استعدت نازناين كريمى للاحتفال بهذه المناسبة منذ أسابيع.. وضعت أطباق الحلويات والفاكهة والفستق على المائدة وأشعلت شمعة برائحة الفانيليا وجلست تستمع للتليفزيون الإيرانى الرسمى وهو يعلن صباح أمس التوصل لاتفاق تاريخى بين إيران والغرب ينص على تقليص طهران لبرنامجها النووى مقابل رفع العقوبات عنها. وتقول نازناين ل»الأهرام»: منذ الإعلان عن التوصل للاتفاق سمعنا أصوات الاحتفالات فى شوارع طهران. أصوات أبواق سيارات وتهانى وعناق وأعلام وطنية وصور لفريق التفاوض الإيراني. الناس خرجت منذ الصباح الباكر للشوارع، والكثيرون لم يناموا أصلا. كانوا يتابعون ما يحدث فى فيينا لحظة بلحظة. إنه يوم تاريخى فى إيران. فالاتفاق النووى طى لصفحة الماضى وفتح لصفحة المستقبل». لكن نازناين تتابع بحذر:»إنه اتفاق مقبول فى عمومه. فهو يسمح لنا بمواصلة برنامجنا النووى وإن بمعدلات أبطأ. ويزيل العقوبات الأقتصادية ويطبع العلاقات بين إيران والمجتمع الدولي... لقد تجنبنا الحرب والمزيد من العقوبات». الاتفاق النووى بين إيران والغرب الذى تم التوصل إليه بعد مفاوضات ماراثونية وخلافات عصيبة وتلويح بالانسحاب، لا يتعلق حصريا برفع العقوبات وتقليص البرنامج النووى كما يرى غالبية الإيرانيين، فهم يرون أن الأتفاق أيضا بداية لعودة إيران إلى مكانها الطبيعى فى الشرق الأوسط والعالم. لكن وبرغم غبطة الإيرانيين وتوقعاتهم الإيجابية إجمالا، إلا أن تمرير الاتفاق فى إيران وتطبيقه لن يكون سهلا بالضرورة. فالكثير من بنود الإتفاق النهائي، كان المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئى قد أعلنها قبل أيام «خطوطا حمراء». ووسط الاحتفالات الصاخبة فى إيران، هناك شخصيات قلقة بين المحافظين بدأت ترفع صوتها ضد بنود الاتفاق، فهو «قاس» و»مهين» كما يقول برلمانى إيرانى بارز كان سابقا عضوا فى الحرس الثورى الإيراني. ويوضح البرلمانى الإيرانى ل»الأهرام»: «بنود الاتفاق تشير إلى أن إيران كانت فى حاجة ماسة للاتفاق أكثر من الغرب. كانت كأنها مستميتة للتوصل إليه ولهذا قبلت بالكثير من التنازلات عن موقفها المبدئي». ويقول البرلمانى الإيرانى فى هذا الصدد :»الكثير من هذه البنود كانت خطوطا حمراء قبل أسبوع. نحن بالموافقة على هذه الاتفاقية قدمنا للغرب كل ما كان يطالب به من تفتيش للمواقع العسكرية والنووية ومقابلة علمائنا وإعادة فرض العقوبات، بينما لم نحصل نحن على رفع فورى للعقوبات أو إزالة للحظر على الأسلحة والصواريخ الباليستية. إذا كانت هذه هى البداية، فلا أدرى كيف سيتم الحفاظ على سيادة إيران وأمنها القومى خلال السنوات العشر المقبلة هى فترة تنفيذ الاتفاق؟». فالإتفاق كما يرى بعض المحافظين، وبينهم مستشار المرشد الأعلى حسين شريعتمدارى سيعزز «البارانويا» الإيرانية من الغرب، فهو مبنى على أساس «عدم الثقة» و»الريبة». وهذا حقيقى فعلا، وعلى هذا الأساس لا يتوقع حتى أكثر المتفائلين تحسنا فوريا أو جذريا فى علاقات إيران مع الغرب. ويقول دبلوماسى غربى مطلع شارك فى المفاوضات النووية بين إيران والغرب ل»الأهرام»:»هذه فقط خطوة فى الاتجاه الصحيح. تحسن العلاقات على المستويات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية سيتم ببطء. لكن إذا كان الإيرانيون حريصين على تحسين العلاقات مع الغرب خارج الملف النووي، فسيجدون شركاء لديهم نفس الرغبة فى الغرب». وبسبب بنود الإتفاق النووى التى تحكم نظام المراقبة على الأنشطة النووية الإيرانية وتربط رفع العقوبات بتنفيذ الإتفاق، لن يجد الرئيس الامريكى باراك أوباما صعوبة كبيرة على الأرجح فى تمرير الإتفاق عبر الكونجرس الامريكي. فالاتفاق النهائى «يتوافق كليا» مع تفاصيل إتفاق لوزان الإطارى الذى تم التوصل اليه فى 2 إبريل الماضى والذى أشرف عليه وزير الخارجية الامريكى جون كيرى بنفسه. أما فى إيران ففيما سيعود وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف وفريق مفاوضيه إلى طهران وسط استقبال شعبى حافل، إلا أن المهمة الصعبة ستكون على كاهل الرئيس الإيرانى حسن روحانى والمرشد الأعلى على خامئني. فروحانى سيكون عليه التعامل مع التوقعات الكبيرة للشارع الإيرانى بعد الإتفاق من جهة، والضغوط السياسية عليه من قبل المحافظين من جهة ثانية. فرفع العقوبات عن إيران، والمتوقع أن يبدأ عمليا مطلع 2016، لن يحسن مستويات الدخل أو يرفع معدلات النمو أو يقلص البطالة والتضخم بين ليلة وضحاها. فتأثير العقوبات الدولية على الصناعة النفطية الإيرانية كان مدمرا والعودة لمعدلات أنتاج ما قبل تشديد العقوبات عام 2005 سيأخذ عدة أشهر على الأقل. ووفقا لدراسات حول السوق الإيرانية، تتجه التوقعات إلى أن الإيرانيين لن يشعروا بتحسن حقيقى فى أوضاعهم الأقتصادية قبل النصف الثانى من عام 2016. وإذا تباطأ تحسن الأقتصاد الإيرانى لأسباب متعلقة بحذر رأس المال العالمى من دخول السوق الإيراني، أو عدم تنافسية إيران أو الفساد، فسيجد روحانى نفسه فى وضع صعب للغاية وقد يدفع ثمن الاتفاق النووى من مستقبله السياسي. بعبارة أخري، روحانى يحتاج إلى مردود اقتصادى سريع ومؤثر كى يتغلب على الاصوات المعارضة فى الداخل. أما خامنئي، فإنه بات برجماتيا بشكل مذهل فى أعين المحافظين التقليديين فى إيران. فمع تنازله مجددا عن الخطوط الحمراء التى وضعها هو شخصيا، يبدو أن إيران تدخل مرحلة جديدة وغير مسبوقة من الواقعية السياسية بإشراف وتحت إدارة خامئنى نفسه.إذن، لا يستطيع أحد أن يقلل من الأهمية التاريخية للاتفاق النووى بين إيران والغرب، لكن فى نفس الوقت لا أحد يمكنه التنبؤ بتأثير ذلك الاتفاق على العلاقات الإيرانيةالغربية ومنطقة الشرق الأوسط. ف»إيران الواقعية حتى النخاع» قد تكون جيدة للشرق الأوسط، لكنها أيضا قد تكون منافسا شرسا.