هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، صحابى جليل، وابن عم النبى محمد صلى الله عليه وسلم ، حبر الأمة وفقيهها وإمام التفسير وترجمان القرآن، ولد ببنى هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان النبى محمد صلى الله عليه وسلم دائم الدعاء لابن عباس' فدعا أن يملأ الله جوفه عِلماً وأن يجعله صالحاً. وكان يدنيه منه وهو طفل ويربّت على كتفه وهو يقول: «اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل». وقال ابن عباس ( ضمّنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: اللهم علِّمه الحكمة). وكان ابن عباس منذ طفولته لا يتخلف عن مجلس رسول الله ولا عن الصلاة خلفه ,وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرى فى ابن عمه غلاما نجيبا ,عقله أكبر من سنه, ومداركه أوسع من طفولته, فهو لا يكاد يسمع آية من كتاب الله حتى يحفظها عن ظهر قلب، ولا يكاد يسمع حديثا نبويا حتى يعيه ويستوعبه، وكان يجالس الكبار ويستمع ويحفظ. ويعطينا صورة لحرصه على إدراكه الحقيقة والمعرفة, فيقول عن نفسه: «ان كنت لأسأل عن الأمر الواحد، ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولغزارة علم ابن عباس، لقب ب «البحر» إذ أنه لم يتعود أن يسكت عن أمر سُئل عنه، فإن كان الأمر فى القرآن أخبر به، وإن لم يكن فى القرآن وكان عن حديث رسول الله أخبر به، فإن كان من سيرة أحد الصحابة أخبر به، فإن لم يكن فى شيء من هؤلاء قدم رأيه فيه، وقد قال : سلونى عن التفسير فإن ربى وهب لى لسانا سئولا وقلبا عقولا. كان ابن عباس طاهر القلب، يتمنّى الخير لكل من يعرف ومن لا يعرف من الناس ,فيقول عن نفسه: «إنى لآتى على الآية من كتاب الله فأود لو أن الناس جميعا علموا مثل الذى أعلم. وإنى لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضى بالعدل، ويحكم بالقسط، فأفرح به وأدعو له ومالى عنده قضيّة' وإنى لأسمع بالغيث يصيب للمسلمين أرضا فأفرح به، ومالى بتلك الأرض سائمة.» كما كان ابن عباس يفيض على الناس بماله بنفس السماح الذى يفيض به علمه، وكان معاصروه يقولون: ما رأينا بيتا أكثر طعاما، ولا شرابا ولا فاكهة ولا عِلْما من بيت ابن عباس. كان لتنوّع ثقافته، وشمول معرفته.. فى تفسير القرآن وتأويله وفى الفقه.. وفى التاريخ.. وفى لغة العرب وآدابهم، مقصدا للباحثين عن المعرفة، يأتيه الناس أفواجا من أقطار الإسلام، ليسمعوا منه، وليتفقهوا عليه. وكانت حجته كضوء الشمس وضوحا. وهو فى حواره ومنطقه، لا يترك خصمه الا مقتنعا ومسرورا من روعة المنطق وفطنة الحوار. ولطالما روّع الخوارج , فقد بعث به الإمام عليّ بن أبى طالب ذات يوم إلى طائفة كبيرة من الخوارج فدار بينه وبينهم حوار رائع وجّه فيه الحديث وساق الحجة بشكل يبهر الألباب.. ، وما كاد ينتهى النقاش حتى نهض منهم عشرون ألفا معلنين اقتناعهم، وخروجهم من خُصومة الإمام على بن أبى طالب. لمزيد من مقالات د. محمد رضا عوض