دول مرتبكة، وأخرى غيرت موقفها 180 درجة، وأخرى حافظت على مواقفها ثابتة، إما بالتأييد الكامل لثورة المصريين الثانية، أو الرفض المطلق، وعدم الاعتراف بها. هذه هي أبرز مواقف الدول المختلفة تجاه ما حدث في مصر في 30 يونيو 2013 وما بعدها من أحداث شملت إقرار دستور وانتخاب رئيس جديد بأغلبية شعبية جارفة. إذا بدأنا بالقوى الكبرى، نجد أنه على الرغم من رفض واشنطن استخدام كلمة "انقلاب" لوصف ثورة 30 يونيو منذ البداية، فإنها قررت تعليق المساعدات العسكرية لمصر بعد ثورة 30 يونيو مباشرة، وأبدت تحفظات صريحة على أسلوب القيادة الجديد، وعلى مدى العامين الماضيين، تلاحقت التقارير التي تكشف الدعم الأمريكي السري لجماعة الإخوان الإرهابية، ولكن مع تصاعد خطر "داعش" والإرهاب في الشرق الأوسط، والتقارب الملحوظ بين القاهرة وموسكو، اضطرت إدارة أوباما "المرتبكة" إلى استئناف المساعدات لمصر، والسعي لتحسين العلاقات، ورغم عدم وجود خطط لزيارات متبادلة بين قادة البلدين، فإن لقاء واحدا جرى بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي، كان له تأثير كبير في تحسن العلاقات كما ظهرت بادرة إيجابية وتحول مهم قبل أيام قليلة، برفض الخارجية الأمريكية استقبال وفد جماعة الإخوان الإرهابية، وإن كانت بيانات التدخل في الشأن المصري لا تتوقف بصفة عامة من جانب الإدارة الأمريكية بين الحين والآخر. وعلى النقيض تماما، وقفت روسيا في صفوف الدول الأولى المؤيدة لثورة 30 يونيو، امتدادا لموقفها الثابت من جانب جماعة الإخوان الإرهابية بنص حكم المحكمة العليا الروسية عام 2003، وتم إبرام صفقات سلاح مثمرة بين الجانبين، وتبادل الرئيسان السيسي وبوتين وكبار القادة العسكريين والسياسيين الزيارات بشكل مكثف. أما علاقة مصر بالاتحاد الأوروبي فهي متداخلة للغاية، وقد تغير موقف دول الاتحاد الأوروبي بعد 30 يونيو نتيجة لحدوث تحرك دبلوماسي مصري نشط ساعد على توضيح الصورة للأوروبيين، بعد أن كان اللبس سيد الموقف الأوروبي نتيجة لسوء تقدير بعض وسائل الإعلام الغربية للوضع في مصر واعتمادها على معلومات وتقارير مغلوطة مصادرها جماعة الإخوان نفسها أو المعارضون للدولة المصرية. وتغير الموقف الأوروبي جاء صراحة على لسان كاثرين أشتون مفوضة الشئون الخارجية السابقة حيث اعترفت بعد تكرار زياراتها للقاهرة والتى شملت زيارة للمسجونين من قيادات الإخوان أنفسهم بأن الموقف تغير، وأدرك الاتحاد بمرور الوقت أن ما حدث هو امتثال لإرادة شعبية، وأن ثورة 30 يونيو هي استكمال لثورة 25 يناير 2011، واعتبرت آشتون أن تشكيل الحكومة المؤقتة والإعلان عن لجنة تعديل الدستور بداية جيدة بشأن خريطة الطريق للمرحلة الانتقالية، والأمر نفسه ينطبق على تصريحات فيديريكا موجيريني التي خلفتها في المنصب نفسه، حيث أدلت بتصريحات إيجابية عن الوضع في مصر، وإن كانت تبقى مشكلة الاتحاد الأوروبي ككل في رفضه عقوبة الإعدام من حيث المبدأ بحق قيادات الإخوان، انطلاقا من أن أوروبا لا تطبق هذه العقوبة. وبعد موقف ألماني متحفظ تجاه ثورة 30 يونيو، عادت المستشارة أنجيلا ميركل لتطالب من تلقاء نفسها بلقاء الرئيس السيسي في ألمانيا، ونجحت زيارة الرئيس السيسي لألمانيا في تحقيق هدفها بتصحيح الصورة الكاذبة التي روج لها البعض، وفي جذب الاستثمارات والسياحة الألمانية لدعم الاقتصاد المصري، ولا ننسى أن موقف ألمانيا كان الأصعب أوروبيا، ولكن اعترافها بثورة 30 يونيو وبشرعية القيادة المصرية وبدء التعاون معها في مشروعات وصفقات عسكرية واستثمارية مختلفة يعني أن كل ما مضى لم يكن سوى صفحة وانطوت. وكانت فرنسا من الدول التي غيرت موقفها سريعا، وكان المفتاح الرئيسي في هذا التحول المصالح المشتركة التي عبرت عنها صفقة طائرات رافال الفرنسية لمصر، والتي أعقبها تعاون سياسي وعسكري على أعلى مستوى بين البلدين. والأمر نفسه بالنسبة لبريطانيا التي أجلت صدور تقرير أنشطة "الإخوان" على أراضيها بعد أن رأت أن مضمونه سيغضب حلفاءها، بما فيهم مصر، لأنه لا يعبر عن الخطورة الحقيقية لجماعة الإخوان، وعلى الرغم من بعض البيانات غير المشجعة من الجانب البريطاني عن الشأن الداخلي في مصر، فإن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أبدى رغبته مؤخرا في لقاء الرئيس السيسي في لندن، مما يعني أن مصر نجحت في توقيت قياسي في كسب ثقة دول أوروبا القديمة أو الرئيسية، بريطانياوفرنسا وألمانيا. ولا ننسى أن الموقف البريطاني بالذات بدأ سيئا، حيث استدعت الخارجية البريطانية سفير مصر لديها وطالبت بضبط النفس، ودعا وزير الخارجية ويليام هيج في بيان له قيادات كل الأطراف بالعمل لخفض احتمال وقوع أعمال عنف من خلال الحوار وضبط النفس، كما أكد على أن بريطانيا تشارك بشكل وثيق في جهود دبلوماسية مكثفة تهدف إلى التوصل إلى حل سلمي لهذا المأزق، وبعدها بأيام، أعلن هيج وقف التعاون الأمني مع الجانب المصري وإلغاء عدد من اتفاقيات السلاح المبرمة بين الطرفين، في حين أبدت وسائل الإعلام المصرية استياءها من تزايد نفوذ قادة الإخوان والعناصر المتطرفة في بريطانيا، وهو ما دفعت بريطانيا نفسها ثمنا باهظا له لاحقا في صورة متطرفيها الذين ذهبوا للقتال مع داعش. أما اليونان، التي تعد من أقرب الدول الأوروبية لمصر جغرافيا وتاريخيا وثقافيا، فقد كان موقفها مشرفا منذ اللحظة الأولى لاندلاع ثورة 30 يونيو، وعكس بحق النظرة العميقة والشاملة للعلاقات بين البلدين، إذ عارضت اليونان منذ البداية تناول الاتحاد الأوروبي لشئون مصر الداخلية بشكل سلبي، وأكدت ضرورة إتاحة المجال لمصر لإجراء الإصلاحات المطلوبة. والأمر نفسه ينطبق على قبرص الذي قال رئيسها نيكوس أناستاسيادس إن بلاده شعرت منذ البداية بضرورة الوقوف مع الشعب المصري وإرادته، لأنها دولة كبيرة ومصدر أساسي لاستقرار المنطقة، وأكد صراحة ارتياحه لتولي الرئيس السيسي مهام الأمور في مصر، وكان الرجل من أوائل قادة الدول الذين زاروا مصر عقب ثورة 30 يونيو. والأمر نفسه ينطبق على رئيس وزراء إيطاليا ماتيو رينزي الذي كان من أول كبار المسئولين الأوروبيين الذين يزورون مصر بعد الثورة، وبخاصة لحاجة البلدين إلى التنسيق فيما يتعلق بالوضع في ليبيا. وعلى النقيض من ذلك، بقيت مواقف بعض الدول الأخرى مخيبة للآمال، فقد وجه وزيرا خارجية النرويجوالسويد انتقادًا للموقف الأوروبي تجاه ما يجري في مصر، حيث عد وزير خارجية السويد أن 30 يونيو يعني إغلاقا لباب الديمقراطية في الدول العربية، وحث الاتحاد الأوروبي بأن يدافع عن الديمقراطية في مصر كما دافع عنها الاتحاد الافريقي حين علق عضوية مصر في المنظمة، ولكنها على أي حال مواقف لم ترق إلى درجة القطيعة بين مصر وهاتين الدولتين. على الجانب الآخر من العالم، حدث تحول جذري في موقف الاتحاد الأفريقي تابعه العالم بعد مرور عامين على ثورة 30 يونيو، إذ تراجع مجلس الأمن والسلم الأفريقي في يونيو 2014 عن قراره السابق بتجميد عضوية مصر في أنشطة الاتحاد الأفريقي والذي سبق أن اتخذه بعد الثورة في محاولة للضغط على مصر للعودة إلى الاستقرار – من وجهة نظره - ويعد إلغاء القرار اعترافا واضحا بأن ما حدث في 30 يونيو ثورة شعبية حقيقية، ويرجع ذلك بفضل التحركات المكثفة من جانب الخارجية المصرية مع عدد من العواصم الأفريقية في عهد الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور، إلى جانب الجهود الحثيثة التي بذلتها عدد من دول الخليج لتوضيح الصورة المغلوطة عن الثورة لدى الدول الأفريقية. وسرعان ما عادت مصر إلى أحضان الاتحاد الأفريقي، وسط ترحيب حافل، بمشاركتها في أعمال الدورة ال23 لقمة الاتحاد الأفريقي في يونيو 2014، ومن بعدها في أديس أبابا في يناير الماضي، ثم الأخيرة في جوهانسبرج، كما شهدت العلاقات مع دول حوض النيل وعلى رأسها إثيوبيا تطورا لافتا للأنظار. وعلى الرغم من أن جنوب أفريقيا كانت آخر دول القارة السمراء التي أقرت بشرعية 30 يونيو، و كانت معارضتها للثورة أحد أسباب تعليق عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي لنحو عام، بسبب دعمها لجماعة الإخوان، فإن الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس جاكوب زوما لمصر في أبريل الماضي كانت نقطة تحول في الموقف الجنوب أفريقي، إذ بعثت رسالة واضحة لمصر والعالم أجمع بأن جنوب أفريقيا تدعم إرادة المصريين وكل الخطوات التي تتخذها القيادة الحالية في سبيل إرساء الأمن والاستقرار. وأسيويا، ومن اليوم الأول، أعلنت الصين احترامها الكامل لإرادة الشعب المصري، وأكدت على أن الشعبين الصيني والمصري تربطهما علاقات صداقة وتعاون لن تتغير مهما كانت الأوضاع، مشيرة إلى أن ما حدث في مصر شأن داخلي لا ينبغي التدخل فيه. واتضح ذلك الموقف الإيجابي في زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الناجحة إلى الصين والتي تم خلالها توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية المهمة. كما أيدت كوريا الجنوبية ثورة الشعب المصري في 30 يونيو، مؤكدة احترامها لاختيار المصريين، ومشددة على أن مستقبل مصر يحدده شعبها، وظهر هذا الدعم الكوري الجنوبي في اللقاء المهم أيضا بين الرئيس السيسي ورئيسة كوريا الجنوبية بارك كون هيه العام الماضي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى زيارة رئيس الوزراء الكوري الجنوبي إلى مصر في نوفمبر الماضي والتي دعا خلالها الرئيس السيسي لزيارة سول. كما كان لكوريا الشمالية ولا يزال موقف إيجابي تجاه مصر بعد ثورة 30 يونيو، وهذا ما أكده السفير الكوري الشمالي باك شون آبل الذي أعلن تأييد بلاده الكامل لمصر في مواجهة الإرهاب، فضلا عن اللقاء بين رئيس الوزراء إبراهيم محلب ورئيس هيئة مجلس الشعب الأعلى لكوريا الشمالية على هامش القمة الأفرو آسيوية بجاكرتا، حيث أكد المسئول الكوري الشمالي اهتمام بلاده بتدعيم العلاقات مع مصر. وشهد الموقف الياباني تجاه مصر تحولا كبيرا منذ أحداث ثورة 30 يونيو، ففي البداية اتخذت اليابان موقفا أشبه بالتجاهل بإصدارها بيانا أوضحت فيه أن المشهد المصري ملتبس وغير قابل للتنبؤ، وأن اليابان تراقب بقلق تطورات الأوضاع في مصر، ولكن ذلك الموقف تغير تدريجيا مع قراءة الأحداث بصورة دقيقة، حتى وصل إلى نقطة تحول جذرية بزيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى مصر في يناير الماضي، لتكون القاهرة أولى العواصم التي يزورها آبي بعد إعادة انتخابه للتأكيد على رغبة اليابان في تعميق التعاون مع مصر. أما تركيا "المسكينة"، فقد تحولت من أقوى حليف لثورة 25 يناير بعد صعود جماعة الإخوان إلى السلطة لتصبح ألد الأعداء لمصر بعد ثورة 30 يونيو، إذ قادت ولا تزال حملة سياسية وإعلامية شرسة اختلفت درجاتها وتصاعدت عقب الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي منذ عامين، بداية بتحريض رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان على ضرورة التدخل الدولي لإعادة ما يعتبره "شرعية" إلى الإخوان، متهما الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي ب"النفاق وتجاهل الديمقراطية" على حد تعبيره، انتهاء بتبادل طرد السفراء والدبلوماسيين بين الطرفين، ولم يقتصر الأمر على التصريحات والبيانات، بل امتد ليشمل اشتراكا في مؤامرات وخطط مشبوهة لإثارة الفوضى في مصر، عبر استضافة شخصيات وقيادات وقنوات إعلامية من الجماعة المحظورة ومؤيديها تمارس إرهابها ضد مصر انطلاقا من تركيا بدعم واضح من إردوغان الذي تراجعت شعبيته كثيرا ولم تعد بلاده نموذجا براقا لأي من دول المنطقة، سواء بسبب دورها الإثاري في مصر، أو بسبب دورها في ظهور ودعم تنظيم "داعش" الإرهابى.