قال تعالى فى محكم التنزيل {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الأفِلِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} المعاني الإيمانية النورانية وراء الآيات القرآنية تدور حول محاولة إبراهيم عليه السلام معرفة ربه عز وجل بعدما رأى ان قومه يعبدون أصناما لا تنفع ولا تضر وشعر أن ذلك مهانة ان نعبد أصناما من صنع البشر، واخذ يفكر ويطوف ببصره في الكون الفسيح متأملا حائرا أين ربي؟أين إله الكون؟ وتناقش مع قومه متسائلا ما هي التماثيل التى انتم لها عاكفون هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم او يضرون؟! لكن لم يجد مجيبا فهم وجدوا آباءهم كذلك يفعلون ولغوا عقولهم ولم يريدوا ان يتبعوا طريق الهداية . ومع حيرة سيدنا إبراهيم في مشوار معرفة ربه لم يشأ المولى عز وجل ان يتركه كذلك حائرا طويلا وجعله يعيش أحلى المظاهر الإيمانية حيث جعله يعيش جزءا من مظاهر عظمة الله، في طريق رحلة اليقين للهداية والتعرف على ربه ليلا حين رأى القمر ساطعا فبدأ يملأ الكون بضيائه فتخيل ان ذلك هو المولى عز وجل، لكن حينما خفت ضوء القمر وظهرت الشمس احتار وقال هذا ربي فلما غابت قال لا أحب الآفلين وطلب الهداية من ربه قائلا "لئن لم يهدنى ربي لأكونن من القوم الضالين". أعظم مراحل الإيمان ان المولى عز وجل جعل سيدنا ابراهيم عليه السلام يجتهد في طريقه إلى نور الهداية باقتناع منه فكان ان أطلق له العنان كي يسبح في الكون باحثا عن ربه ليهتدي يقينا إلى وجود الله "وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين" وكأن الله يريد ان يفتح لسيدنا إبراهيم أسرار الكون الفسيح ويحيطه من نور البصيرة ما يهتدي به إليه ليري بعين اليقين الأدلة الدامغة على وجود الله. وكان من حكمة المولى ان يعلم البشر كيفية إعمال العقل والمنطق والبصيرة في استدلاله عند الإيمان بالله سبحانه وتعالى فمن السهل ان يطلع سيدنا إبراهيم عليه وان يرسل إليه الوحى والناموس ليعرفه طريق الحق والنور، ولكنه أراد له العمق وإمعان النظر في الوصول إليه سبحانه وتعالى فكلما زاد الاعتبار واليقين وزادت المجاهدة تكون بعدها المكاشفة والوصول إلى الهداية الحقة التى لا لبس فيها ولا غموض. قال تعالى "ولقد أتينا إبراهيم رشده وماكنا به عالمين" وهذه كانت أول مراتب الهداية والتعرف على المولى بنور البصر والبصيرة قال إبراهيم "انى وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين" وما كان له ان يقول ذلك بإطلاق الهداية إلى نفسه وهو خالق الكون هو الاله الجدير بالعبادة ولهذا وجه سيدنا إبراهيم نظره لهذا الاله الذى خلق السموات والأرض ومن فيهن. البشر جميعا مطلوب منهم الإيمان بالله يقينا منهم في وجوده ومظاهر وجود الله عز وجل واضحة أمام الجميع لما يعمل بصره وبصيرته من اجل التعرف على وجود الله، لان المولى عز وجل هو الحقيقة الوحيدة في هذا الوجود فهو موجود قبل الوجود ذاته،موجود قبل خلق السماوات والأرض موجود قبل المكان وقبل الزمان، لأنه بقدرته هو الذي اوجد المكان والزمان قبل أن يوجد الخلق والكائنات جميعا. وعندما وصل سيدنا إبراهيم إلى ربه وتعرف عليه وحمل دعوة الرسالة إليه عزوجل لم يستسلم لعناد قومه حيث قال لهم "أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا ان يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شئ علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا". وصدق الله العظيم حين قال "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم عليم" وعز من قائل "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" وقوله تعالى "ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده" ونسأل المولى عز وجل لنا جميعا الهداية والتعرف إليه بنور البصر البصيرة والعمل على طاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه. لمزيد من مقالات فهمي السيد