يمثل سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية في مصر نقطة تحول في تاريخ الإسلام السياسي في المنطقة العربية، ونهاية لحقبة الإسلام السياسي التي ظلت قائمة طيلة العقود الثلاثة الماضية, كما يشكل تراجعا لدور الحركات والتنظيمات الإسلامية التي لم تستطع تطوير خطابها وأيديولوجيتها وسلوكها السياسي ليتواءم مع التغيرات والتحولات التي شهدتها مرحلة الربيع العربي. ولم تخسر جماعة الإخوان المسلمين السلطة فحسب، وإنما أيضا خسرت قدرتها علي تقديم نموذج سياسي يمكن أن يكون ملهما للمجتمع وأفراده, أو إقامة نظام سياسي رشيد يمكنه أن يجتذب إليه فئات عديدة من خارج القواعد الإخوانية التقليدية، وغلب علي سياساتهم الطابع الإقصائي والاحتكاري للسلطة. ويمثل سقوط الإخوان – أيضا - ضربة موجعة ليس فقط لمستقبل الحركات والتيارات الإسلامية الأخرى، وفي الوقت الذي تحاول فيه بعض هذه التيارات الخروج من عباءة الإخوان، كما هي الحال مع بعض القوي السلفية كحزب النور، فإن قدرتها علي تجاوز النموذج الإخواني لا تزال محل شك كبير. ولا تطرح هذه القوي أي نموذج بديل للإسلام السياسي، وتتبني نماذج أكثر انغلاقا، رغم محاولتها ارتداء ثياب البراجماتية السياسية. كما أن هذه القوى لا تزال تصر علي الخلط بين الجانبين الدعوي والسياسي، وهو ما قد ينبئ بأن يصبح مصيرها مثل مصير الإخوان، وفشلت جماعة الفاشية الدينية في النأي بخطابها الديني والأيديولوجي المتشدد عن هذا الاستقطاب. على الجانب الآخر، دأبت مؤسساتنا الدينية الرسمية على تجفيف منابع التطرف واستعادة المساجد التي استباحتها جماعات التطرف الديني وجعلت منها منبرا لنشر الفكر التكفيري والإقصائي وحشد المتظاهرين ودعمهم بالمال والسلاح، ولكنها فشلت في تقديم نموذج الداعية العصري القادر على ملء هذا الفراغ في الساحة الدعوية, فالمنابر تبحث عن أئمة رغم قرار وزارة الأوقاف بعدم صعود المنابر لغير الأزهريين ومنع السلفيين من الدعوة وحتى الآن نرى المنابر شاغرة ولا يوجد الإمام القدوة الذى يؤثر في محيطه. علماء الدين يؤكدون أن المنابر تبحث عن أئمة، وان سبب الأزمة هو ضعف المستوى العلمي للأئمة وعدم انخراط الإمام مع المصلين والبيئة المحيطة به والاقتراب منهم للاطلاع على المشاكل الخاصة بهم والمساهمة في وضع حلول لها. ويرجع العلماء سبب ذلك - أيضا – الى ضعف العائد المادي للأئمة وانشغال كثير منهم في عمل آخر غير الدعوة بسبب متطلبات الحياة، فضلا عن ضعف المستوى العلمي في بعض الكليات الأزهرية, وطالبوا العلماء بضرورة الاهتمام بمستوى الإمام وأن تكون هناك لجنة متخصصة لاختيار الأفضل والأكفأ ومن له تأثير في محيطه وشعبية كبيرة ليكون قادرا على الإقناع وأن يكون متميزا بالوسطية وليس لديه أي انتماءات حزبية ويكون هدفه الأول والأخير دعوة الناس إلى الطريق الوسطي المستنير وأن يعمل على توحيد صفوف المسلمين. وضع الخطط العلمية ويرى الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن العملية الدعوية المسجدية ينبغي أن توضع لها الخطط العلمية والعملية من خبراء أكاديميين خاصة في أقسام وكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر وفق تصور ميداني لما يلائم فقه الأولويات والمصالح والمقاصد. قال الله عز وجل : (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن) وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "خاطبوا الناس على قدر عقولهم", وكما أثر عن العرب (لكل مقام مقال ولكل حادثة حديث) ومع التأهيل العلمي للمؤسسات العلمية ذات العلاقة بتخريج الأئمة والوعاظ للمساجد مع ضرورة تنقية العملية التعليمية بادئ ذي بدء عن مفاهيم مغلوطة وأفكار خاطئة وإبعاد العمل الدعوي برمته عن المذهبيات والطائفيات مثل الجماعات المتطرفة والمتشددة فهؤلاء يعملون لمبادئهم وأجنداتهم على حساب الدين والوطن، وهذا العمل يحتاج إلى إنفاذه دون أنصاف حلول مع الإشراف الجاد من وزارة الأوقاف الحالية أو الشئون الدينية المرتقبة على المساجد والتوصية بمنع وحظر أداء الخطب في الزوايا وما أشبه لما تقرر شرعا أن خطب الجمع والمناسبات الدينية تكون في المساجد الجامعة، وعدم المجاملة أو الخضوع لإملاءات سياسية أو تعليمات أمنية ترخص لمن يحظر عليهم من غير حاملي درجات علوم أصول الدين والشريعة الإسلامية ممارسة الدعوة الإسلامية في بيوت الله عز وجل. واقترحت استحداث مهمة الإمام الزائر ويناط به الأعمال الدعوية بالمسجد والتواصل مع أهل المنطقة في المناسبات والمشاكل والأزمات وزيارات ميدانية، فقد كان النبي، صلى الله عليه وسلم, يخرج بنفسه للإصلاح بين الناس، وكان يعود المرضى بنفسه ولو غير المسلمين، وكان يشيع الجنائز, فتواصله الاجتماعي مضرب الأمثال، فلماذا لا يقتدى الدعاة والوعاظ بهديه؟ (افعلوا الخير ولعلكم تفلحون). شبكات التواصل الاجتماعي يوضح الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, أن منع المؤهلين من صعود المنابر ليس في صالح الدعوة الإسلامية, فالكل يعلم تراجع المستوى العلمي لمن يعمل في مجال الدعوة من خريجي كلياتها, لأسباب عديدة معلومة, ولذا فمن المفيد ألا يكمم فم أحد أيا كان توجهه عن أن يقول في هذا السبيل ما يصلح, وليبتعد كل البعد عن أن يستميل الناس إلى فكر, أو توجه, أو منهج معين, أو أن يخوض في أي أمر يتعلق بالسياسة. ويؤكد الدكتور محمد إسماعيل البحيري, إمام وخطيب مسجد زهراء مدينة نصر, أن هناك آئمة يتخذون منهج مصالحهم فوق أى مصلحة حتى وإن كانت مصلحة أمن البلد فلابد من كشفهم للناس، وهناك مناهج تظهر حقائق وتتشدق بها وتضع وسطها مصائب فينخدع بها كثير من الناس، فكشف هذه المناهج كفيل بتراجع الكثير من المنتمين إليهم، وطالب بالكف عن العشوائية فلابد من معالجة فكرية وعلمية مدروسة ومحسوبة حتى تأتى النتائج المرجوة. غياب الإمام القدوة ويضيف إن الإمام هو رمانة الميزان في عملية الدعوة، فهو الذي يلتحم بالجمهور ويعيش معهم، ولو لم يلق رعاية وعناية، لن يقوم بواجبه، وأضاف أن الداعية لابد أن ينفق عليه جيدًا ويدرب جيدًا لأنه حصن الدفاع الحصين فى معركة التفكير.