أمين «حماة الوطن»: تدشين اتحاد القبائل يعكس حجم الدعم الشعبي للرئيس السيسي    جي بي مورجان يتوقع وصول تدفقات استثمارات المحافظ المالية في مصر إلى 8.1 مليار دولار    أسعار النفط تستقر وسط هدوء التوترات بالشرق الأوسط وارتفاع المخزونات    الغانم: مصر شهدت قفزة كبيرة في الاصلاحات الاقتصادية    "الأهلي يخسر أول ألقابه".. الاتحاد السكندري بطلا لكأس مصر لكرة السلة    محافظ الجيزة يزور الكنيسة الكاثوليكية لتقديم التهنئة بمناسبة عيد القيامة    الاعتراف بفلسطين.. دعم عربي وفيتو أمريكي    «كيربي»: روسيا تخرق قرارات الأمم المتحدة بشحن النفط إلى كوريا الشمالية    مغربي يصل بني سويف في رحلته إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج    صن داونز يهزم كايزر تشيفز بخماسية ويتوج بالدوري الجنوب إفريقي    السيطرة على حريق سوق الخردة بالشرقية، والقيادات الأمنية تعاين موقع الحادث (صور)    «كان» يمنح ميريل ستريب السعفة الذهبية في افتتاح دورته ال77    الفنان أحمد السقا يكشف عن الشخصية التي يريد تقديمها قبل وفاته    نعيم صبري: نجيب محفوظ هو مؤسس الرواية العربية الحديثة    إجابة غير متوقعة.. زاهي حواس يكشف حقيقة تدمير الفراعنة لآثارهم    توقعات برج الأسد في مايو 2024: «تُفتح له الأبواب أمام مشاريع جديدة مُربحة»    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    «الصحة» تدعم مستشفيات الشرقية بأجهزة أشعة بتكلفة 12 مليون جنيه    في يومها العالمي.. سبب الاحتفال بسمك التونة وفوائد تناولها    استعدادًا لموسم السيول.. الوحدة المحلية لمدينة طور سيناء تطلق حملة لتطهير مجرى السيول ورفع الأحجار من أمام السدود    مصطفى كامل يحتفل بعقد قران ابنته    بيان عاجل من الأهلي بشأن أزمة الشحات والشيبي.. «خطوة قبل التصعيد»    الصليب الأحمر الدولي يعلن مقتل سائقَين وإصابة 3 موظفين في السودان    جهود لضبط متهم بقتل زوجته في شبرا الخيمة    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    السجن 7 سنوات وغرامة مليون جنيه لشاب ينقب عن الآثار بأسيوط    القوات الروسية تتقدم في دونيتسك وتستولي على قرية أوشيريتين    "أسترازينيكا" تعترف بمشاكل لقاح كورونا وحكومة السيسي تدافع … ما السر؟    إصابة موظف بعد سقوطه من الطابق الرابع بمبنى الإذاعة والتلفزيون    نجوم الغناء والتمثيل في عقد قران ابنة مصطفى كامل.. فيديو وصور    لمدة أسبوع.. دولة عربية تتعرض لظواهر جوية قاسية    مصرع أربعيني ونجله دهسًا أسفل عجلات السكة الحديدية في المنيا    أخبار الأهلي: توقيع عقوبة كبيرة على لاعب الأهلي بفرمان من الخطيب    الأرصاد العمانية تحذر من أمطار الغد    أمين الفتوى ب«الإفتاء»: من أسس الحياء بين الزوجين الحفاظ على أسرار البيت    رسالة ودعاية بملايين.. خالد أبو بكر يعلق على زيارة الرئيس لمصنع هاير    مدينة السيسي.. «لمسة وفاء» لقائد مسيرة التنمية في سيناء    «المهندسين» تنعى عبد الخالق عياد رئيس لجنة الطاقة والبيئة ب«الشيوخ»    120 مشاركًا بالبرنامج التوعوي حول «السكتة الدماغية» بطب قناة السويس    «ماجنوم العقارية» تتعاقد مع «مينا لاستشارات التطوير»    مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة الباجورية بالمنوفية    فنون الأزياء تجمع أطفال الشارقة القرائي في ورشة عمل استضافتها منصة موضة وأزياء    ب 277.16 مليار جنيه.. «المركزي»: تسوية أكثر من 870 ألف عملية عبر مقاصة الشيكات خلال إبريل    ندوة توعوية بمستشفى العجمي ضمن الحملة القومية لأمراض القلب    "بسبب الصرف الصحي".. غلق شارع 79 عند تقاطعه مع شارعي 9 و10 بالمعادى    هجوم شرس من نجم ليفربول السابق على محمد صلاح    برلماني سوري: بلادنا فقدت الكثير من مواردها وهي بحاجة لدعم المنظمات الدولية    مستشار المفتي: تصدّينا لمحاولات هدم المرجعية واستعدنا ثقة المستفتين حول العالم (صور)    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولى العلمى الثانى للطب الطبيعى والتأهيلى وعلاج الروماتيزم    رانجنيك يرفض عرض تدريب بايرن ميونخ    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    الأهلي يجهز ياسر إبراهيم لتعويض غياب ربيعة أمام الجونة    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا وإيران وعقدة الذنب
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 05 - 2015

تسير الإدارة الأمريكية على رمال متحركة فى الشرق الأوسط. ليس هناك سبب واحد وراء هذا، هناك أسباب عديدة متشابكة، لكن أحد أهم هذه الأسباب أن واشنطن فى إعادة ترتيبها لإستراتيجيتها فى المنطقة، تتجه لاتفاق تاريخى مع إيران حول إبطاء برنامجها النووى مقابل رفع العقوبات الدولية عنها تدريجيا.
هناك تحمس واضح فى عواصم غربية للاتفاق، لكن بالمقابل هناك قلق وتوجس إقليمى كبير منه يعكس نفسه فى تصريحات علنية وتحركات دبلوماسية ومشاورات، تمر بالذات عبر لندن وواشنطن، لفهم تأثير الاتفاق إقليميا، والحصول على التزامات سياسية وعسكرية لتحييد النفوذ الإيرانى.
الاتفاق النووى «آت آت» لا شك فى ذلك، كما يؤكد مسئولون ودبلوماسيون ومستشارون أمريكيون وأوروبيون وإيرانيون ل «الأهرام». لكن «الثقة فى حتمية» حدوث الاتفاق، يقابلها «عدم ثقة» فى آثاره إقليميا. فهو يمكن أن يكون «برميل بارود» أو «مياها باردة» على الحرائق المشتعلة.
فى الملف التالى تتناول «الأهرام» الاتفاق من الزاوية الأمريكية -الأوروبية، الداعمون والرافضون، كما تتناول الاتفاق من وجهة نظر إيرانية، وكيف يراه المسئولون الإيرانيون وتأثيره على سلوك طهران الإقليمى، وديناميكية العلاقة بين المرشد الأعلى على خامنئى والرئيس حسن روحانى. وأخيرا السيناريوهات المحتملة لتأثير الاتفاق على العلاقات الأمريكية- العربية -الإيرانية.

آثار الاتفاق النووى إقليميا تعنى الجميع، وتقلق الكثيرين، فإيران ستصبح «حاضرة فى كل الملفات الإقليمية، ومشاركة على كل طاولات التفاوض بشكل مباشر»، كما قال دبلوماسى أمريكى ل «الأهرام».
الصفقة مع إيران تأتى فى خضم خلافات عنيفة حول طبيعة القيادة الأمريكية فى الشرق الأوسط. فبالنسبة لأوباما الاتفاق مع طهران هو، أولا، «تتويج» لسياساته فى منع الانتشار النووى فى العالم.

ثانيا، الاتفاق «يعيد تقديم» القوة الأمريكية فى العالم ليس بوصفها قوة عسكرية كبيرة باستراتيجيات ناقصة وسياسات قصيرة النظر، بل لمحاولة إظهارها كقوة عسكرية موزونة بتحالفات سياسية واقعية، تتدخل كوسيط لوقف الصراعات، بدلا من تركها تتأجج وتشتعل كما فعلت فى الشرق الأوسط على مدار الثلاثين عاما الماضية. وبهذا التوجه الجديد لم ير أوباما تناقضا بين دعم إيران وميلشياتها فى العراق من أجل مواجهة داعش، وبين دعم السعودية فى اليمن من أجل وقف سيطرة الحوثيين على كل البلاد.
ثالثا، الاتفاق هو حجر أساس فى مشروع إعادة ترتيب الشرق الأوسط الذى بلغ حالة من الاضطراب والفوضى جعل مسئولين غربيين ينظرون للمنطقة بوصفها «عبئا»، خصوصا مع تسرب آلاف المقاتلين من أوروبا للقتال مع داعش فى سوريا والعراق، وتحريضهم على شن هجمات ضد أوروبا وأمريكا.

قناة سرية بين أوباما وإيران
فكرة الحوار مع إيران كانت إحدى العناصر اللافتة للسياسة الخارجية لاوباما منذ كان مرشحا عن الحزب الديمقراطى للرئاسة الأمريكية 2008، لكنها لم تكن مجرد فكرة، فقد أرسل اوباما إلى طهران عام 2008 مبعوثا شخصيا هو الدبلوماسى المخضرم ويليام جرين ميللر سفير واشنطن السابق لدى أوكرانيا والدبلوماسى فى السفارة الأمريكية فى طهران من 1959 إلى 1964. وكان العنوان العريض للرسالة: «إذا ما انتخبت رئيسا لأمريكا، فسيكون فتح صفحة جديدة فى العلاقات بين واشنطن وطهران ضمن أولوياتي».
ميللر كان المبعوث المثالي، فهو يتفق مع المرشح الديمقراطى على ضرورة تحسين العلاقات مع إيران، يجيد الفارسية ولديه اتصالات قوية بأعلى المسئولين فى إيران، وقد ظل الوسيط الأساسى كلما هبت أزمة على غرار اعتقال أمريكيين فى إيران. والأهم من كل ذلك أنه يتفق مع أوباما حول شرعية الكثير من الانتقادات الإيرانية لسياسة واشنطن حيال طهران على مدار العقود الماضية.
ويقول السفير ويليام ميللر ل «الأهرام» موضحا لماذا اتجهت إدارة أوباما للتقارب مع طهران: «إيران قوة رئيسية فى الشرق الأوسط وحضارة رئيسية منذ آلاف السنين. لديها دور تلعبه لإحلال السلام فى المنطقة بسبب سكانها، تاريخها، وثقافتها ويجب أن تلعب دورا أساسيا فى بناء سلام بالشرق الأوسط. الشرق الأوسط فى حالة تمزق الآن. النوايا الحسنة وإرادة كل الدول مطلوبين لإحلال السلام والاستقرار فى تلك المنطقة من العالم، وإيران يجب أن تلعب دورا رئيسيا فى هذا. ليس هناك شك فى ذلك».
ويشير ميللر إلى زيارته غير الرسمية لإيران كمبعوث شخصى للمرشح الرئاسى آنذاك باراك أوباما قائلا: «لم يرسلنى أوباما برسالة رسمية. أنا لست عضوا فى الإدارة. أنا مواطن عادى الآن وإن كانت تربطنى علاقات وثيقة بمسئولين فى إيران وحكومة بلادي». ويتابع: «إيران مستعدة للحوار والاتفاق مع أمريكا، لكن بشروط متحضرة، واحترام متبادل للمصالح القومية. وفى ظل سلوك دولى متحضر، يمكن لإيران أن تلعب دورا إيجابيا وبناء».
ويرى ميللر أن التقارب الإيرانى - الأمريكى يمكن أن يلعب دورا فى حل أزمات المنطقة، موضحا ل «الأهرام»: «قضايا الشرق الأوسط مكون ضرورى ضمن الصورة الكلية. وقضايا العراق وسوريا واليمن يجب أن تفهم وتناقش وتحل إذا كان لأى سياسة بناءة أن تتواجد فى الشرق الأوسط. كل قضايا الشرق الأوسط التى تفاقمت على مدار العقد الماضى يجب أن يتم التفاهم حولها بين كل الأطراف هذه وظيفة الدبلوماسية».
لن يرتاح الكثيرون إقليميا وأمريكيا من فكرة أن أوباما كان حريصا حتى قبل وصوله للرئاسة على طمأنة إيران حيال نواياه. ومن المغرى أن ينظر البعض لسياسات أمريكا خلال السنوات الست الماضية بأثر رجعى ليخرج باستنتاج مفاده أن الرئيس الأمريكى «صاغ كل سياساته فى المنطقة حول إيران»، وانه مثلا لم يتحرك عسكريا ضد النظام السوري، لكنه تحرك عسكريا ضد داعش فى العراق وسوريا كى «يرضى إيران ويمهد الطريق للصفقة الكبري».
بعبارة أخرى سيقرأ البعض حرص أوباما على التقارب مع إيران على أنه «التفسير الخفي» لمجمل التحرك، أو اللا تحرك السياسى الأمريكى فى الشرق الأوسط. لكن هل هذه الرؤية دقيقة؟ ربما لا. فحتى أشد المنتقدين للاتفاق النووى مع إيران لا يختزلون سياسة أوباما الشرق أوسطية فى كلمة سر واحدة هى «إيران».
ومن هؤلاء المستشار السابق لست إدارات ديمقراطية وجمهورية فى ملف عملية السلام ارون ديفيد ميللر. ويقول ديفيد ميللر ل «الأهرام»:«لا أظن أن اوباما يمحور كل سياساته الخارجية فى الشرق الأوسط حول إيران، لكن هذا هو الانطباع الذى يتركه لدى الآخرين. لكن هناك فرقا بين الانطباع عن إدارته وبين سياسات متعمدة واعية».
ويرى ميللر أن ربط تجنب الخيار العسكرى فى سوريا بالتفاوض مع إيران ورغبة الإدارة فى عدم تعقيد العلاقة مع طهران «غير دقيق ولا يأخذ فى الاعتبار كل التعقيدات الأخري». ويتابع:«أوباما يريد اتفاقا مع إيران حول البرنامج الإيراني، لكن هذا لا يعنى أنه مستعد للتضحية بكل المصالح الأمريكية الأخرى وبحلفائها التقليديين من أجل الاتفاق مع إيران. هناك خط رفيع يفصل بين الموقفين. السبب الأساسى الذى يمنع الإدارة الأمريكية من استخدام القوة العسكرية ضد بشار الأسد، هو أنه إذا تمت إطاحة الأسد، فإن داعش سوف تسيطر على سوريا. وبمقدار سوء الأسد، فإنه لا يشكل تهديدا لأمريكا. على الأقل ليس تهديدا فوريا أو مباشرا».
اتفاق لا مفر منه
ويقول ديفيد ميللر ل «الأهرام»: «الاتفاق النووى مع إيران آت آت، لا يمكن وقفه، إنه أمر لا مفر منه. مصر لا تستطيع منعه. السعودية لا تستطيع منعه. إسرائيل لا تستطيع منعه»، موضحا أن إدارة أوباما وضعت ثقلها وراءه وأنه باختصار «بات أكبر من أن يفشل».
هناك عوامل عديدة تلعب دورا فى هذه الثقة. أولا: الحاجة الإستراتيجية للاتفاق. فالإدارة الأمريكية والسلطات الإيرانية كلاهما يحتاج الاتفاق فعلا واستثمر فيه الكثير من الجهد والاتصالات والوقت والتنازلات.
ثانيا: هناك ثقة كبيرة بين فريق التفاوض الإيرانى ونظيره الأمريكى تشكلت على مدار سنوات فى محطاتها الأساسية مثل سويسرا والعراق وسلطنة عمان. فبعضهم تفاوض وعمل مع الآخر سنوات كما هى علاقة وزيرى الخارجية الأمريكى جون كيرى والإيرانى محمد جواد ظريف. وبعضهم تربطه علاقات زمالة دراسية مثل وزير الطاقة الأمريكى آرنست مونيز ورئيس هيئة الطاقة النووية الإيرانى على أكبر صالحي. فكلاهما درس الفيزياء النووية فى معهد ماساشوستش للتكنولوجيا «ام آى تي» فى بوسطن. وعندما أصبح صالحى جدا خلال مفاوضات لوزان ذكرت «نيويورك تايمز» أن مونيز جلب له هدية للمولود الجديد منقوش عليها شعار «ام آى تي».

لوبى إيرانى فى واشنطن
وإلى جانب حاجة الجانبين الأمريكى والإيرانى الإستراتيجية للاتفاق، والثقة المتبادلة بين فريقى التفاوض مما يسهل حل الخلافات حول القضايا الحساسة، يرى البعض أن هناك «لوبى إيرانيا» فى واشنطن استطاع عبر سنوات من العمل تأكيد رسالة أساسية للإدارات الأمريكية المختلفة مفادها أن: إيران جاهزة للصفقة الكبرى مع أمريكا وذلك بغض النظر عن انتماء الرئيس الأيديولوجي. فإذا كان محافظا مثل محمود أحمدى نجاد، فالرسالة هى أن المحافظين أفضل من يمررون الاتفاق بسبب قربهم من المرشد الأعلى وميولهم البرجماتية ودعم الحرس الثورى لهم. وإذا كان الرئيس معتدلا إصلاحيا مثل محمد خاتمى أو حسن روحاني، فالرسالة هى أن الإصلاحيين أفضل من يمررون الاتفاق بسبب شعبيتهم فى الشارع وميولهم الانفتاحية واستقلاليتهم عن المتشددين فى إيران.
كما يرى البعض أن أوباما يشعر ب «عقدة ذنب» أمريكية حيال إيران. ووسط مستشارى البيت الأبيض والخارجية الأمريكية هناك أمريكيون من أصول إيرانية تركوا إيران بعد ثورة 1979. الكثير منهم روى له كيف أطاحت الاستخبارات الأمريكية (سى آى أيه) بتجربة محمد مصدق الديمقراطية وقادت انقلابا على حكومته بسبب تأميمه للنفط الإيراني، ثم أعادت الشاه حامى المصالح الأمريكية فى المنطقة ما جعل ثورة 1979 أمرا لا مفر منه.
الذين يرون أن هناك «لوبى إيرانيا» فى واشنطن، يشيرون خصوصا إلى «المجلس الوطنى الإيرانى - الأمريكي» الذى يرأسه الأمريكى الإيرانى الأصل تريتا بارسي، والذى يصفونه بأنه صوت النظام الإيرانى فى أمريكا. كما يشيرون إلى خبراء وأكاديميين ومستشارين أمريكيين من أصل إيراني. وإلى جانبهم مجموعة أخرى من كبار المسئولين الأمريكيين السابقين الذين يدعمون الحوار مع إيران ويؤيدون الاتفاق النووي، ومن بينهم زبجنيو برجنيسكى ومادلين أولبرايت وجارى سيمور وجوزيف ناى ودانيال كيرتز وأنتونى زينى وجارى سيك.
فهل هذا الخليط يشكل لوبى إيرانيا فى واشنطن؟ يرد ديفيد ميللر: «لا...ليس هناك لوبى إيرانى فى واشنطن». ويتابع «لكن هناك لوبى للاتفاق النووي. وهذا اللوبى هو إدارة أوباما نفسها. وعدد آخر من المعلقين الداعمين للاتفاق».
ويوضح أن أوباما «يريد هذا الاتفاق بكل تأكيد»، واستثمر فيه الكثير من الوقت والجهد والاتصالات مع الإيرانيين. فاوباما يعتقد أن الاتفاق مع إيران سيحدد إرثه فى السياسة الخارجية، وهو إرث حتى الآن هزيل خصوصا إذا نظرنا إلى جمود الملف الإسرائيلى - الفلسطيني، والحرب الدائرة فى سوريا وإنتشار التنظيمات المتطرفة هناك، وتدهور الأوضاع فى العراق، واستمرار عدم الاستقرار فى أفغانستان وأوكرانيا.
التحمس الأمريكى يقابله تحمس أوروبى مماثل. فحزبا المحافظين والعمال فى بريطانيا يدعمان الاتفاق مع إيران. وقالت مسؤولة فى الخارجية البريطانية ل«الأهرام»: ليس هناك خلافات سياسية فى بريطانيا حول الاتفاق النووى تبرر أن يتم رفعه للبرلمان البريطانى للتصديق عليه. وهذا يعنى انه بمجرد توقيع الاتفاق النهائى سيكون بمقدور الحكومة البريطانية تخفيف العقوبات المفروضة على إيران، لكن التخفيف سيكون تدريجيا».
لكن برغم الدعم الأمريكى والأوروبى الرسمي، هناك معارضون أقوياء أيضا للاتفاق بغض النظر عن بنوده. الكثير من هؤلاء من اليمين الأمريكى المتشدد وموقفهم لا علاقة له بمحتوى الاتفاق النووى أو بنوده، بل بموقفهم من إيران كنظام وكسياسات منذ ثورة 1979. هؤلاء لا يرون فى إيران سوى «دولة الملالي» و«محور شر». ولديهم شكوك عميقة حيال النظام الإيرانى وما زالوا يرون أن أفضل طريقة للتعامل معه هى «تغييره» بضربات عسكرية مركزة ودعم المعارضة الإيرانية فى الخارج.
يشعر أوباما أن إرثه فى السياسة الخارجية على المحك، ووضع كل رهانه على مبدأ “فتح صفحة جديدة” مع إيران وكوبا. أما خامنئي، الذى يعانى من سرطان البروستاتا والذى كان مريضا جدا قبل أسابيع، فيريد أن يشرف بنفسه على بنود أى اتفاق نووي. إذا وضعنا رغبة الإيرانيين ورغبة أوباما فى التوصل لاتفاق نووى معا، فغالبا سيحدث هذا الاتفاق بنهاية يونيو كما هو مقرر. فالاتفاق هو آخر فرصة كى يقول أوباما للعالم إنه لم يترك الشرق الأوسط فى حالة عارمة من الفوضى وإنه ساهم فى تسوية واحدة من أعقد مشاكله.
الاتفاق.. كيف يغير طهران؟
يقولون في إيران إن "اليد الناعمة يمكنها شد الفيل بشعرة"... وهذا هو التحدي الذي يواجه الرئيس الإيراني حسن روحاني. فمع دخول المفاوضات النووية مع الغرب المراحل الحساسة، عليه أن يلبي الخطوط الحمراء التي وضعها المرشد الأعلى علي خامنئي بعدم التنازل عن حقوق إيران النووية، وعليه أن ينفذ تعهداته للشارع الإيراني برفع العقوبات وتحسين العلاقات مع الغرب، وعليه أن يطمئن الحرس الثوري أن الاتفاق لن يعرض أمن إيران للخطر بفتح منشآتها العسكرية للتفتيش الدولي، وعليه أن يبلور خطابا متفهما لشكوك وحساسيات أسر قتلى وجرحى الحرب مع العراق الذين يلومون أمريكا على مقتل مليون إيراني بسبب دعمها للعراق في الحرب، وعليه أن يظهر مرونة وواقعية مع دول 5 زائد1، ثم عليه أن يرسل رسائل طمأنة لدول الجوار أن الاتفاق النووي عندما يتم لن يعمق التوترات في المنطقة.

يسير روحانى على طبقة رقيقة من الثلج، لكنه بارع ونافذ وشديد المرونة، وشعبيته اليوم أقوى مما كانت عليه يوم انتخابه فى يونيو 2013.
يتمتع روحانى بكل ما كان يفتقده الرئيسان السابقان محمد خاتمى ومحمود أحمدى نجاد. فهو من قلب المؤسسة، وعلاقته بخامنئى مباشرة ويعملان معا منذ أكثر من ثلاثين عاما. وهو لا يخاف خامنئي، وخامنئى أيضا لا يخافه. وذلك على خلاف من خاتمى الذى كان الإصلاحيون فى عهده يتحدثون عن جعل منصب ولاية الفقيه بالانتخاب المباشر، أو تحويله لقيادة جماعية من آيات الله بدلا من رجل واحد، أو حتى إلغاء ولاية الفقيه كليا. وعلى خلاف أحمدى نجاد المحافظ المتشدد الذى كانت سنوات حكمه ثقيلة مليئة بالخوف بسبب صعود وهيمنة رجال الحرس الثورى والباسيج على مفاصل الدولة من الاقتصاد والسياسة إلى الثقافة.
روحانى ليس إصلاحيا ولا محافظا، إنه سياسى براجماتى واقعي، واستراتيجى حاذق. يعرف كل أجهزة ومؤسسات الدولة الإيرانية. ويعرف مراكز العصب الاستراتيجى وأولوياتها فهو كان رئيس مجلس الأمن القومى الإيرانى لمدة 16 عاما، ورئيس مركز الدراسات الإستراتيجية التابع لمكتب المرشد الأعلي. كما يعرف أدق تفاصيل الملف النووى فهو كان المفاوض النووى الرئيسى خلال حكم خاتمي. وعندما أنتخب رئيسا لإيران خرج أنصار الحركة الخضراء ابتهاجا، لكن المحافظين لم ينزعجوا لانتخابه أيضا. بعبارة أخري، روحانى أقوى رئيس يحكم إيران منذ هاشمى رفسنجانى الواقعى البرجماتي.
لكن برغم هذه الشعبية وهذا النفوذ، فإن تمرير الاتفاق النووى مع الغرب أمر صعب، وهو بالنسبة لبعض الإيرانيين اليوم مثل "كأس السم" التى تجرعها آية الله الخمينى عندما وافق على إنهاء الحرب مع العراق. فالتغيير لن يقتصر فقط على إبطاء إيران برنامجها النووى لمعدلات قياسية كى يطمئن الغرب من أنها لن تطور سلاحا نوويا، التغيير سيشمل الخطاب الأيديولوجى للنظام ولو تدريجيا. فلن تصبح أمريكا هى "الشيطان الأكبر" عندما تبدأ الشركات الأمريكية فى التوافد على إيران للاستثمار.
وتقول هالة اسفنديارى مديرة برنامج الشرق الأوسط فى مركز وودورد ويلسون فى واشنطن ل"الأهرام":"منذ انتخب روحانى دفع نحو تغيير الخطاب الرسمى الإيرانى وشكل حكومة كفئا، الكثير من وزرائها تعلم فى الخارج، بعضهم مثل وزراء المالية والاقتصاد ورئيس البنك المركزى الإيرانى يقدمون أداء جيدا. كما حاول روحانى مد جسور الوصل مع العالم الخارجى بدلا من سياسات المواجهة التى انتهجها أحمدى نجاد. روحانى أظهر مرونة وتفهما. فقد وعد الإيرانيين انه سينفتح اجتماعيا وسينهى عزلة إيران الدولية. وسينتهج خطابا معتدلا ومتحضرا. كما وعد انه سيحاول التوصل لاتفاق بخصوص الملف النووى لتحسين أوضاع الاقتصاد الإيراني".
وتتابع اسفندياري:"لكن هذا لا يعنى أنه لا توجد عناصر فى البلاد تحاول تقويض عمله. هناك قوى وسط الأجهزة الأمنية والمتشددين فى البلاد تسعى لتقويض ما يقوم به.
عندما أعلن التلفزيون الإيرانى التوصل للاتفاق الإطارى مع دول 5 زائد 1، نقل على الهواء مباشرة كلمة الرئيس الأمريكى من البيت الأبيض وهذا شئ نادر. بعدها بساعات خرج الآلاف يحتفلون بعلامات النصر. لكن فى الأيام التالية عندما توجه وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ورئيس هيئة الطاقة النووية الإيرانية على أكبر صالحى إلى البرلمان لإطلاع أعضائه على مسار المفاوضات كانت هناك مظاهرات معادية للاتفاق.
المشاعر المختلطة فى إيران حيال الاتفاق تظهر أيضا فى أفقر أحياء جنوب طهران. ففى الأسواق الشعبية وأمام المساكن البسيطة حيث يعيش فقراء العاصمة، صور آية الله الخمينى وعلى خامنئى فى كل مكان. ولا يعرف السكان تفاصيل الاتفاق بالضرورة ولا ما يعنيه، لكنهم يقولون: "إذا دعمه المرشد، فنحن ندعمه" أو إذا ساهم فى تقليل البطالة، حيث يوجد 4 ملايين عاطل عن العمل "فلماذا نرفضه؟".
ويقول حسين راسام المستشار الإيرانى السابق لشؤون الشرق الأوسط بالخارجية البريطانية ل"الأهرام": "السعادة فى الشارع هى اقتصادية بالأساس وليست بالضرورة سياسية. فهى لا ترتبط مثلا بتحسن مفاجئ فى صورة أمريكا والغرب لدى الشارع الإيراني. فالإيرانيون ينظرون إلى احتمال تحسين العلاقات مع أمريكا من زاوية كيف ستتحسن أحوالهم الاقتصادية وليس من ناحية سياسية، لأنهم أكثر من دفعوا ثمن العقوبات.
وهناك معارضة داخلية وإن كانت خافتة نسبيا للاتفاق النووي. فليس كل الإيرانيين بالضرورة مستعدين أو راغبين فى هذا التحول الاستراتيجى الكبير. ففى إيران ليس هناك أكثر من لافتات "الموت لأمريكا" وليس هناك أكثر من صور قتلى الحرب مع العراق، وفى كل مدينة إيرانية مقبرة ضخمة لهؤلاء لا تخلو من الزوار ساعة. بعبارة أخرى كراهية أمريكا والريبة فى نواياها ليست فقط نتاجا لشعارات أيديولوجية رسمية استمرت نحو 36 عاما، بل أيضا مشاعر حقيقية كامنة فى نفوس الكثير من الإيرانيين.
وأكثر ما يقلق المحافظين والمتشددين الأيدلوجيين، هو تقديم تنازلات فى البرنامج النووي. فبالنسبة لهم البرنامج النووى يجب أن يخضع لمراقبة وكالة الطاقة الذرية فحسب، ولا يجب أن يستخدم كورقة للضغط على طهران. ويرى هذا التيار أن المخاطر السياسية للصفقة النووية، أكبر من عوائدها الاقتصادية، وعلى هذا الأساس يجب أن يرفض الاتفاق النووى من المرشد الأعلي.
هذه المواقف وغيرها تظهر أيضا قلقا بالغا فى أوساط المحافظين والمتشددين من تأثير التوصل للاتفاق على توازن القوى داخل إيران. ففى 2016 ستجرى انتخابات البرلمان وانتخابات مجلس الخبراء وهما مؤسستان مهمتان جدا فى بنية السلطة فى إيران. وإذا استطاع روحانى وفريقه التوصل للاتفاق النووى ورفعت العقوبات، فإن المعتدلين سيحققون انتصارا كبيرا فى البرلمان وفى مجلس الخبراء على حساب المحافظين الذين يتخوفون من التهميش والإقصاء.
ويقول حسين راسام المستشار السابق للشرق الأوسط فى الخارجية البريطانية "الاتفاق النووى تأثيره على إيران داخلى كما هو إقليمى ودولي. ففى الداخل الإيراني، إذا ما استطاع المعتدلون التوصل للاتفاق فإن هذا ستكون له آثار طويلة وبعيدة فيما يتعلق بصراع الأجنحة داخل إيران بين المحافظين والمعتدلين، وسيعطى للمعتدلين اليد الطولى لفترة من الزمن. أما المحافظون فأكثر ما يخشونه هو أن تصبح العلاقة مع أمريكا علاقة خضوع، أو أن تجبر أمريكا إيران على تقديم تنازلات فى ملفات معينة".
ويتابع:"المرشد الأعلى بحكم موقعه يحتاج إلى أن يوازن بين الأجنحة المتصارعة فى الداخل. فالمحافظون يظلون أقوياء حتى لو تمكن المعتدلون من التوصل لإتفاق نووي. ودور خامنئى أن يضمن أن المحافظين سواء فى المؤسسة الدينية أو العسكرية أو السياسية أو الإقتصادية لن يشعروا بالتهميش فى حالة التقارب مع أمريكا.

العلاقة بين خامنئى وروحانى
ديناميكية العلاقة بين خامنئى وروحانى مهمة لإنجاح الاتفاق. ففى هذا النوع من المفاوضات الطويلة "المطبات" يمكن أن تحدث كل دقيقة. وعبر خامنئى نفسه عن الشك عندما سئل عن الاتفاق الإطارى فقال:"ليس هناك شئ بعد كى أعطى رأيا حوله". وفى مناقشة فى "المعهد الأمريكى للسلام" فى واشنطن حول الاتفاق الإطارى والتهديدات أمام اتفاق نهائي، قال جيم سلاترى العضو الديمقراطى بالكونجرس الأمريكى بين 1983 و1995: "أسوأ كابوس لحكومة روحانى أن تضع على مائدة التفاوض أفضل عرض يمكن أن تقدمه إيران... ثم لاعتبارات أمريكية داخلية، يصوت الكونجرس ضد الإتفاق. هناك فى إيران مسئولون وضعوا مستقبلهم السياسى كله رهن التوصل لاتفاق مع أمريكا".
وسط هذه الشكوك، ما هى المسافة الفاصلة بين خامنئى وروحاني؟ ومن سيتحمل عبء الفشل؟ ومن سيكون صاحب الانتصار؟. يقول راسام: "إذا نجح روحانى وفريقه فى تحقيق ما يأمل فيه المرشد الأعلي، فهذا سيكون انتصارا كبيرا له وللمرشد. ولهذا قال خامنئى مرارا إنه يدعم المفاوضات النووية لكنه لا يريد التدخل فى تفاصيلها ويترك ذلك لروحانى وظريف ولفريق التفاوض الإيراني. المشكلة بالنسبة لروحانى انه إذا لم يحقق لإيران المتوقع من المفاوضات، فإنه يمكن أن يصبح كبش فداء وسيكون عليه أن يتحمل كل اللوم والمسئولية.
ويضيف: "ديناميكية العلاقة بين خامنئى وروحانى مهمة جدا. فهو نافذ جدا وقوى وله باع طويل فى السياسة الإيرانية، لكنه أيضا من أقنع خامنئى بضرورة عودة المفاوضات وتقديم تنازلات، وهذا يجعله فى وضع حساس.
وكان التقدير الإيرانى انه إذا كان لابد من الإتفاق مع الأمريكيين، فإدارة أوباما هى الأفضل. كما أن رفع العقوبات هو أهم ما تحتاجه طهران اليوم. فالعقوبات شلت إيران عن التحرك للامام، وعن التحول لقوة اقتصادية كبيرة فى الشرق الأوسط، ومنعتها من أن تكون الدولة التى كان يمكن أن تكونها خلال الثلاثين عاما الماضية. يعتقد الإيرانيون أنهم يمتلكون القوة البشرية والعقول والمواد الخام والتعليم الجيد لإحتلال موقعهم فى المنطقة.
البعض فى إيران يتخوف فعلا من تأثيرات تعثر المفاوضات على الوضع الداخلي. وتقول مهرافية وهى شابة إيرانية درست الأدب الإنجليزى فى بريطانيا قبل عامين، وتعيش فى شمال طهران ل"الأهرام" : "قبل أسابيع أعلنت الحكومة أنها ستسمح للنساء بدخول الملاعب الرياضية جنبا إلى جنب مع الرجال. هذا يعنى الكثير للإيرانيين. هناك أجواء انفتاح عامة وهامش حريات أكبر وشعور عام بالارتياح والترقب أيضا. لكن لو أخفقت المفاوضات، فإن النقيض سيحدث. سيرد المرشد الأعلى كما حدث عندما فشلت المفاوضات بين 2003 و 2005 فى نهاية حكم خاتمي. سيبحث عن أحمدى نجاد جديدا متشددا داخليا وخارجيا. سنعود إلى نقطة الصفر".
ولا يختلف إيرانيان على ضرورة الحفاظ على البرنامج النووي. وتقول مهرافية :"لا شئ يبرر التخلى عن برنامجنا النووي. لقد دفع جيلان فى إيران ثمن استمرار هذا البرنامج. الثمن كان عقوبات وتضييقا وفقرا وبطالة وتضخما ويأسا. لا شئ يمكن أن يعطيه الغرب لنا يكفى للتخلى عن البرنامج النووى، حتى لو كان ذلك رفع العقوبات".

طهران والعرب
و شروط الثقة

هل فعلا "عندما يتفق الفأر والقط تخرب البقالة" كما يقولون في إيران؟ البعض في الشرق الأوسط بدأ يحصي خسائره حتى قبل أن يوقع الاتفاق النهائي. لكن مسئولين وسفراء أوروبيين وأمريكيين وإيرانيين يوضحون أن الاتفاق مع طهران قد لا يكون سلبيا بالضرورة على الاستقرار في المنطقة. فهو "فرصة" و"مخاطرة" في الوقت نفسه، ويمكن أن يؤدي إلى الشئ أو نقيضه. فقد يفتح الباب أمام تهدئة إقليمية على أساس أن الحوار الإقليمي أفضل من الصراع الإقليمي. لكنه يمكن أيضا أن يؤدي إلى أن يبلغ الصراع مستويات غير مسبوقة بحسب البؤرة وأهمية المواجهة.

ولا تربط الإدارة الأمريكية أو الحكومة البريطانية، ، بين الملف النووي من جهة وبين سياسات إيران الإقليمية من جهة أخرى. وقد صممت المفاوضات بحيث يكون التركيز على الملف النووي حصريا، وذلك كي لا تعقده الاضطرابات الإقليمية الأخرى. وعلى هذا الأساس فإن الرفع المتوقع للعقوبات عن إيران مرتبط فقط بتنفيذ طهران لالتزاماتها النووية، بغض النظر عن الخلافات الإقليمية بينها وبين دول المنطقة.
وتقول مسئولة بالخارجية البريطانية ل"الأهرام":"نحن نفصل كليا بين المفاوضات النووية مع إيران وأنشطتها الإقليمية. بمعنى أن الملف النووي في مسار وباقي الملفات الإقليمية في مسار آخر"، موضحة في الوقت ذاته أن الدول العربية يتم إبلاغها بتطورات المفاوضات النووية "دون الدخول في تفاصيل المفاوضات نفسها".
ومع استئناف جولات التفاوض حول الجوانب التقنية للاتفاق النووي، ووتيرة ونطاق تخفيف العقوبات، شددت الخارجية الأمريكية ل"الأهرام": على أنه لن تكون هناك "حوافز مجانية" لإيران، وأن أي تخفيف للعقوبات عليها مرتبط بالتزامها بشروط إبطاء برنامجها النووي.
وقال مسئول بالخارجية الأمريكية ل"الأهرام" بشأن الخلافات حول تدرج رفع العقوبات: "قلنا دوما إن تخفيف العقوبات على إيران مرتبط بالتحقق من إلتزامها وتنفيذها لكل الخطوات الواردة في الاتفاق النووي. وسوف نعيد فرض العقوبات على طهران إذا ما انتهكت التزاماتها بموجب الاتفاق.
بدورها تشدد الخارجية البريطانية على مبدأ "عدم رفع العقوبات فوريا وبشكل شامل". وتقول مسئولة بالخارجية البريطانية ل"الأهرام: "في النهاية نحن نعتمد على تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تنظر في التزام إيران ببنود الإتفاق النووي. وبالتالي التوجه البريطاني هو عدم رفع العقوبات بشكل فوري".
وتدعم إيران أيضا فكرة فصل الملف النووي عن باقي الملفات الإقليمية. ويقول علي أكبر موسوي، العضو السابق في البرلمان الإيراني: "كان من الضروري عدم الربط بين الملف النووي وأي ملفات إقليمية أخرى لأن هذا كان سيجعل التوصل لإتفاق في حكم المستحيل".

مخاوف غربية
لكن لماذا لم يربط الغرب بين الاتفاق النووي مع إيران وباقي الملفات الإقليمية؟. يقول ، ارون ديفيد ميللر "لا أظن أنه يمكن السير في المسارين معا.
ويتابع:"في رأيي لا يمكن فصل الملف النووي عن سلوك إيران في المنطقة لأن البرنامج النووي نتاج للطموحات الإيرانية الإقليمية. نتاج لرؤيتهم لأنفسهم ونظامهم. إذا أدى الاتفاق إلى تغيير سياسات إيران الإقليمية وتغيير ممارسات النظام، فهذا تطور إيجابي. لكن إذا لم يحدث هذا، فكأننا أضعنا الوقت. فالاتفاق النووي ينص على أن تلتزم إيران بتقليل عدد آلات الطرد المركزي، وتخفض نسب تخصيب اليورانيوم، وتفتح منشآتها النووية للتفتيش لمدة 10 سنوات فقط من لحظة توقيع الاتفاق. العشر سنوات فترة قصيرة جدا، إنها لا شئ. أعتقد أنه ما لم يغير الاتفاق سلوك إيران، فإن ما سيحدث خلال العشر سنوات هو أن طهران ستظل لديها الإمكانيات لإنتاج سلاح نووي، لكنها ستكون أغنى، وأقوى، وأقل عزلة".
وإذا كان الكثيرون في الشرق الأوسط والعواصم الغربية يأملون في أن يلحظوا تغييرا فوريا في السلوك الإقليمي الإيراني بمجرد التوصل لإتفاق نووي نهائي، فإن الإشارات الواردة من طهران لا توحي بأن هذا ما سيحدث. ويقول دبلوماسي إيراني سابق إنه "لن يتغير أي شئ بشكل جذري أو فوري" فيما يتعلق بسياسات طهران الإقليمية، فهناك "فترة اختبار" ستتركها طهران "لجس نبض توجهات دول المنطقة".
ويوضح دبلوماسي إيراني "أهم شيء بالنسبة لإيران وأمنها وسط تلك التقلبات الحادة التي تشهدها المنطقة هو عمقها الإستراتيجي الذي يفصلها عن الخطر المباشر. بهذا المعنى يمكن النظر لموقفها في سوريا والعراق وأفغانستان. البعض يرى أن هذه سياسات عدائية، لكنها في الحقيقة دفاعية ونفوذ إستراتيجي احتياطي". ويوضح "كي تتخلى إيران عن المناطق العازلة حولها فلابد أن يكون هناك حوار بناء بينها وبين الدول الإقليمية الكبرى وهذا غير متوافر الآن".
ويضيف: "بإمكان دول المنطقة مساعدة البرجماتيين في إيران إذا ما تحسن مستوى التعاون بين طهران وجوارها الإقليمي. فالاتفاق النووي سيحسن مستوى العلاقات بين طهران والغرب، لكنه لن يحسن بالضرورة العلاقات بين طهران والدول العربية. تحسن العلاقات العربية - الإيرانية يحتاج جهدا آخر. للأسف ما يجري حاليا في المنطقة لا يبعث على التفاؤل... الأخبار الجيدة الوحيدة أن لدينا فريق براجماتي معتدل يقود سياساتنا الخارجية وإذا نجح في الملف النووي، فإن هذا النهج قد يمتد لقضايا أخرى في الشرق الأوسط".
لا أحد يعرف الآن على وجه الدقة كيف يمكن أن تتغير سياسات إيران في المنطقة بعد الاتفاق النووي. وأول هؤلاء أمريكا نفسها. السلوك الإقليمي الإيراني لا يتم في فراغ ويحدده الكثير من العوامل، من بينها المصالح الأستراتيجية الإيرانية، ومدى التوافق داخل إيران على الأولويات الأمنية، وحجم الضغوط الغربية على طهران، ومستوى علاقاتها الإقليمية، والمناخ العام في الشرق الأوسط.
وبينما يسعى مسئولون في المنطقة، خصوصا في الخليج إلى إقناع إدارة أوباما بالضغط على طهران في ملفات معينة على رأسها سوريا، فإن المؤشرات الآتية من أمريكا وأوروبا هي أنه بسبب "احتدام النزعة الطائفية وهيمنتها على كل قضايا المنطقة، فإن التدخل الأمريكي أو الأوروبي لصالح طرف على حساب الآخر لم يعد مطروحا على الطاولة".

ضمانات أمنية مكتوبة
ووسط قلق خليجي متزايد من أثار الأتفاق النووي على موازين القوة في المنطقة وتردد الغرب في التدخل في "الأوحال الطائفية" في الشرق الأوسط، تريد دول خليجية الحصول على ضمانات أمنية أكبر من الولايات المتحدة. وقبل قمة كامب ديفيد بين قادة الخليج والرئيس الأمريكي باراك أوباما في 13 و14 مايو الجاري، تبلورت قائمة مطالب خليجية من بينها معاهدة دفاع مشترك أو حلف أمني. أو منح دول الخليج وضع "شريك خاص" في حلف شمال الأطلنطي.
ويقول مسئول خليجي مطلع:"بعد عشر سنوات وعندما تنتهي مدة الاتفاق ويكون من حق إيران استئناف أنشطتها النووية المعتادة ماذا سيحدث؟ لا أحد يعرف. على دول الخليج أن تبدأ قدرات الردع الآن. لن أنتظر 10 سنوات كي أرى إيران تخصب اليورانيوم من 10% إلى 20% إلى 90% لإنتاج سلاح نووي".
لكن هناك فجوة بين ما يريده الخليج وبين ما يمكن أن تقدمه أمريكا. ووفقا للمسئولين الأمريكيين فإن البيت الأبيض عارض فكرة الحلف الأمني أو معاهدة الدفاع المشترك على أساس أنها "غير واقعية" بسبب صعوبة تصديق مجلس الشيوخ الأمريكي عليها، ولكونها "غير ضرورية" أيضا.
وتركز واشنطن بالمقابل على فكرة تفاهمات ومبادرات أمنية جديدة مع الخليج من ناحية، وإقناعهم من ناحية أخرى أن الاتفاق النووي مع إيران هو لصالح الاستقرار في المنطقة على المدى الطويل، فهذه هي قناعة اوباما نفسه.
القلق الإقليمي من الصفقة النووية بين إيران والغرب، يعززه أن الاتفاق يأتي في خضم خلافات عنيفة حول طبيعة القيادة الأمريكية في الشرق الأوسط، يمكن تلخيصها بأن "أصدقاءها لم يعودوا يصدقونها وأعداؤها لم يعودوا يخافون منها".
أما أكثر ما يقلق دول المنطقة وعلى رأسها الخليج فهو كلام أوباما عن رؤيته ل"توازن الأضداد في المنطقة"، وهى فكرة تقوم على أن إيران التي لطالما كانت مصدر القلق بالنسبة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، يمكن أن تصبح مصدرا للاستقرار. هذه فكرة فقط المستقبل يمكن ان ينبئ إن كان يمكن أن تنجح أم لا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.