, لأن العمارة الحقيقية لأي مكان إنما تكون بالبشر وبالعمل وبالإنتاج وتوفير سبل الحياة الكريمة، وهو ما يسهم فيه هذا المشروع العملاق بقوة. أهلا بالعيد رغم أنف الإرهابيين, ورغم أنف المتربصين , ورغم أنف الحاقدين , فنحن شعب لا تزيده الأيام والمحن إلا صقلاً وقوة وصلابة في مواجهة الأحداث الجسام, أهلا بالعيد لندخل البهجة على أبنائنا وأسرنا وفقرائنا ومجتمعنا, أهلا بالعيد لنعبّر عن رفضنا لكل ألوان التشدد والتطرف والغلو والإرهاب والتكفير والتفجير والاغتيال والعتو والإجرام, لنقول بصوت عال نحن نبحث عن السلام والأمان لأنفسنا وأمتنا ومنطقتنا والعالم بأسره، ذلك لأن ديننا هو دين الرحمة، ودين العدل، ودين السلام. أهلا بالعيد لنعبر عن لحمتنا الوطنية, وعن إنسانية ديننا, وعن حضارتنا الراقية في فقه التعايش مع الآخر وقبول الآخر وحب الخير للإنسانية والعالم, أهلا بالعيد وبمحبي الحياة, وسحقًا ثم سحقًا ثم تعسًا ثم تعسًا لوالغي الدماء والباحثين عن القتل والساعيين في الفساد والإفساد. لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة