عباد الله.. شهر رمضان موسم فعل الصالحات ونيل الدرجات والحسنات وغسل الذنوب واستدراك المعاصي عزم علي الرحيل ولم يبق منه سوي العشر الأواخر أطلت علينا تشد همم المتقين العابدين للاقتداء بسيد المراسلين ، ليكونوا في سجل المقبولين في أمتحان الدنيا وعداد المرحومين، فمن منكم أجتهد ويجتهد في ختامه فعليه حمد الله علي توفيقه. ومن فرط ولم يتعظ سيكون من الأشقياء وعداد المحرومين ، فاستودعوه عملا صالحا يشهد لكم به وإلا سيكون شاهداً عند ملك الملوك ، والحقوا فرصة العمر بالعشر الأواخر وما تتشرف به من ليلة القدر التي أنزل فيها قرأنه الكريم ليكون هدي للناس ، وخصها بخير من ألف شهر ليزداد المحسنون ويستدرك المقصرون.
أيها الأحباب.. لقد قطعتم الأكثر من شهر الصيام ولم يبق سوي اليسير من عشر العتق من النار ، فيقول الله تعالي " قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسكم لا تقنطوا من رحمة الله أن الله يغفر الذنوب جميعا أنه هو الغفور الرحيم " وقال النبي صلي الله عليه وسلم " التائب من الذنب كمن لا ذنب له" ، فكفي الانصياع وراء حيل الشيطان بالإنشغال بمتابعة الفضائيات والتسوق من أجل مشتريات العيد ولهو الأحاديث والتقصير في العبادة وقراءة القرأن وذكر الرحمن والتكاسل عن صلاة الجماعة والتراويح وقيام الليل في وقت ينزل الله فيه في كل ليلة إلي سماء الدنيا فيقول " هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له هل من تائب فأتوب عليه حتي يطلع الفجر "، فمن منا يضمن صيام رمضان آخر والاوكازيون السنوي للرحمة والغفران والعتق من النيران والخير العظيم ، والإقتاء بسيد المرسلين وختم الأنبياء بمزيد من الاجتهاد في العبادة ، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله " ، وكان من هديه قيام الليل فقال " أن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة" ، وكان من هديه الاعتكاف في العشر بالمسجد مجتهدا في عبادة ربه متحريا ليلة القدر وهي سنة ثابتة في كتاب الله وسنة رسوله لقوله تعالي " وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود" وما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبي يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتي توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده" .
ليلة خير العمر.. هي سلام للمؤمنين من كل سوء وحصن من كل شر من غروب شمسها إلي طلوع فجرها ، فيها يتنزل الروح الأمين جبريل عليه السلام والملائكة الكرام يشهدون مواطن الذكر والقيام والدعاء فتعم الأنوار وتحل البركات علي الأرض وتجاب الدعوات، وقد سألت عائشة النبي " أرأيت أن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال: قولي اللهم أنك عفو تحب العفو فأعف عني " ، وفيها تقدر أقدار العام تقتضي فيها الأمور وتقدر الآجال والأرزاق كما قال تعالي " فيها يفرق كل أمر حكيم " ، وبشر المصطفي بفضلها فقال: " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" ، وأمر بتحريها في العشر الأواخر من رمضان وفي أيام الوتر خاصة ، فقال " فيه ليلة هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم" ، ومن هديه زيادة الأقبال علي كتاب الله تلاوة وتدبرا فكان يتدارس وجبريل القرأن سويا حتي يختمه وفي العامة الذي قبض فيه ختمه مرتين .
هكذا كان حال اجتهاد المصطفي الذي وعده ربه بالغفران له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فتقول له عائشة وقد رأت قدماه تفطرت من طول القيام " تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلي الله عليه وسلم " أفلا أكون عبداً شكورا" ، فكيف بنا ونحن المذنون المقصرون أن نتغافل عن تلك الفضائل والتكاسل عن المكارم والإنشغال بالدنيا الفنية وإن طالت ؟ فما أحوجنا لموسم التجارة الرابحة مع الله تعالي ورحمته ومغفرته والعتق من النار قبل ما نوسد بالقبور ويهال علينا التراب ولا أنيس سوي العمل الصالح .. أنها تذكرة فاتقوا الله يرحمكم الله واجتهدوا قدوة بنبيكم وتنافسوا بالقربات وإياكم بالملهيات وتضيع الأعمار واستغلال ليلة العمر ليلة القدر بألف شهر فمن يضمن عبادة خالصة " 83 سنة " ياعباد الله .. مستعدون يالا للطاعات !!! [email protected] لمزيد من مقالات محمد مصطفى حافظ